توفي عاملا بناء بمدينة القنيطرة، بعد سقوطهما من الطابق الثالث وهما بصدد تبليط منزل بحي الساكنية على خشبة خانَها عُقافها. العُقاف، الذي لم تتم صيانته، ليسَ السبب الوحيد في وفاة عاملَي البناء؛ فإضافة إلى مشكل عدم التحقق من سلامة أدوات البناء، هناك عدم قانونية عمل الضحيتين اللذين لا يربطهما أي عقد عمل بصاحب البيت، وعدم تحمل المسؤولين المباشرين عن الحادث مسؤولياتهم المادية والمعنوية، والإهمال المهني المتمثل في تأخر سيارة الإسعاف لمدة تناهز ساعة من الزمن، وانعدام الضمير المهني المتجسد في ترك أحد الضحيتين يحتضر بالمستشفى 45 دقيقة مع المطالبة ب"الدفع" أولا قبل إجراء الفحوصات. أرملتان مكلومَتَان "هوما لي ضِيْعُوهُومْ لو جاء الإسعاف عندهم عندما سقطا وأنقَذَهما لكان زوجي وصديقه باقيَيْن"، بهذه الكلمات عبرت زوجة أحد الضحيتين عن لوعة فقدانها رفيقَ عمرها، بالرغم من أن إنقاذه كان ممكنا. مأساة الأرملة لم تقف عند سماع خبر سقوط زوجها من عَلٍ، بل استمرت بعد زيارتها مستشفى مدينة القنيطرة، تقول المتحدثة: "لم يتركوني أدخل حتى من الباب الخارجي، وكانوا يهددون بإحضار الشرطة، ولم أدخل من الباب حتى بدأت في الصراخ "أريد أن أرى زوجي". وبعد الدخول إلى المستشفى لم يسمحوا لي برؤيته"، ثم تضيف: "كنت أقول لهم أريد رؤية زوجي، سواء كان حيا أم ميتا؛ فيدْفَعون الباب، ويُغلقونه، فاتصلت بأمّي التي جاءت ودخلت ورأته، وعندما كانوا بصدد إخراج جثته من المستشفى رأيته صدفة". وتستنكر أرملة الراحل عدم تواصل صاحب المنزل معها، متسائلة في الآن نفسه عن سبب ذهابه إلى "المخزن"، وسبب إرساله المقدم؛ "هل سأطلب منه شيئا؟"، وتجمل جوابها في كلمتين تختصر بهما ما تحس به: "زوجي ذَهَبْ". أرملة الضحية الأخرى أمُّ طِفلَتَين إحداهما رضيعة لم تتعلم المشي بَعْدُ، والأخرى طفلة لم تبلغ بعد ربيعها السابع. هذه الزوجة رُمّلت في بداية شبابها، ولا يُرى على مُحيَّاها إلا صُفرة الصدمة، وعينان تجهشان بالبكاء كلما استقرتا على وجه مألوف، وشفتان لا تكادان تنبسان بكلمات مفهومة تارة، وتنطلق منهما أمواج الصراخ والعويل تارة أخرى. صدمة الجيران فتيحة، التي تقطن بالمنزل المقابل لمكان الحادث، تسترجع الحادث قائلة: "ما وقع هو أنني بمجرد رجوعي إلى المنزل سمعت صوت شيء ما ارتطم بالأرض، وبمجرد ما فتحت الباب رأيت خشب بناء سقط من فوق (الطابق العلوي)، ورأيت البناءَيْن اللَّذَين كانا يبلطان الحائط". وتزيد مشيرة بسبابتها: "اصطدم الأول بالأرض هنا، ثم تبعه الآخر في الوقت نفسه". وتشدد فتيحة على أن سيارة الإسعاف لم تلب اتصالات الناس "إلا بعد أكثر من نصف ساعة أو 45 دقيقة"؛ وهو ما يؤكده هشام، شاهد عيان آخر، يذكر بدوره أن سيارة الإسعاف لم تحضر إلا بعد اقتحام الساكنة الطريق، وإيقافها سير السيارات، ما أدى إلى تدخل "المخزن" ورجال الأمن، وإحضار سيارة الإسعاف "التي حملتهما". هشام، الذي رأى الحادث رأْيَ عين، يحكي أنه لمح عند عودته من المتجر أن "الحديدة" التي في جانب خشبة البناء قد انكسرت، فهَوَى العاملان، ثم يسترسل قائلا: "لم يجد المسكينان ما يفعلان فسقطا على حين غرة، وكانا نازلين "من السماء" وهم "يتركلان"، ثم سقطا على الأرض، وعندما رأيتُ الدم بدأت أصرخ، وخرجت امرأة، وبدأ يجتمع الناس". غياب القانون تساءل محمد، ابن عم أحد الضحيتين، مستنكرا عن ما يمكن للعائلة فعله؛ ف"البنَّاؤون ليس عندهم قانون، ولا يوجد فيهم أحد يشتغل بعقد عمل، ولا توجد مراقبة، وأي شخص كان يعمل وسقط يضيع. هذه ليست أول حالة؛ فهناك عشر حالات في هذا الدوار". بدوره، عبَّر منصور، صديق أحد الضحيتين وقريبُه، عن رضاه بقدر الله، ثم استدرك مستفهما: "لكن، لماذا أنت في بلادك وتنتظر أن تُغلِق الشارع حتى تأتي سيارة الإسعاف؟ ولماذا أنت في بلادك والضحية في حالة بين الحياة والموت وتطلب من مسؤولي المستشفى أن ينقذوا السيد، وهم يقولون لك ادفع ثمن "الراديو" ب50 ألف ريال؟". ويضيف الشاب العشريني أن ما يريده هو أن "لا يتكرر مثل هذا التصرف الذي آلمه كثيرا"؛ ف"الشاب قاوم ساعة، وبعدما جاء الإسعاف قاوم 45 دقيقة أمامي داخل المستشفى، وهم "كيطلعو ويهبطو فيه" إلى أن توفي"، ثم ذَكَّر بحسرة أن الحادثَ ليس فريدا: "وإذا ذهبنا إلى المستشفى سنجد القصة نفسها تتكرر".