سؤال يتردد لدى المحبين لفريق النهضة البركانية ويطرحه المتابعون له. وقد جاءت مباراته الأخيرة أمام الفريق الكونغولي بإجابات قوية. وبمتابعة شريط المباراة من بدايتها إلى دقائقها الأخيرة، يمكن استنطاق ثلاثة جوانب أساسية: النفسية/الذهنية، البدنية، التقنية. 1. الجانب النفسي: يبدو أن زخم المباراة وهاجس التأهل سيطرا على جل اللاعبين، وهو هاجس مفهوم مع الطموح المشروع، لكن الغائب الأكبر لتحقيق المبتغى هو الإعداد النفسي والذهني، وهذا يطرح سؤالا عريضا حول دور المعد النفسي، هل هي مهمة المدرب أم طاقمه، أم من المفروض أن يتصدى لهذا العمل مختصون دارسون، خاصة في ظل الإمكانات المادية الهائلة التي يمتلكها الفريق؟ وهل يكفي في منافسة قارية أن يُشحَن اللاعبون بتحفيزات مادية صرف فقط، دون تمكينهم من الإعداد النفسي والذهني العلمي لأية مباراة، بل ومواكبة هذا الإعدادي لكل فترات الحياة اليومية التي يقضيها اللاعب مع الفريق ما دام يستمتع بمزية الاحتراف؟ ولذلك لوحظ غياب الإعداد النفسي والذهني طيلة المباراة بفعل هاجس التأهل بأية طريقة، في حين كان البلوغ إلى الهدف مُيَسَّرا لو حضر الإعداد النفسي والذهني الغائب، ومن مظاهره خلال المباراة: الإسراع غير المبرر في التمرير، وتنفيذ الكرات الثابتة، والعشوائية في إرسال الكرات العالية إلى معسكر الخصم. 2. الجانب البدني: المباراة كانت اختبارا قويا، ومِحكّا بارزا للقدرة البدنية للاعبين، وقد كشف اللقاء عن خصاص مهول في الاستعداد البدني لبعض اللاعبين، وقد تكون لهذا العامل مبرراته الموضوعية، منها كثرة المباريات، والتنقلات المتقاربة،... ولكن الحقيقة الناصعة أن فريقا طموحا في أقوى منافسات الإفريقية، لا يمتلك مخزونا بدنيا كافيا، يمكنه من الاستمرار في هذه المنافسات القارية، وبالطبع لا يؤهله لامتلاك هوية الفريق البطل قاريا، وما التغييرات التي أقدم عليها المدرب إلا دليلا قويا (تغيير كل من الهلالي، المباركي، والنمساي)، وهؤلاء الثلاثة مثلوا عينة من عينات الضعف البدني بشكل واضح، وقد يكون عامل السن ونفاد مردودهم التقني والبدني في فرق أخرى السبب. والسؤال الذي ظل مطروحا منذ مدة: لماذا أصبح الفريق "مقبرة" للاعبين انتهت صلاحيتهم الكروية، ويُؤتى بهم إلى فريق ينافس على بطولة قارية؟ وما هي دوافع هذه الانتدابات؟ وهل بمثل هؤلاء اللاعبين-مع تقدير عطاءاتهم السابقة- كان سيستمر الطموح والحلم بالاستمرار في هذه المنافسة القارية؟ 3. الجانب التقني: في نظري المتواضع، وقد أكون مجانبا للصواب، غابت الخطة التقنية الناجعة، وإذا كانت هناك خطة تقنية، فإما أن اللاعبين لم يلتزموا بها تحت ضغط العامل النفسي الغائب، أو بفعل افتقار الاستعداد البدني. ولذلك ظل وسط ميدان الفريق فارغا في فترات كثيرة من المباراة، مما مكّن الخصم من السيطرة عليه، ونجح في التنسيق بين خطي وسطه ودفاعه، واعتمد الهجمات المضادة التي تمكن من خلال إحداها من حسم التأهل. إن غياب أو اضطراب الخطة التقنية لفريق يطمح إلى التأهل إلى نصف نهاية قارية، يطرح إشكالا كبيرا حول مهمة الطاقم التقني للفريق، مع الإشارة إلى أن هذا الأمر لا ينتقص من قيمة مدرب تسلم فريقا في ظروف خاصة، وحاول جهده ومُستَطاعَه، أن يذهب بالفريق بعيدا -وفوق طاقتك لا تُلام كما يُقال- ولكن يُحسَب للمدرب أنه بلغ بالفريق دور الربع، ومن ثم يستحق التقدير وتثمين روحه العالية وعواطفه الجياشة التي أبداها طيلة إشرافه على الفريق، لكن مع ذلك ينبغي الاعتراف بأن السقف التقني لفريق ينافس على لقب قاري يحتاج - إلى جانب الحماس العاطفي- إلى حد أقصى من الرصيد التقني، نتمنى أن يحرزه المدرب في السنوات القادمة، ويبقى على الجمهور والمشرفين على الفريق الإشادةُ بعمل المدرب الجدي الذي يستحق كل التقدير والاحترام. وأخيرا، ماذا بعد الإقصاء؟ إن تجربة الفريق بعد مغامرته الإفريقية تعد رصيدا إضافيا على مستوى الفريق قاريا، ولكن مع ذلك، فإن هذا الإقصاء يختزل حقيقة مفادها أن الفريق - بكل الإمكانات المادية الهائلة-يحتاج إلى مراجعة شاملة لأوراقه، سواء على مستوى إدارته التقنية، أو مخزونه البشري من اللاعبين، أو منهجية المنافسة، ولا أظن أن فريقا يستمر بهذه الوضعية الحالية يمكنه الوصول إلى هذا الدور من المنافسات الإفريقية، بل قد لا يستطيع مجاراة البطولة الوطنية بسهولة، ولذلك نستطيع القول حاليا: إن فريق النهضة البركانية لا يملك هوية الفريق البطل، اللهم إلا إذا حصل التغيير الجذري على المستويات المُشار إليها في هذا المقال.