طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس .. أرستقراطية مدللّة وشباب بين مأساة البطالة وإغراء العطالة
نشر في هسبريس يوم 01 - 08 - 2018

تحديات أمام العدالة الاجتماعية والتنمية: الطائفية المهنية وعقلية الكسب من القعود:
ليست مصالح القبائل الحزبية ولا المعارك الثقافية والايديولوجية المبرّرة منها والمفتعلة، بالسبب الوحيد في تعطّل الإصلاحات وتفاقم مصاعب البلاد، فثمّة في البناء الاجتماعي والتركيبة الثقافية التونسية مصادر أخرى لتواصل الأوضاع المنخرمة بوسعنا أن نحصر أهمّها في ثلاثة ظواهر:
1-اللاّعدالة الجبائية التي تستفيد منها أرستقراطية مهنية مدللّة وتحرم الدولة من موارد ضرورية للتنمية.
2-الامتيازات المشطّة والحماية المفرطة للعاملين بالمؤسسات العمومية على حساب المجموعة الوطنية.
3-انتشار ظاهرة تبرير القعود والاتكال على الدولة والسعي وراء أجور مضمونة دون مقابل من عمل فعلي.
يبدو لنا أن الظاهرتين الأخيرتين هما الأصعب علاجا لارتباطهما الوثيق بمسألة الذهنيات. وبالمقابل فإن المشكل الأول قابل للمعالجة على الأمد القصير إذا ما توفرت روح المسؤولية والإحساس العميق بواجب التضامن الوطني، فضلا عن أن علاجه سيوفر موارد آنية لميزانية الدولة.
المهن الحرّة: أرستقراطية مدللّة وغير متحمّلة لواجباتها الجبائية:
ما يدفعنا لاستخدام هذه العبارات هو ما يعاينه أو بالأحرى ما يعانيه غالب التونسيين وممّا لا نكاد نجد له صدى فيما يناقش من قضايا العدالة الجبائية والاجتماعية. ثمّة سكوت رهيب ومشبوه عن وضعية مزمنة وكأن الأمر يتعلق بالمسّ من مقدسات. في الحقيقة هناك وجه شبه بين الإرهاب الايديولوجي الذي يترصد كل من يتعرّض بالنقد لمكاسب الحداثة والحقوق الكونية والإرهاب الفئوي الذي يترصد كل من يتعرض بالنقد للطائفية المهنية سواء في صفوف أصحاب المهن الحرّة من أطباء ومحامين وخبراء محاسبين ومستشارين جبائيين ومهندسين معماريين، أو في صفوف إطارات وأعوان وعمّال المؤسسات العمومية.
كانت حكومة الشاهد سعت عند إعداد قانون المالية لسنة 2017 إلى تحميل أصحاب المهن الحرّة واجباتهم فاصطدمت بمقاومة شديدة لتحمّل هذا الواجب المواطني والوطني على الوجه المطلوب، بل ذهب الأمر بجمعيات المحامين وجمعيات أطباء الاختصاص إلى تنظيم الاحتجاجات أو التهديد "بالنضال" (؟!) ضد مشاريع قوانين لا هدف لها سوى تحميلهم مسؤولياتهم الجبائية. ومن المؤسف أن حكومة الشاهد تراجعت أمام هذه الضغوط والتهديدات كما يمكن معاينته في مشروع قانون المالية الذي اقترحته لسنة 2018.
أما عن الأسباب التي تفسّر غياب إرادة قوية لدى الدولة وحكوماتها المتعاقبة لمعالجة هذا الملف بالشجاعة المطلوبة، فتعود إلى فشل المحاولة الأولى التي بدرت من وزير المالية والتخطيط في مستهل الثمانينات، السيد منصور معلّى. فقد حاول عندما كان في حكومة مزالي إلزام قطاع المهن الحرّة بتحمّل واجبه في مجال الضريبة كاملا غير منقوص وذلك في إطار سياسة أعمّ لترشيد الجباية وترشيد سلوك أصحاب المال والأعمال. بيد أن الغلبة كانت لأصحاب المهن الحرة على الدولة. ومنذ ذلك التاريخ أي 1983 وجماعات المصالح هذه متحصنة بامتيازاتها تتذرّع بمبرّرات لا تصمد أمام المنطق للإفلات من الرقابة الجبائية على مداخيلها. لوبيات قوية تفرض علوية مصالحها الفئوية الأنانية وتعطي لنفسها مطلق الصلاحية لتحديد تعريفات الخدمات التي تؤديها، دون حسيب أو رقيب.
