- ركودنا هذا مصدره.. لقد أنتجه تجار وسماسرة.. أحزاب تتاجر في الدين والسياسة.. والتواطؤ بين "تجار الدين" و"تجار السياسة"، هو تواطؤ لا يفرق بين "كتاب الله" وبين النزاهة المفروضة في العمل السياسي.. التجار لا يفرقون بين الدين والدولة.. ولا تهمهم إلا تجارتهم.. المنافع عندهم هي الأهم.. وفي خضم هذا الخلط، وما يعقبه من سلوك سيئ، تكمن كل المخاطر: سياسيون يحتكرون الخطاب الديني.. وأئمة يستغلون الدين لأهداف سياسية.. وهذا التواطؤ هو أخطر منتج للإثراء اللامشروع.. وعند تشريح واقعنا الاقتصادي، نجد أن وضعنا هو في حالة ركود شامل، وأن هذه الحالة تقف وراءها أحزاب تجمع بين استغلال الدين واستغلال السياسة! وهذا يقود إلى الاستيلاء على ثروات البلد.. ويجب الانتباه لهذا السرطان الذي يضر أيما إضرار باقتصادنا الوطني، ومن ثمة بحقوق الوطن والمواطن.. إنه السبب الرئيس في ركودنا الاقتصادي.. لقد أوصلونا إلى الحضيض.. حكوماتنا المتعاقبة لم تفكر إلا في أحزابها، ومصالحها، ومقربيها، وزبنائها، وشركائها في الداخل والخارج.. ونحن المواطنون، هي لا تعبأ بنا.. ولا بمصالح الوطن.. نحن والوطن سيان، في تخطيطاتها السياسية والاقتصادية.. - السياسة والاقتصاد متواطئان على البلد، وشعب البلد.. أحزاب اختطفت ديمقراطية الأحزاب، ورسالة الدين.. وحولت الدين إلى مجرد آذان، وطقوس، وتعاويذ، وشعوذات، ومساجد فخمة، وخطب مناسباتية يتلوها أئمة السلطة، نيابة عن وزارة الأوقاف.. والأحزاب قد حولوها إلى مركب للاغتناء، وصناديق انتخابية تكرس تزوير الديمقراطية، وتقود إلى مناصب عليا.. تواطؤ فقهاء مع أحزاب، لتكريس العنصرية، وتشريع قوانين تحارب الفقراء، ولا تزيدهم إلا تشريدا وحرمانا من أبسط الحقوق.. وقد أوصلنا التواطؤ بين تجار الدين وتجار السياسة إلى الحضيض الاقتصادي والتعليمي والتشغيلي والصحي والحقوقي وما إلى هذه من إضافات... وهذا التواطؤ لا يهتم إلا بكيفية إبقاء التفقير على مستواه الهابط، وكيفية إدامة التكليخ والتجهيل، وصناعة المزيد من البؤس والتبئيس.. جل السياسيين والمتأسلمين لا تهمهم إلا الوجاهة، لهم ولعائلاتهم وأصدقائهم وعملائهم وشركائهم في السراء والضراء... وهكذا أبقوا أجدادنا، وآباءنا، على حال متدهور من الفقر والجهل.. وعلى هذه الحال ما زالوا، كما كانوا... يورثون أبناءهم الثروة والمعرفة والجاه.. ويورثوننا نحن الفقر والجهل والتخلف.. وهذه حالنا مستمرة كما كانت، ولا تنتج إلا نفس الركود المستفحل بمختلف القطاعات.. - ركود اقتصادي، لنا نحن فقط.. نحن ضحايا البطالة اللامتناهية.. ضحايا إفلاس شركات كثيرة.. وفي الميدان، لا تبقى إلا شركاتهم، هم الشبكة التي تستغل الدين، وتستغل السياسة.. شركات هي نفسها تتحكم في الاقتصاد والقوانين وغيرها، بفضل تقربها من السلطة.. وفي محيط السلطة تصنع لنفسها المزيد من الثروة، وتضمن استمرارية شركاتها المتجددة، وحصولها على صفقات عمومية بلا حدود.. وبفضل استقرار هذه الفئة الانتهازية، في محيط مراكز القرار، تصنع شركات صغيرة هنا وهناك، منها شركات التشجير، على سبيل المثال، لكي تقوم بتسويق أغراس بمختلف المدن، على أنقاض الأشجار الأصلية.. وأضف إليها صفقات أرصفة الشوارع، وصفقات خدماتية وغيرها... شركاتهم لا تموت.. هي لا تزداد إلا تضخما.. بينما شركات منافسيهم سرعان ما تنتهي.. وحتى أفكار هذه الشركات، تسرقها شركات لا تموت.. وهكذا تعيش شركات قليلة.. وتموت شركات كثيرة.. ويتكرس في بلادنا الركود الاقتصادي.. وتجد