- في أضواء "ثورة العقل"، يتحرك الضمير وروح المسؤولية.. إنها ثورة على التفكير التقليدي، النمطي.. تقودها تنظيرات مجتمعية، أحيانا متضاربة، ولكنها كلها هادفة.. الناس تبحث عن تغيير جذري في واقع الحياة اليومية، وعن انتزاع حقوق اجتماعية مشروعة، من حكومة استبدادية.. ولم يعد التنظير السياسي والاقتصادي، وحتى القانوني، وقفا على نخب قد اعتدناها انتهازية.. النخب التقليدية أصبحت في مجملها متجاوزة، هرمة، عاجزة عن مسايرة التطور الفكري الاجتماعي الذي تقوده النقاشات الساخنة، المتلاحقة، في مواقع التواصل المجتمعي، بالشبكة العنكبوتية.. والناس، بمستوياتهم، لا ينظرون إلا لمسيرة البلد، الزاحفة إلى مستقبل بناء.. نقاشات وطنية ولادة.. تنبض بأفكار إيجابية لا تنتهي.. نقاشات مشحونة أحيانا بأخطاء طبيعية، وانزلاقات تواصلية، ولكنها كلها تركز على هدف واحد: توظيف ثورة المعلومات لتخليق أفكار حضارية في مستوى أحلام البلد.. وكل المجتمع يفكر.. الكل يخطط.. الكل مهووس بالغد الأفضل.. الكل مصر على انتزاع الحقوق، وفرض الواجبات على نخبة لا تقبل إلا نفسها، ولا تعترف بحقوق غيرها.. ثورة تعبيرية تفرض حقوق الجميع، وتسعى بما تستطيع بناء "دولة مؤسسات"! والنخب الحالية عاجزة عن ملاحقة أحلام الأطفال والشباب، وحتى العجزة، في التفكير للمستقبل.. - ويبقى المستقبل هو الهدف.. ومن أجل مستقبل إيجابي، كل صعب يهون.. إنها ثورة فكرية في طول البلاد وعرضها.. والمجتمع، بمختلف فئاته، لا يكف عن سباقات متلاحقة، لإنتاج أفكار تلو أفكار، من أجل غد أفضل.. والنخب السياسية والاقتصادية في حالة عجز مطلق.. لا هي تحسن التفكير، ولا التدبير، ولا التسيير، ولا إنتاج قوانين في مستوى طموحات البلد.. النخب في حالة خلل فكري.. ما زالت تطغى عليها عقلية التقاليد والخرافات.. خلل يتأرجح بين عقل وطني متجدد، ودماغ تشحيني قد دأبت عليه النخب في تعاملها مع المجتمع.. ومجتمعنا قد قفز على الحواجز.. تجاوز عقلية التنميط والقولبة والتضليل، وأصبح على مناعة سياسية واقتصادية واجتماعية، قادرا على قراءة استباقية للأحداث والتصريحات والقرارات.. إن مجتمعنا سباق لتحديد الكيفية التي يتوجب أن تفكر به نخبنا السياسية.. مجتمعنا ينتج أفكارا وطنية جديدة، متجددة، هادفة لخدمة المصلحة العامة، عكس ما هي عليه الحالة النخبوية من عقلية متخلفة أنانية.. هذه النخب لم تتقدم، خطوة واحدة، منذ عقود وعقود.. بينما المجتمع ينتج كل ساعة أفكارا جديدة فيها انتقادات، ومشاريع حلول لمشاكل البلد.. نقد بناء تقابله بدائل.. النقد لا يكفي.. يجب أن ترافقه حلول بديلة! والنخب الحاضرة في الساحة، عاجزة حتى عن تتبع الأفكار المجتمعية الحداثية المتطورة.. كل ما تستطيع النخب: مجاراة سلبيات المداخلات المجتمعية.. واستصدار قوانين لكبح جماح مجتمع مفكر متعقل متكلم.. مجتمع يخطئ حينا، ويصحح الخطأ، ويصيب أحيانا، ويسير إلى الأمام بما قد أصاب.. هذا مجتمع متحرك لا يستطيع أحد أن يوقفه.. مجتمع ينطق بما يعرف.. ويبوح بما يريد.. ويسير إلى