لا يتوقع الكثيرون أن تتحسن صحة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بالنظر إلى مرضه المزمن الذي أصاب أعضاء حيوية في جسده، وتردده أكثر من مرة على مستشفيات أوروبية لمتابعة العلاج، في الوقت الذي لا يخفي فيه أنصاره ومؤيدوه رغبتهم في أن يحظى بولاية خامسة في "قصر المرادية". وبالرغم من أن الأعمار تظل بيد الله، فإن المرض الذي أقعد بوتفليقة أحرجه سياسيا بسبب ندرة ظهوره العلني و"اعتذاره" عن استقبال عدد من زعماء العالم، ومن المؤكد أن "الرئيس المريض" لن يمكث طويلا في كرسي الحكم بالجارة الشرقية، وهو ما جعل مراقبين يتطلعون إلى "جزائر ما بعد مرحلة بوتفليقة". وفيما يخص العلاقات مع المغرب، بدأ محللون يستشرفون مدى إمكانية تحولها في حالة غياب بوتفليقة عن كرسي الحكم، وما إذا كانت ستتحسن وتتعافى بشكل تدريجي ليتبدد الجليد الفاصل بين الجارين، أم سيكون الأمر أكبر من مجرد "وفاة" أو غياب بوتفليقة، باعتبار أن مصلحة الذين يحكمون الجارة الشرقية تكمن في إطالة الخلاف عبر دعم جبهة البوليساريو وخلق أجواء التوتر بالمنطقة. ولاستجلاء حيثيات وتفاصيل هذا الموضوع، اتصلت هسبريس بالخبير في الشأن الدولي والاستراتيجي الدكتور محمد عصام لعروسي، الذي قال إن الجزائر تعيش منذ سنوات على إيقاع حكم نظام سياسي يعاني من غياب شبه مطلق لمؤسسة رئيس الدولة الذي يعاني من أمراض مزمنة تمنعه من القيام بأدوار الرئاسة وقيادة الجزائر في ظل ظرفية سياسية حساسة جدا داخليا ودوليا. "الجيش لا يحكم بل يُسيّر" وقال لعروسي إنه لا يتوقع حدوث تغيير كبير على مستوى العلاقات المغربية الجزائرية التي تخيم عليها حالة الجمود وعدم الثقة منذ سنوات بسبب تناقض المواقف بين الرباطوالجزائر حول قضية الصحراء المغربية، والدور الجزائري في دعم البوليساريو، واختلاف الأجندات والتوجهات الإقليمية والدولية للبلدين. وبسط الخبير ذاته عددا من المؤشرات والمعطيات التي ترجح عدم ارتقاء العلاقات بين البلدين من واقع التنافس والصراع إلى رحاب التعاون والاندماج والتكامل، بعد وفاة بوتفيلقة، أولها أن "طبيعة النسق الإقليمي والدولي لا تضع قضية الصحراء المغربية ضمن القضايا العاجلة التي تحتاج إلى حل فوري وعاجل". وشرح لعروسي ذلك بكون "الخلاف المغربي الجزائري حول قضية الصحراء يعتبر خلافا سياسيا تتحكم فيه توازنات إقليمية ودولية وله أبعاد جيوسياسية عميقة، وكلما بادر المغرب إلى تبني مقاربة إيجابية قد تفضي إلى الحل (مبادرة الحكم الذاتي)، عاد الصراع إلى نقطة الصفر بتدخلٍّ أحيانا من المبعوث الأممي وتحيزه لأطروحة البوليساريو والجزائر كما حصل مع روس". العامل الثاني لعدم تحسن العلاقات المغربية الجزائرية، في نظر لعروسي، يتمثل في "عدم وجود مؤشرات واضحة عن تغيير النخبة السياسية في الجزائر بعد أن قضى معظم وجوه حزب جبهة التحرير الوطني، الواجهة المدنية للنظام الجزائري، نحبهم"، موردا أن المادة 102 من الدستور الجزائري الجديد تشير إلى "إمكانية تسيير الدولة من قبل المؤسسة العسكرية في حالة مرض