تنظم الأحزاب السويدية ومنظمات المجتمع المدني في كل صيف أسبوعا سياسيا بجزيرة كوتلاند للنقاش و التشكيك والتحاور. ويعتبر هذا" السوق السياسي" من أشهر الأسابيع السياسية في العالم حيث حضره هذه السنة حوالي 14000 زائر وتم تنظيم حوالي 700 حدث وغطاه حوالي 560 صحافي . بمناسبة مشاركتي في يوليوز الماضي في هذا الأسبوع ذي الصيت العالمي ، ألقيت محاضرة حول قضية الصحراء حضرتها جمعيات للمجتمع المدني وأحزاب سياسية كلها تساند أطروحة الجزائر والبوليزاريو حول القضية، وما أثار انتباهي من خلال النقاش ومن خلال لقاءاتي المتعددة مع كثير من الأحزاب وبعض السويديين أصدقاء المغرب ، هو الغياب الشبه التام لوجهة النظر المغربية ، سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي أو البرلماني أو على مستوى المجتمع المدني .... النتيجة هي مساندة شبه مطلقة لكثير من الأحزاب (خصوصا اليسارية) للطرح الانفصالي، وسيطرة شبه تامة لجمعيات المجتمع المدني المساندة للبوليزاريو على كيفية صنع القرار و الرأي فيما يخص القضية. مثلا، قررت إحدى القنوات التلفزية عرض فيلم "مسروق" ) (stolen الاسترالي الذي يتحدث عن مظاهر العبودية في مخيمات تيندوف للعموم و لكن الضغوط التي مارستها الجمعيات المساندة للبوليزاريو دفعت بالقناة التلفزية إلى سحب الفيلم و عدم عرضه ليشاهده المتفرج السويدي. حاول بعض المدونون (المساندون للطرح المغربي) من أمثال دايفيد إريكسون (David Eeriksson ) التدخل لثني القناة عن قرار السحب لكن دون جدوى . بالنسبة لدافيد إريكسون، فالمغرب ليس فقط شبه غائب عن الساحة السويدية و لكنه يرسل وفودا إلى السويد ،فان هذه الأخيرة غالبا ما تجهل حقيقة الواقع السياسي و الإعلامي في هذا البلد الاسكندينافي و لا تتحدث لغة سياسية و حقوقية تخلق تجاوبا لدى الرأي العام ووسائل الإعلام السويدية. قد يقول قائل بأنه لا يهم إن كانت الأحزاب و جمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام تساند الطرح الانفصالي. ما يهم هو الموقف الرسمي. لكن ما لا يعرفه الكثير هو أن أحزاب مثل الاشتراكيين قد وافقت في مؤتمرها الأخير على الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (الراسد) ان رجعت إلى سدة الحكم في الانتخابات المقبلة، و إن اعترفت السويد بالراسد فان بلدانا مثل النرويج و فنلندا و الدانمارك سوف لن تجد حرجا في الحد و حدوها و هو ما سيؤثر سلبا على الموقف الأوربي برمته فيما يخص قضية الصحراء. لنفصل قليلا في موقف الأحزاب السويدية من قضية الصحراء. تشهد الساحة السياسية السويدية تواجد قطبين : التحالف ( (Alliansenو القطب الاشتراكي ، الأول يقود الحكومة الحالية و يجمع المحافظين و اللبراليين و حزب الوسط و الديمقراطي المسيحي بينما يتكون القطب الاشتراكي الموجود في المعارضة حاليا من حزب العمال و الحزب الشيوعي سابقا، و الخضر. هناك كذلك حزب جديد يميني متطرف في البرلمان السويدي هو سفيرغديموكراتيرنا ( sverigedemokraterna). الانتخابات المقبلة ستجري في 2014 ، وبما أن التحالف بدأ يفقد الكثير من بريقه نظرا للازمة الاقتصادية و الاجتماعية فإن القطب الاشتراكي مرشح