في السياسيين والمتفيقهين من يبررون الاحتكار الاقتصادي والسياسي والديني.. ويبررون استفحال الفقر في بلدنا.. ومن مبرراتهم اعتبار الفقر من عقاب السماء، استنادا إلى أن "الله يغني من يشاء، ويفقر من يشاء".. - وشتان ما بين من هو يشاء أن يكون فقيرا، أي هو نفسه، وبسلوكه، يتسبب في تفقير نفسه، ومن هو نفسه يعمل لتحسين حالته، ويشاء تجنيب نفسه الفقر.. ودور الحكومة ليس هو تكريس الفقر، وسوء تأويل كتاب الله، لتفقير الناس.. دور الحكومة هو حسن تدبير وتسيير شؤون البلد، لتجنيب الناس حالة الفاقة والاحتياج.. وللدول العلمانية التي لا تحتكم إلى الدين، بل إلى قوانين مدنية، محاسبات منتظمة لتجنيب البلاد أي فساد اقتصادي، وأي تضليل للناس عن طريق سوء تفسير الدين، وأي استغلال للسياسة، من أجل نهب ثروات البلد، ومن ثمة تفقير المواطنين.. ومن يريد ألا يغرق في البحر، فعليه بتجنب البحر، وتعلم فن السباحة، وإلا فهو حتما من الغارقين، ولو كان من أكبر العارفين بشؤون الدنيا والآخرة.. ولا يستقيم الاقتصاد إلا بحسن التدبير والتسيير، وما عدا هذا، يغرق الاقتصاد في الرشوة والسرقة وبقية ألوان الفساد.. ويفقد كثير من العمال عملهم، والموظفين وظائفهم، وتفلس كثير من الشركات، وينهار الاقتصاد، وتسقط الدولة في أتون "عصيان مدني"! - وجب الانتباه! إننا، بدون حسن التدبير، غارقون في الأسوء.. ولا يحسبن أحد أن استفحال البطالة سيمنع تزايد انعكاسات اجتماعية وسياسية خطيرة.. نحن مهددون أكثر، بالركود الاقتصادي الحاصل في بلادنا.. القدرة الشرائية منهارة.. وهذا واضح في تدني توازنات البيع والشراء، وفي انهيار القدرات المؤهلة لإنتاج الثروات الاجتماعية، وبناء طبقة متوسطة فعالة.. دورتنا الاقتصاية لا تشمل كل فئات المجتمع.. تدور فقط حول أقلية البلد.. وهذه هي تملك السلطة والمال، وتتحكم في مراكز القرار، محليا ووطنيا.. أصحاب "المال والأعمال" هم الأقلية التي تملك كل شيء، ولا تؤدي الضرائب، ولا يحاسبها أحد.. هي فوق القانون.. وأكثرية الناس متضررون.. وفي حالة نفسية وعقلية وعصبية، بلا حدود.. والحكومة لا تزيد أحوالهم إلا إحباطا، وتضييقا وتيئيسا.. والشباب أكثرهم في عزوف عن الزواج.. وكثير يرحلون عن البلد، باحثين عن عيش كريم وراء البحار.. الحكومة لا تريد شبابنا إلا في حالة عجز عن مواكبة تكاليف الحياة.. وهذه هي السياسة العامة.. سياسة تنتج أخلاقيات جديد.. سلبية إلى أقصى الحدود.. ولا تريد استقرارا للمجتمع.. فقط، خللا دائما يجعل من "العدالة الاجتماعية" شعارا، لا أكثر ولا أقل.. البلاد تسير بالشعارات.. - لا بالعمل! وتحمل المجتمع الفقير نفسه مسؤولية كل السلبيات: هو مسؤول عن كل شيء.. وعن فقره.. وعن أداء ثمن فقره.. وانعدام ضمانه الاجتماعي.. ومسؤول عن كل الفساد المستفحل في البلد.. وحتى أمام الأبناك الدولية، المجتمع هو المسؤول عن أداء كل الديون، جيلا بعد جيل، إلى اللانهاية... ركود اقتصادي يقود إلى كل المساوئ التي يعرفها البلد، وكل ما لا يعرف.. وكل ما سوف يأتي.. ونحن المجتمع، تحملنا الدولة مسؤولية كل الخلل الذي قد حصل، والذي سوف يحصل، لأننا نحن انتخبنا أشخاصا غير لائقين.. والحقيقة أن بلادنا ما كانت فيها انتخابات نزيهة.. انتخاباتنا كلها مزورة.. وكل أحزابنا ليست أحزابا، بل من أتباع السلطة.. والسلطة هي الوصية على المجالس المحلية.. وتبقى الأحزاب صورية.. هي في الواجهة.. خيوط تحركها السلطة.. - ونحن الشعب نؤدي الثمن! [email protected]