تتسم قصبة أكادير أوفلا، المصنفة ضمن التراث الوطني المحمي، بحمولة تاريخية كبيرة؛ فالكثيرون يعتبرون أن ذاكرة الماضي هاته لا تزال غير معروفة كفاية كما هو الحال بالنسبة إلى البعد الدولي والعلاقات الخارجية التي نسجت قديما انطلاقا من هذا الموقع. وبالفعل، يسجل مؤرخون من جامعة ابن زهر أنه تاريخ أكادير يختزل غالبا في العصر الحديث ما بين بداية الاستعمار وتاريخ الزلزال الذي ضرب المدينة سنة 1960؛ غير أن المدينة كانت معروفة لدى الأوروبيين منذ فترة طويلة جدا. وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر، كانت الخرائط الملاحية الأوروبية تشير إلى المكان تحت اسم "بورطو ميسكينوم" (ميناء قبيلة مسكينة المحلية). وفي سنة 1505، شيّد البرتغاليون في المكان نفسه، الذي يقع عند السفح المطل على خليج أكادير، مركزا تجاريا وقلعة أطلقوا عليها اسم سانتا كروز دو كابو دو أغير (الصليب المقدس لرأس غير). وأصبح هذا الموقع فيما بعد يعرف بحي فونتي (نافورة باللغة البرتغالية). وفي سنة 1541، بنى السلطان السعدي محمد الشيخ على قمة الموقع، على ارتفاع حوالي 236 مترا، قلعة (قصبة) أكادير أوفلا (أكادير من الأعلى بالأمازيغية) والتي ستنهي بعد ذلك الاحتلال البرتغالي لسانتا كروز. وبالإضافة إلى الموقع البحري الإستراتيجي لمدينة أكادير، فإن الثروات السمكية والفلاحية والمعدنية لترابها أدت إلى ازدهار اقتصادي وتجاري مهم. وكانت المدينة، التي حظيت بسمعة طيبة على المستوى الدولي، محط أطماع الأوروبيين. ولم يفتأ التجار الهولنديون والدنماركيون والفرنسيون والإنجليز والبرتغاليون والإسبان يتنازعون بسط النفوذ عليها. وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر، أصبح ميناء أكادير، الذي أضحى منفذا للسودان، ميناء رئيسيا للعبور وتبادل السلع الأوروبية مقابل منتجات جنوب المغرب والسودان (وخاصة الذهب). وبعد فترة ازدهار طويلة، بدأت أكادير في التراجع منذ سنة 1760، وهو التاريخ الذي تم فيه بناء ميناء موغادور (الصويرة)، ليحل محل ميناء أكادير التي طالها الإهمال على مدى قرن ونصف القرن. وفي نهاية القرن التاسع عشر، استعادت مدينة أكادير مكانتها الاقتصادية والإستراتيجية السابقة. واستقر تجار ألمان، ومنهم الإخوة مانيسمان، في سوس، حيث احتلوا الأراضي الفلاحية والمناجم الموجهة إلى التصدير. واسترجعت المدينة، مجددا، دورها الريادي سنة 1911 خلال الصراع الفرنسي - الألماني حول احتلال هذا الموقع الإستراتيجي. وفي 29 فبراير 1960، تعرضت أكادير، التي كان تعداد سكانها 47 ألف نسمة، للدمار جراء هزة أرضية بقوة 5.7 درجات على سلم ريشتر في غضون 15 ثانية. ودمرت كليا أحياء "أكادير أوفلا" و"القصبة" و"فونتي". وكانت حصيلة الكارثة مأساوية بحوالي 15 ألف قتيل. وبعد أزيد من نصف قرن منذ وقوع الزلزال، لا يزال الموقع يعاني الإهمال. انبعاث الذاكرة التاريخية للمدينة وإعادة البريق للقصبة من أجل إشعاع ثقافي وسياحي أفضل، صار أمرا ملحا، حسب ما يدعو له منتدى إزوران ناكادير (جذور أكادير)، الجمعية التي تضم قدماء سكان عاصمة سوس الذين ينشطون من أجل الحفاظ على الذاكرة الجماعية. ويبدو أن السلطات والمنتخبين والنسيج الجمعوي والباحثين يفضّلون اليوم اعتماد رؤية شاملة، إذ يشمل مشروع التثمين محاور مختلفة تتعلق بالطابع التاريخي والثقافي للقصبة، وكذا هندستها المعمارية وبيئتها، فضلا عن تطوير الأمن وتثمين السياحة. كما يمثل الحفاظ على رفات الضحايا المدفونين تحت الأنقاض إحدى الأولويات. ولتجاوز الصعوبات التي أعاقت، حتى اليوم، أعمال الترميم وإعادة التأهيل، جرى إبرام اتفاقية بين مختلف الشركاء (وزارة الداخلية، ووزارة الثقافة، وولاية جهة سوس ماسة، والمجلس الجهوي والجماعة الحضرية لأكادير)، ينخرط فيها أيضا منتدى إزوران ناكادير وجمعية السكان المنحدرين من القصبة التي تضم ناجين وذوي الحقوق مغاربة وأجانب. والهدف من هذه المبادرة هو تثمين هذا التراث الذي يرمز إلى الذاكرة الجماعية والهوية الثقافية لمنطقة برمتها. وتم بهذا الخصوص، رصد غلاف مالي بقيمة 30 مليون درهم على مدى ثلاث سنوات، وتولت شركة العمران مهمة أشغال الترميم ووعدت بإنشاء شركة تتولى التثمين والترويج لهذا الموقع الذي يطل على المحطة السياحية الأولى وطنيا. وفي سياق هذه الدينامية، منحت سفارة الولاياتالمتحدة بالمغرب مبلغ 150 ألف دولار من أجل ترميم شطر من الجدار الجنوبي للقصبة، في إطار صندوق السفراء للحفاظ على التراث الثقافي. ولدى حال الانتهاء منه، سيكمل مشروع التثمين بلا شك عرض المحطة السياحية الأولى وطنيا، وسيعكس الجانب الثقافي والتاريخي للمدينة أجزاء كاملة من ماضيها الغني وانفتاحها على العالم فضلا عن التعايش السلمي بين أديان مختلفة، وسيكون هذا العمل بمثابة تكريم للزخم الاستثنائي لتضامن المغاربة في أعقاب الزلزال بالإضافة إلى أعمال إعادة الإعمار التي جرت تحت قيادة الراحلين الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني. *و. م. ع