ولنأخذ مثال أطباء الممارسة الحرة، مع التنبيه إلى أننا نتكلم عن تنظيم المهنة لا عن الأشخاص، وأننا لا نشكك مطلقا في نبل مهمة الطبيب. فعمادات الأطباء عمدت طوال السنوات الأخيرة إلى الترفيع في تعريفات العيادات دون شفقة بالتونسيين المضطرين بحكم تدهور خدمات المستشفيات العمومية أو غياب الطبيب المختص أو طول الانتظار إلى التوجه لأطباء الممارسة الحرة الذين يقبضون على العيادة الواحدة، وقد لا تدوم سوى ربع ساعة، خمسين أو ستين دينارا، علما بأن الكثير من المرضى يطالبون بالعودة مرارا. كما أن منهم من يعاني من عدة أمراض أو لديه أفراد من العائلة في حاجة لخدمات الطبيب المختص، ممّا يكبّد العائلة مصاريف ثقيلة إذا اعتبرنا نفقات اقتناء الدواء وضعف سقف التغطية من قبل صندوق التأمين على المرض. وهذا دون أن نتحدث عن العمليات الجراحية وكلفتها الباهظة، كما لا ننسى أن رؤساء الأقسام بالمستشفيات العمومية يتمتعون بامتياز قبول الحرفاء بنفس الشروط المعمول بها في القطاع الخاص. ومع تقديرنا الكامل للوظيفة الجليلة التي يؤديها الأطباء وهم المؤتمنون على صحتنا وأملنا في الشفاء من أدوائنا، فإن ذلك لا يبرّر البتة الارتفاع المشطّ في المقابل المادي لخدماتهم على الأقل بالقياس إلى ضعف مداخيل الأغلبية الساحقة من التونسيين وتدهور وضع الطبقات الوسطى الأجيرة، فما بالكم إذا أضفنا لذلك تمترس الأطباء وراء "السر المهني" لرفض العمل بنظام الفواتير حتى تكون قاعدة موثوقا بها لدفع الضريبة.
أما إذا تجاوزنا الحالة النموذجية للأطباء وطرحنا الموضوع على مستوى مجموع المهن الحرة، فإن بوسعنا الكلام عن تشكل جماعات مصالح قوية تجاوزت حق الدفاع المشروع عن الحقوق والمصالح المهنية والمادية إلى التمترس وراء امتيازاتها وتحولها إلى طوائف مهنية تقدم مصالحها الفئوية على مصلحة الوطن وتجد مدافعين أشداء عنها ومن صلبها في الكتل البرلمانية وقيادات الأحزاب وهيئات الدولة، في تنكر فادح للمجموعة الوطنية والدولة التي علمتهم ومكنتهم من الدراسة في كليات ومدارس عليا مرموقة ومن التخرّج بمؤهلات أتاحت لهم الارتقاء في المصعد الاجتماعي والتربّع في أعالي سلّم المداخيل.
المؤسسات العمومية: امتيازات تكرّس الفوارق وتغذي المطلبية والطفيلية الاجتماعية:
إذا كان رائدنا الصدق والنزاهة والموضوعية بما تقتضي من عدم الانحياز الأعمى لطرف اجتماعي دون آخر فلا بدّ من الإصداع بالحقيقة الاجتماعية التي مضمونها أن الأنانية الفئوية ليست حكرا على المهن الحرة والمؤسسات الخاصة على وجه العموم بل هي تعشش في صلب القطاع العام حيث شكّلت مع مر السنين نوعا من الإقطاعيات الحديثة أو ما يسميه البعض بالمقاطعات المهنية المستقلة بامتيازات لا يمكن القبول بها من منطلق المساواة في المواطنة ولا العدالة الاجتماعية. فالعديد من المؤسسات العمومية تتمتع بقانون أساسي خاص يوفر للعاملين بها من مشرفين وإطارات وأعوان حوافز مالية وعينية تكلّف المؤسسة من ورائها المجموعة الوطنية أعباء ثقيلة. ليس خافيا أن إطارات وأعوان عمّال الشركات والمؤسسات العمومية يحصلون إجمالا على أجور مرتفعة قياسا إلى نظرائهم بالوظيف العمومي وأخذا بالاعتبار نفس مستوى الشهادات والكفاءة المهنية، تنضاف إلى ذلك امتيازات مادية وخدمات وتسهيلات خاصة بكل قطاع أو مؤسسة أصبحت تمثل أمرا واقعا مع أنه لا مبرّر لها في ميزان العدل والقسطاس. يتساءل الكثير من التونسيين اليوم بأي مبرّر يتمتع أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز مثلا بما يضارع مجانية استهلاك الطاقة؟وبأي مبرّر يعفى أعوان صناديق التقاعد والتأمين على المرض من دفع مساهماتهم الاجتماعية كسائر المواطنين؟ وبأي مبرّر تصرف البنوك العمومية لأعوانها علاوة من ثلاثة إلى ستة أشهر من المرتبات المرتفعة أصلا؟ ولا نتحدث عن الممارسات الزبائنية التي جعلت الانتداب أو تحمّل المسؤوليات بالعديد من المؤسسات العمومية حكرا على العائلات والشخصيات المتنفذة؟ هذا دون نسيان شبكات النهب والفساد التي تتمتع بمظلات حزبية أو نقابية أو جهوية أو قبلية وعائلية تغطي على ممارساتها وتتجند للدفاع عنها كلما افتضح أمرها.