الرئيس". واستدرك الخبير في الشأن الدولي والاستراتيجي بأن "الواقع يكشف أن الدولة الجزائرية تفضل الاستمرارية وتحافظ على حيز كبير من السرية ولا تكشف كل أوراقها بخصوص خلافة الرئيس"، مشيرا إلى أنه في سنة 2015 طفا على السطح ما يعرف بالصراع على المواقع بين حلفاء الرئيس بوتفليقة وأخيه سعيد من جهة، وبين محمد مدين، المعروف ب "توفيق"، الذي كان على رأس المخابرات الجزائرية "DRS" لأزيد من 25 سنة من جهة ثانية. وعاد لعروسي إلى تذكر ملامح تلك الفترة القريبة من تاريخ الجزائر، التي انتهى خلالها الصراع بإقالة توفيق في السنة نفسها وتعويضه بالبشير طرطاق، وهو ما "اعتُبر انتصارا لجناح عبد العزيز بوتفليقة بدعم من المؤسسة العسكرية التي تتحكم في النظام الجزائري"، مشددا على أن "الجيش لا يحكم، بل يسيّر". عقيدة الاستعداء المتحدث أضاف عاملا ثالثا محددا لعدم تحسن علاقات الجارين حتى بعد "اختفاء" بوتفليقة، وهو أن "استعداء المغرب ودعم البوليساريو تحول إلى استراتيجية وعقيدة أساسية لدى النظام الجزائري، ويعتبر من ميكانيزمات تصدير الأزمة إلى الخارج وخلق عدو خارجي"، مبرزا أنها "فكرة محورية تغذي الذهنية العسكرية الجزائرية للالتفاف على موضوع دمقرطة المجتمع والقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية". واستطرد لعروسي بأن "العديد من المؤشرات الدولية والتقارير تؤكد فساد وعدم شفافية النظام السياسي، وممارسة القمع السياسي للحريات وأصوات المعارضة في مواجهة الحراك الاجتماعي والسياسي بالجزائر"، موردا أنه "مع انخفاض أسعار النفط وتكلفة الإنتاج في الجزائر (96 دولارا للبرميل)، من المؤكد توقف النظام الجزائري عن دعم المواد الأساسية، وبالتالي فسح المجال للمزيد من الاحتجاجات الاجتماعية". العامل الرابع، وفق لعروسي، يتجلى في كون "دعم البوليساريو وتسليح الجماعات الإرهابية في الحدود الجنوبية للجزائر من موريتانيا إلى مالي، بات يشكل الآلية الأساسية التي تعتمد عليها المؤسسة العسكرية في الجزائر لمراقبة المشهد الأمني المعقد في المنطقة التي تحولت إلى مجال خصب للإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات". وزاد أن "النخبة الجزائرية المقبلة ستواصل استغلال ورقة الهشاشة الأمنية والحاجة المتزايدة إلى الأمن في المنطقة، خاصة دورها العسكري في تونس وليبيا، للاستفادة من دعم الدول الغربية وإقناعها بأولوية الاستقرار السياسي بدل الإصلاح في الجزائر، وتقديم نفسها كفاعل أساسي لمحاربة الاضطرابات في منطقة الساحل جنوب الصحراء، كما تستغل الجزائر البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب ومنافسته على الريادة على الصعيد الإقليمي". وخلص لعروسي إلى أن "المؤسسة العسكرية في الجزائر هي التي تتحكم في المشهد السياسي الجزائري، ولا يمكن تصور عودة المياه إلى مجاريها وتغيير في السياسة الخارجية الجزائرية إزاء المغرب في المستقبل القريب إذا ما ظلت النخبة السياسية الحالية تسيطر على كل خيوط الحياة السياسية والاقتصادية في الجارة الشرقية".