تباع بمنطقة ألنيف مستحثات يبلغ عمر بعضها مئات ملايين السنين. ولا يتجاوز ثمن بعض هذه الحفريات بضعة دراهم، بينما يصل ثمن البعض الآخر إلى ثلاثة ملايين من السنتيمات. مئات ملايين السنين! يقول محند إحمدي، وهو باحث جيولوجي من ألنيف، إن المدينة توجد في السفوح الجبلية للأطلس الصغير الشرقي، ويرجع تاريخها جيولوجيا إلى الحقبة الأولى أو العصر الجيولوجي الأول، وهي مدة زمنية تتراوح ما بين 542 مليون سنة و245 مليون سنة. وكانت منطقة ألنيف تاريخيا مغمورة بماء البحر، وبفعل تزحزح القارات في نهاية العصر الجيولوجي الأول بعد أن كانت مجتمعة في ما يسمى "قارة البانجيا"، تكونت سلسلة جبال الأطلس الصغير. وتعرضت المنطقة لتشوهات تكتونية، بما فيها انكسارات وطيات، ثم جاءت بعدها عوامل التعرية، التي عرت باطن هذه الطبقات. يعود الفضل في غنى المنطقة بالمستحثات، حسب إحمدي، إلى عوامل التعرية والتاريخ الجيولوجي للجنوب الشرقي. وأضاف الباحث نفسه أن الباحثين المحليين والأجانب توصلوا تقريبا إلى معرفة جميع الكائنات الحية التي عاشت في هذه المنطقة منذ عصر الكامبري، والعصر السفلي، والعصر الفحمي، وصولا إلى العصر الديفوني الذي بدأت فيه الحياة على اليابسة، وظهرت فيه البرمائيات، مثل الضفادع. ويمكن أن نجد من بين الحفريات المعروضة للبيع في ألنيف مستحثات لقشريات ثلاثية الفصوص، وأسماك بدائية، ورخويات، وشوكيات الجلدِ، خاصة نجم البحر، والكرينويد أو -زنبق البحر- الذي يكون على شكل مرجان رغم أنه حيوان. حفريات للبيع كان جواب إحمدي واضحا عن سؤال حول مردود بائعي المستحثات، إذ قال: "كأي سلعة، الندرة هي التي تحدد القيمة؛ فإذا كان الحيوان كثيرا يكون ثمنه رخيصا، وإذا كان قليلا كان ثمنه غاليا". ويصل ثمن بعض الحفريات النادرة حسب المتحدث إلى ثلاثين ألف درهم، ويستغرق الحصول عليها مدة تناهز سنتين، وزاد: "تحتاج هذه الحفريات النادرة أن تكون محظوظا، وكفؤا؛ فعندما تكون الحشرات في حالتها الخام يصعب أن تعرف ماذا ستجد فيها، وحتى المتخصصون الأكاديميون لا يعرفون أحيانا ما الموجود بالأرض". ويعاني بائعو المستحثات بألنيف وبعض مناطق الجنوب الشرقي من التنافسية العالية التي تنعكس سلبا على الأثمان. ومن أجل تثمين هذا الإرث الطبيعي والتاريخي أحدث مجموعة من المشتغلين في الجيولوجيا جمعية تجمع الباحثين والمنقبين عن الحفريات، وتهدف إلى البحث عن صيغة تمكن من تحقيق مردود أكبر من بيع هذه الحفريات، مع الاحتفاظ بجزء من هذا الإرث للأجيال القادمة حتى تستفيد منه. نحت على الحجر تحتاج أشكال المستحثات المختلفة تعاملا خاصا مع كل واحدة منها. ويوضح محند إحمدي أن أشكال الحفريات "مركبة ومعقدة جدا ويتطلب إعدادها المرور بالعديد من المراحل". ويضيف المتحدث أن طريقة التعامل مع الحفريات مرتبطة بالمادة الرسوبية التي تغطي الحيوان المتحجر، وطبيعة هذه المادة الطينية، أو الكلسية، أو التي تتكون من الأحجار الرملية، وزاد موضحا: "لأن مادة الصخور الرسوبية تتحكم في سهولة أو صعوبة النحت على الحجر حتى نخرج الحيوان الذي عاش فيها". شكل الحيوان أيضا يلعب دورا حسب الباحث؛ "فهناك الحيوان ذو الشكل المشوك، وهناك الحيوان ذو الشكل الأملس"، وزاد: "وتتراوح مدة إخراج هذا الحيوان بين ضربة واحدة تستغرق أقل من دقيقة و12 يوما أو أسبوعين أو ثلاثة في بعض الأحيان". حاجة إلى السياحة إحمدي، الذي يقوم إلى جانب بحثه في الجيولوجيا بتنظيم رحلات استكشافية في المنطقة للمهتمين بالمواقع الطبيعية والجيولوجية والنباتات، يوضح أن "ألنيف في أوقات السياحة تعرف توافد المهتمين بالاكتشافات الجيولوجية، وزيارة المواقع الطبيعية، والسياحة العلمية بشكل عام"، وشدد على ضرورة تشجيع السياحة العلمية وتنويع الإرث المحلي وترويجه. ثم ختم الباحث الجيولوجي: "يجب أن نشجع السياحة أولا.. فإذا شجعناها لن ينتعش بائعو الأحجار فقط.. نحن في منطقة تعاني من الجفاف، وليست فيها فرص للعمل، وهي منطقة هجرة جماعية".