هي إذن امتيازات مجحفة وأوضاع ريعية متوارثة ومتراكمة صلب القطاع العام، تمثل سببا أساسيا من أسباب العجز المالي المزمن لعشرات المؤسسات ومظهرا بارزا للحوكمة الفاشلة، ومع ذلك لم تجد لا النقابات ولا الأحزاب المعارضة ولا حتى السلطة السياسية نفسها الشجاعة لطرح مختلف جوانب هذا الملف الخطير والسبب بيّن، وهو الخوف من ردود الفعل العنيفة للنزعة الطائفية المهنية وللشرائح والمؤسسات المستفيدة.
ومن المهم كذلك الإشارة إلى مظهر سلبي آخر لهذه الطائفية المهنية وإن كان عاما ولا يختص به قطاع معيّن: عنينا ظاهرة الدفاع اللامشروط والإنحياز الآلي من طرف السلك المهني أو الوظيفي إلى العون الذي ينتمي إليه في حالة ارتكابه خطأ مهنيا فادحا يستوجب التحقيق أو الايقاف عن العمل : حيث يتجند "الزملاء" لحمايته وتجنيبه اجراءات المساءلة والمحاسبة، وقد بلغ الأمر في المؤسسات العامة درجة خطيرة مع تكرر الاضرابات المفاجئة والعشوائية عن أداء الخدمات العمومية والتي يتحمل وزرها أبناء الشعب المسكين على غرار ما حصل مرات في قطاعات النقل، خاصة في السكك الحديدية والمترو، وكذلك في قطاعات المالية والصحة وصناديق التقاعد، وحيث لم يصدر حتى مجرد اعتذار عن الأضرار الحاصلة للمواطنين وبينهم مرضى ومسنون، ممّا يشهد على تغلغل النزعة الأنانية وضعف روح المسؤولية ومفهوم الصالح العام.
الشباب بين مأساة البطالة وإغراء العطالة:
بالإضافة إلى السلبيات المباشرة للوضعية التي وصفناها، والمتراوحة بين حرمان الدولة من الموارد الضرورية للاستثمار الإنمائي وإثقال كاهل المجموعة الوطنية بكلفة امتيازات غير مشروعة ومخلّة بمبدأ العدالة الاجتماعية فإن لها أثارا جانبية من حيث أنها تساهم في تغذية عقلية القعود وانتظار ما يسمّى عندنا "اللقمة الباردة" في صفوف العاطلين عن العمل من الشباب المنقطع عن التعليم أو الحائز على شهائد فاقدة للقيمة التبادلية. آلاف مؤلفة من الشباب من شمال البلاد إلى جنوبها يقضون أو بالأحرى يقتلون الوقت في انتظار الحصول على العمل الوحيد الذي يقبل به أغلبهم أي العمل بأجر قار في مؤسسة عمومية أو في الوظيف العمومي بل أن بعضهم يسعى حيثما توفرت الفرصة إلى الحصول على أجر قار من منشأة عمومية دون مقابل من عمل يؤديه أو بالأحرى مقابل أعمال وهمية أو ذات مردودية دنيا.