الأمام.. ولا يتوقف.. وهذه طبيعة المجتمعات الفعالة في تعاملاتها مع مطالبها الاجتماعية المشروعة.. مجتمعات تركز على حقوقها، وتطالب بهذه الحقوق، ولا يهمها أن تكون خاطئة في تقدير الموقف، أو خاطئة في ضبط المعلومات، أو ضبط منهجية التفكير والتحليل والاستنتاج.. مجتمعات لا تستمد نجاحاتها من منابر نظرية.. هي تربط بين النظري والتطبيقي.. هذه قلب نابض، وعقل جماعي متحرك.. لا يهمه إلا أن يستجاب لكل مطالبه المشروعة، وبلا لف ولا دوران.. مجتمعات هي دائما تلقائية.. صادقة.. ومشوارها لا يتوقف.. إنها سائرة في طريق سالكة.. ولا تكف عن مناقشة الحكومة، وبشكل علني، في ما يصدر عن هذه الحكومة.. مجتمعات واعية، وفي كامل اقتناع بأنها هي ذات الأولوية.. هي الأحق في أن تستجيب لها الحكومة.. ومجتمعات من هذا النمط، ليست تابعة.. مجتمعات متبوعة.. والحكومات لها صاغرة.. لا خيار إلا أن تكون الحكومة صاغرة.. رغم أنفها صاغرة.. تخطط لاسترتيجياتها على أساس ما تقرره المجتمعات.. الأسبقية للوطن والمواطن.. والمواطن قد أصبح متبوعا.. هو المحور لكل السياسيات الحكومية.. فإما أن تتبعه الحكومة، أو هي سائرة إلى زوال.. - وإلى محاسبة! وهذا المجتمع بهذه المواصفات، وهذا التفكير الحقوقي، وهذا التحليل والاستنتاج، وكل هذا الإصرار، لم يعد يقبل أي تراجع إلى الخلف.. وأي تماطل.. وأي تضليل.. ولا يقبل إلا بتواصل قادر على مخاطبة وجدانه، وحقوقه كاملة، غير منقوصة.. وفي غياب كثافة إعلامية هادفة، يجنح المجتمع الحي إلى إعلامه هو، مهما كان هذا الإعلام ناقصا في تأهيله المهني.. المجتمع لا يعير اعتبارا للتأهيل، بقدر ما يولي أهمية قصوى للحقائق، وللإفصاح بالحقائق، من أجل توجيه حقوقي لبنات وأبناء المجتمع.. الحقائق أسبق من التأهيل.. والتأهيل من واجبات الحكومة.. والتأهيل لا يكون بقوانين الزجر.. التأهيل يكون بالتكوين والتدريب على معالجة تقنيات الإخبار، وقواعد أجناس التعبير.. والتقصير في التكوين هو تقصير من الحكومة، لا من المجتمع.. والحكومة نفسها فيها مسؤولون لا يحسنون تقديم المعلومات والتحاليل والاستنتاجات.. أولاء أنفسهم كثيرا ما يخطئون ويتناقضون، ويقدمون أفكارا ما هي إلا تضليل للرأي العام.. والرأي العام يدرك هول التضليل الحكومي في معالجة حساسيات حقوقية، وما يواكبها من غض الطرف عن انزلاقات أطراف من المقربين والزبناء، في إطار ما هو معروف عندنا من زبونية ومحسوبية.. التغيير يجب أن يأتي من تفاعلات الحكومة مع الشأن العمومي.. الحكومة هي يجب أن تعطي المثل.. وأن تكون هي القدوة.. لا أن تتعامل مع المواطن بسياسة "العصا والجزرة".. المجتمع ذو حساسية قصوى تجاه تعاملات الحكومة.. فإما أن تكون الحكومة مسؤولة، أو لا تكون! وإما أن يكون الإعلام هو الضمير الوطني، أو لا يكون! أو يكون العقل مؤهلا لمزيد من العقل، أو لا يكون! وعندما يتجمع الضمير والعقل وروح المسؤولية، يكون قد تأكد كل شيء، من أجل نجاحات البلد.. وتكون البلاد في طريق سالكة إلى إشعاع كل البلد! [email protected]