للفوز. إبان الانتخابات الماضية وعد القطب الاشتراكي بالاعتراف بالراسد في حال فوزه. و حتى داخل التحالف الحاكم هناك مساندة قوية للطرح البوليزاري، مما يعطي الانطباع بان الانتخابات المقبلة ستعرف مزايدات انتخابوية بين اليمين واليسار حول الصحراء. لنحاول فهم مدى مساندة الأحزاب السويدية للبوليزاريو لكي نضع إستراتيجية واضحة المعالم تضمن عدم اعتراف السويد بالراسد. الحزب الشيوعي سابقا له مساندة قوية للبوليزاريو منذ الحرب الباردة، و عادة ما يقدم ملتمسات لدفع الحكومة السويدية للاعتراف بالراسد. اما الاشتراكيون الديمقراطيون فهم يساندون بقوة البوليزاريو، و هناك برلمانيون في صفوفهم عادة ما يقدمون ملتمسات للاعتراف بالراسد و لكن هذه الملتمسات لا تجد دعما من طرف وزير الخارجية السابق لارس الياسون. أما الخضر فهم لا يختلفون عن الشيوعيين في مساندتهم للبوليزاريو و هم يساندون كل الملتمسات التي تدعو إلى الاعتراف بالراسد. أما على مستوى التحالف فالمحافظون و حزب الوسط ليس لهم رأي في الموضوع ، بينما يساند حزب الشعب (الليبراليون ) البوليزاريو. اما الحزب الديمقراطي المسيحي فانه يقف بجانب الطرح الانفصالي و لكنه لم يقرر هل سيعترف بالراسد أم لا . أما اليمين المتطرف فليس له رأي في الموضوع . هكذا نرى أن الساحة السياسية في السويد حبلى بالمواقف المساندة للطروحات المعادية للوحدة الترابية الوطنية و هي آراء ستترجم إلى اعتراف بالجمهورية الوهمية في حال صعود التحالف الاشتراكي إلى الحكم في 2014. ما العمل إذا ؟ على الكل أن يتحمل مسؤولياته : وزارة الخارجية و الأحزاب و البرلمان و جمعيات المجتمع المدني. على وزارة الخارجية أن تتولى القيادة و تضع إستراتيجية ديبلوماسية و اقتصادية و إعلامية و ثقافية متكاملة و محكمة. على الأحزاب العضوة في الأمميات الليبرالية و الاشتراكية و الوسطية ألا تعمل على مستوى هذه الهيآت و لكن عليها أيضا أن تمارس الضغط اللازم لدى نظيراتها السويدية لتراجع هذه الأخيرة مواقفها. على البرلمان المقبل كذلك أن يرابط لدى نظيره السويدي للتأثير عليه و من اللازم تنظيم لقاءات و استصدار آراء جريئة من طرف برلمانيين وازنين لصالح الموقف المغربي. المجتمع المدني السويدي له تأثير كبير و هو في مجمله متعاطف مع الطرح الانفصالي . على الجمعيات الحقوقية و التنموية و الثقافية المغربية أن تمد جسور التواصل مع هذه الجمعيات للتأثير فيها و في وسائل الإعلام . تعبئة مشاهير و رجال إعلام و مدونين ممكن شريطة أن نتقن لغة التواصل و كيفية التأثير على الرأي العام الغربي. أظن أن التأثير في الرأي العام السويدي ممكن شريطة أن نتحرك الآن و لا ننتظر حتى يفوت الأوان كما كان الحال مع جنوب إفريقيا حين كان مانديلا ينصحنا بان نفعل شيئا لأن لوبيات داخل المؤتمر الوطني الإفريقي كانت تهيئ للاعتراف بالجمهورية الوهمية و تقاعسنا إلى أن وقع ما وقع . عدم فاعلية عملنا الدبلوماسي و الإشعاعي و البرلماني جعلتنا نفقد المبادرة و التأثير في الدول الاسكندينافية. إن لم نفعل شيئا الآن و بسرعة و فاعلية قد نفقد "الحياد" الديبلوماسي الذي تبنته أوربا بأكملها تجاه قضيتنا الوطنية.