من بين الأسباب التي يمكن أن تقدم لتفسير هذه الظاهرة كون مئات الآلاف من الشباب ومنذ عقود خلت وجّهوا إلى مسالك دراسية ليس لها أفق مهني أو قدرة تشغيلية كما يقال اليوم، فهي لا تمكنهم من تكوين وتدريب مهني وتقني يسمح لهم بالحصول على عمل وإيجاد مصدر للرزق. نتحدث هنا عن الانخرام المستمر إلى اليوم ما بين مسالك التكوين ومواطن التشغيل والذي يمثل الحصيلة التراكمية لسياسة شعبوية رخيصة قامت لمدة على الارتقاء الآلي في مرحلة التعليم الأساسي والرفع المصطنع في نسب النجاح مع حصر تكوين الأغلبية الساحقة من التلاميذ في العموميات والنظريات وحشو أدمغتهم بالجزئيات على حساب الأشغال العملية والمهارات الفنية.
بيد أن هذا السبب لا يفسّر لوحده عزوف الشباب المتعلم عن القيام بأعمال يدوية في انتظار إيجاد العمل الذي يراه مناسبا لمستواه التعليمي، ولا ضعف الإرادة في تغيير المسار وتحصيل تكوين إضافي يفتح له أبواب الرزق. المشكل ثقافي بالأساس ويتعلق بالموقف من العمل والسلوك أثناء العمل عندنا، والذي هو حاصل التقاء موروثين اجتماعيين: الموروث الأول يتمثل في ضعف أو هشاشة ثقافة الجهد والعمل المنتج والمتقن خاصة في الوسط البدوي وريف الشتات (ولا نتحدث هنا عن الوسط القروي). علينا الاعتراف بأن جزءا غير قليل من مجتمعنا التقليدي بقي طوال آلاف السنين يعيش على مزيج من النشاط الرعوي البسيط والفلاحة البعلية، حيث المعول الرئيسي على كرم السماء، كما كان يلجأ عند اشتداد أزمات الجفاف وانعدام المحاصيل إلى الإغارة والنهب. هذا جزء من تاريخنا لا مجال للتغطية عليه ولا الخجل منه لكونه كما قال ابن خلدون من طبائع الأحوال في العمران ونحل المعاش. بقي أن هذا الصنف من الاجتماع البشري لا يعلّم كثيرا معنى الكدح اليومي والمنضبط، بل أن الملكية فيه مشاعة لا خاصة وبالتالي فهي غير مقدسة وغير محترمة. هذا الأسلوب في تحصيل المعاش في محيط طبيعي صعب وحالة من شظف العيش أنتج بمرور الزمن نسق استعدادات مكتسبة أو ما أسماه البعض بالتطبّع، لا يشجع على العمل فضلا عن إتقانه. ونحن نفترض أن هذه التنشئة مازالت مؤثرة رغم التحولات التي شهدها المجتمع التونسي منذ قرن، وربما بسبب من الطابع المختل لهذه التحولات وما أدت إليه من نزوح مكثف لمئات الآلاف من متساكني الأرياف والبوادي إلى مدن أو مراكز حضرية تتيح لجزء منهم الاندماج المهني والاجتماعي وتحكم على الآخرين بالهشاشة والهامشية، أو، وهي زاوية أخرى، توفر لهم سبل إتباع استراتيجيات للعيش من دون الاضطرار للعمل، وهو ما نجد له تجسيدا سواء في انتشار ظاهرة التسوّل واستدرار العطف أو في احتراف السرقة أو أعمال السطو (براكاجات) مع ما يرافقها من عنف.
