بقدر ما تفرحهم الأمطار بقدر ما تحزنهم العزلة التي يعيشون فيها لأيام؛ فسيول الوديان ترغمهم على المكوث في دواويرهم وقتا طويلا، إلى غاية انقطاع المياه واستصلاح الممرات لكي تكون سالكة لبعض العربات. إنهم ساكنة دواوير تنتمي إلى جماعة تازارين وأيت ولال بإقليم زاكورة مثل أم الرمان وتامساهلت عبدي وتانومريت دوكو، تملالت، أيت واعزيق وغيرها من الدواوير التي لم تنل حظها من فك العزلة. معاناة تتجدد كل موسم ممطر، لن ينقذهم منها سوى قنطرة تربطهم بالطريق الرئيسية وطريق جيدة وسالكة لا يُجبرون على إصلاحها كل يوم بمعاولهم البسيطة، كما تعبر عن ذلك مطالبهم التي لم تلق آذانا صاغية إلى حد الساعة. ففي كل مرة تهطل الأمطار وتجري المياه في الوادي القادم من صاغرو مرورا بالنقوب فتارزارين، والذي تطعم حمولته مختلف الشعاب الصغيرة في المنطقة، تتحول حياة الناس إلى جحيم؛ ذلك أن العزلة تنغص عليهم الفرحة بقدوم أمطار الخير، خاصة النساء اللواتي فاجأهن المخاض أو المرضى وكل من له غرض لا يقبل التأجيل. عزلة ليست المياه وحدها ما يعزل الساكنة؛ فانتظار الجفاف الجزئي للوادي لا يعني أن الطريق ستصبح سالكة، بل إن إصلاحها يتطلب ساعات طويلة وربما أياما من العمل الجماعي للقرويين بوسائلهم البدائية الخاصة، عن طريق العمل التطوعي لربط قراهم بالطريق الرئيسية من جديد. ويتجمع المتطوعون في كل من تامساهلت وتانومريت وعبدي وأم الرمان وغيرها من الدواوير المتضررة، لإصلاح المقاطع الطرقية التي تربطهم بالدواويير الأخرى؛ لكن أحيانا تكون الخسائر التي خلفتها الوديان أكبر بكثير من أن تصلحها معاول القرويين وفؤوسهم البسيطة في غياب شبه تام لمصالح عمالة زاكورة وللجماعات المحلية، بعد أن أوكل شق المسالك للمجالس الإقليمية. مطالب بإنشاء قنطرة ما فتئت ساكنة دواوير تمساهلت وأم الرمان عبدي نيلمشان وتانومريت وتاملالت تطالب، منذ سنوات، بإنشاء قنطرة مشتركة تربط هذه الدواوير بالطريق الجهوية رقم 108، لفك العزلة عنها؛ إلا أن الأمطار الأخيرة والحالية أحيت معاناة الساكنة مع هذه الطريق، وأحيت معها مطالب الساكنة بضرورة ربطهم بالعالم الخارجي. مئات المواطنين المنتمين إلى هذه الدواوير خرجوا في مسيرة سلمية اليوم الأحد، قادمين من قراهم المعزولة رافعين شعارات واضحة تطالب المسؤولين بربطهم بالعالم الخارجي عن طريق ربط قراهم ودواويرهم النائية بالطريق الجهوية حتى يتسنى لهم التسوق وقضاء مآربهم ونقل مرضاهم وحواملهم نحو أقرب المستشفيات. لا شجاعة مع الوادي هناك مثل محلي يقول "أُورْ تْلّي تْعْزِّيتْ نْوَاسِيفْ" (بزاي مفخمة)، أي "لا شجاعة مع الوادي".. ومعنى هذا المثل أنه مهما كنت شجاعا فلا يجب عليك أن تتحدى الوادي، إذ يجب عليك أن تتريث حتى يمر ولا تعبره بسيارتك أو راجلا؛ حتى لو اقتضى الأمر أن تقضي ليلتك خارج دوارك، لأنه قد تحاول أن تبدو شجاعا فتجرفك المياه دون رجعة.. في واقع الحال، قليلون هم الذين طبقوا هذا المثل الرائج في المنطقة، إذ لا يخلو وادي تازارين القادم من صاغرو عبر النقوب من بعض الحوادث؛ ففي أيام عيد الأضحى، نجحت مصالح الوقاية المدنية بتازارين في إنقاذ حياة مجموعة من الأشخاص في ثلاث عمليات متفرقة، ومن بين الذين تم إنقاذهم أسرة كاملة عالقة قرب دوار أم الرمان على بعد 13 كيلومترا عن مركز تازارين، ناهيك عن حالات تتكرر كل سنة لأشخاص يرغبون في تحدي الوادي بسياراتهم فيعلقون وسطه ويتم إنقاذهم بعد تدخل المواطنين ومصالح الوقاية المدنية في الوقت الحاسم. "لا شجاعة مع الوادي"، تقال لنهي المواطنين على تحدي الوديان في الفترات الممطرة؛ لكن يبدو أن الدولة قد اتخذتها في حوض المعيدر قانونا محليا، إذ إن المسؤولين لم يملكوا بعد الشجاعة لبناء القناطر والممرات الإسمنتية وشق المسالك التي تفك القرى من عزلة عمرت لسنوات طويلة. جماعة تازارين توضح من جهته، قال محمد فريكس، رئيس المجلس القروي لتازارين، إن الطريق الذي يطالب به المحتجون توجد دراسته في أطوارها النهائية، بما فيها قنطرة بالمحاذاة مع دوار تامساهلت لربط كل هذه الدواوير المستعملة لهذه الطريق بالطريق الجهوية رقم 108. وزاد المتحدث، في تصريح لهبسريس الإلكترونية، أنه "يتوجب على المواطنين القليل من التريث؛ فلا يمكن أن يمر الوادي هذه الليلة، ويتم إصلاح الطريق صباحا.. لقد مر الآن سبع وديان في الآونة الأخيرة فقط، والجماعة تدخلت من أجل إنجاز دراسة هذه الطريق، وقد بلغ الأمر مراحله النهائية، وعند المصادقة على الأمر سوف يتم الشروع في بناء القنطرة، أما الطريق فقد تمت برمجتها". بخُصوص مشكل دوار أم الرمان، أكد فريكس أن القنطرة لا تشمل هذا الدوار، بل تشمل فقط دوار تامساهلت وعبره بقية الدواوير التي تستعمل هذه الطريق؛ لأن الطريق المؤدية لأم الرمان لا تفضي سوى إلى هذا الدوار، وعرض الوادي كبير جدا". وأردف المتحدث نفسه أنه "لم تشمل الدراسة هذا الدوار، لكن من الممكن مُستقبلا أن يتم خلق طريق تربط الدوار مثلا بتامساهلت، ليتم عبر ذلك الاستفادة من القنطرة نفسها التي ستشيد".