ولم يكن من الغريب أن تتقاطع هذه الذهنيات مع إرث ثقافي آخر يعود إلى عقلية رزق البايليك أي استباحة الملك العام والتي تعززت وانتشرت مع بناء الإدارة العمومية والمؤسسات العمومية بعيدا عن قواعد العقلانية والإدارة الرشيدة وإقحام الآلاف المؤلفة من العاملين الذين لا يقدمون أيّ عمل مجد ويمثلون عبئا متزايدا على الميزانية.في ظل تضخم وأمراض هذين القطاعين اندلعت الثورة وانفتح الباب على مصراعيه للمطالبة بتشغيل العاطلين كعنوان لاستعادة كرامتهم، واتسعت رقعة الاعتصامات وارتفع سقف الاشتراطات. والحق يقال أن الحكومات المتتالية تعاملت مع هذه الموجات المطلبية والاحتجاجية بتعقل ربما جاوز المطلوب، مقرّة بشرعيتها من حيث الأصل ومعربة عن استعدادها لتلبية ما أمكن منها ولكن في غياب أي مشروع وطني متوافق عليه لمعالجة أسباب ارتفاع البطالة وإعطاء الأولوية للمناطق الأكثر تضررا من قصور السياسات الإنمائية والتي تشهد أعلى مستويات بطالة أصحاب الشهائد. وممّا زاد الطين بلّة ما عاشته عديد المناطق طيلة السنوات الأخيرة، وبنسق تصاعدي، من تنظيم اعتصامات تطالب بالتشغيل وتعمد إلى تعطيل إنتاج ونقل الفسفاط أو البترول رغم علم الجميع بأن الموارد المهدورة بهذه الصفة كان يمكن أن تخصص لاستثمارات إنمائية ومشغلّة في نطاق خطة للتنمية الجهوية. هذا بالنسبة للعاطلين أما أقرانهم ممن تدبروا أمورهم أو نالهم الحظ بالتسجيل كعمّال في الحضائر وشركات البيئة فإن مطلبهم اليوم هو الشغل القار والمضمون والاندماج في الوظيفة العمومية!
من الواضح أن غياب الحزم والنجاعة في مواجهة هذه الظواهر من طرف حكومات تشكو أزمة شرعية ودولة فقدت الكثير من هيبتها قد شجّع هذه الانفلاتات وكلّف البلاد غاليا. ومن الواضح كذلك أن بناء مصداقية الدولة وعقلنة الإدارة يتنافى مع استمرار التنازل للفوضى وإتلاف الموارد العمومية والسعي لترضية الجميع. بالمقابل ثمّة حاجة ملحة للوصول إلى تصور مشترك أو متقارب لمنوال تنموي تتحمل فيه الدولة دورها كقاطرة للنهوض بالجهات المحرومة وبالاقتصاد الوطني ككل مع تفعيل آليات تحفيز المبادرة الخاصة وإعطاء دفع لانطلاقة الاقتصاد التضامني والاجتماعي والاستفادة من صيغ الشراكة مع القطاع العام، وعلى شرط أن تتصرّف الدولة كفاعل اقتصادي عقلاني يشجع على إنتاج العمل وخلق الثروة ويمارس مراقبة صارمة على شفافية ونظافة المعاملات والصفقات كما يمارس عند الحاجة دورا رعائيا وإسعافيا من دون الاستمرار في لعب دور البقرة الحلوب التي يتزاحم الجميع على استنزافها.
من أجل توافق وطني حقيقي حول متطلبات التنمية التضامنية والإدماجية:
وبعد، فقد شهدت تونس ومازالت تشهد إحدى أصعب وأعقد تجارب الانتقال الديمقراطي التي عرفها العالم منذ انهيار الدكتاتوريات بشبه الجزيرة الأيبرية وبلدان البلقان وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية. هل نحن في حاجة، بعدما قدمناه من قراءة نقدية للمسار الذي أخذته الثورة تقطع مع خطابات التمجيد الفج أو التوظيف المثير للشفقة، إلى التذكير بثراء رمزيتها وأوجه عظمتها وفرادتها من حيث أطاحت بدكتاتورية عاتية بأقل كلفة بشرية وبفعل انخراط شعبي واسع جدا زلزل غطرسة المستبد. لقد أعطت الثورة الريادة للتونسيين في تحريك المياه العربية الراكدة وأعطت المثال لعديد الشعوب كما فتحت طريقا جديدة في مضمار التعامل بين كتل سياسية وأيديولوجية كان الكثير يظنون أن عداوتها أو خصوماتها تجعلها غير قابلة للإلتقاء حول ما يخدم الوطن، ودشنت، ولو لقاء مخاض عسير أنموذجا جديدا من التعايش بين مكونات مجتمع يتمسك في غالبيته بانتمائه الثقافي العربي الإسلامي ومنفتح في الآن ذاته على تأثيرات ومكتسبات الحداثة. باختصار أثمرت الثورة التونسية أوسع مجال لممارسة الحرية وحققت رغم مختلف أشكال المقاومة والمواقف السلبية خطوات مهمّة في مجال العمل المشترك مع الخصوم والمخالفين. بيد أن هذه النتيجة الإيجابية دون شك لا تلغي الحقيقة الثانية والمكملة وهي أن مسار الثورة والانتقال الديمقراطي كلّف تونس الكثير، كلّفها ابتداء ضحايا الانتفاضة وضحايا الإرهاب، وكلفها الانزلاق إلى صراعات عقائدية ومواجهات سياسية جعلتها أكثر من مرة على حافة الحرب الأهلية، وكلفها وقتا ثمينا وطاقات كبيرة كان يمكن، نظريا، أن تصرف لمعالجة الأسباب العميقة المولّدة للثورة، وكلفها تصدّع كيان الدولة وتفكك أجهزتها وضياع هيبتها أمام تعدّد الاختراقات وتصاعد الاحتجاجات، وكلفها تراجعات خطيرة بل كارثة اقتصادية بفعل تعطيل إنتاج الفسفاط والبترول وتفكك جزء كبير من النسيج الصناعي وهروب الرساميل، وكلفها في ذات الوقت تغوّل أباطرة التهريب وكبار الفاسدين واختراقهم لعالم السياسة والأجهزة الأمنية والديوانية التي من مهمتها أن تقاومهم، وكل هذا بالتوازي مع تفاقم مظاهر التهرّب الجبائي وازدهار السوق السوداء والاحتكار ممّا فاقم مصاعب العيش وألغى كل مفعول لزيادات الأجور على القدرة الشرائية لغالب التونسيين.
ولقد برّر بعض السياسيين المتنفذين خلال المرحلة الماضية هذه السلبيات بمقتضيات التحوّل السياسي وأولوية العمل على إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي بدءا بتركيز مؤسسات الحكم المؤقت ووصولا إلى بناء المؤسسات الدائمة. وبدون مزيد الخوض فيما إذا كانت تلك ضريبة لا مناص من دفعها أم أنه كان ممن الممكن اقتصاد الوقت والجهد في مجال البناء السياسي للتفرغ إلى معضلات التنمية والتشغيل ولم لا تحسين الأوضاع المعيشية، وكذلك دون التوقف مطوّلا عند نواقص المنظومة المؤسساتية التي لم يكتمل بناؤها ولا عند ثغرات منظومة الحكم وما شابها ويشوبها من الفساد السياسي والنزعة السلطوية، فإن ثمّة درسا آخر يمكن ويجب الخروج به من التجربة التونسية، خاصة وأن ثمّة ما يدعمه في ذاكرة التاريخ المعاصر.
فحوى الدرس أنه لا يمكن للديمقراطية أن تتمأسس وتستقر وتنال الرضا الشعبي، ولو بصورة نسبية، في ظل استمرار واستفحال الصعوبات الاقتصادية وما تنتجه من إقصاء أو تهميش ومن سخط واحتقان اجتماعي وبالتالي من إمكانية التلاعب بالمزاج الشعبي وتوجيهه ضد المؤسسات. ومن الأكيد أن آخر هواجس الشباب الذي يشعر بحق وربما بشيء من المبالغة بالتهميش أو عدم الاعتبار أو عدم الاندماج – هو المشاركة في اشتغال ديمقراطيتنا الليبرالية الجديدة بانتخاباتها وبالهيئات والمؤسسات التي انبثقت عنها. هذا ما يستخلص من انحدار الخط البياني للتسجيل وللمشاركة في الاقتراع ما بين 2011 و2018، وما يستفاد منه هو اتساع الهوّة بين شواغل النخب السياسية المتنافسة على التأثير والسلطة أو كما يرى كثير من التونسيين على "الكراسي"، من جهة وهواجس قطاع شبابي يعيش حالة تباعد مع الأحزاب ولامبالاة بالسياسة حتى بلغ ولو بشيء من السهولة وإعفاء النفس من المسؤولية، درجة اليأس من السياسيين والحكومات.
والحال أنه لا مندوحة من بلورة سياسة بديلة وإيجاد أطر تشرك الشباب في حل مشكلاته وصنع مستقبله وتعطيه أملا بالخروج من النفق. المهم ألا تكون سياسة سياسوية ضيقة الأهداف والأفق، بل سياسة مستنيرة بموقف المثقف النقدي وكفاءة الخبير وحكمة المجرّب. إن الديمقراطية التعدّدية اختراع رائع ولكن لا خير فيها إذا تحولت إلى مجرد واجهة ليبرالية لخدمة الفاسدين أو قنطرة لعبور قوى الهيمنة الاقتصادية والاختراق الثقافي وتدمير النسيج المجتمعي وثوابت الهوية الوطنية، من قبيل ما رأيناه من أفكار يسوّق لها باسم كونية حقوق الإنسان وما تروّج له بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من ثقافة هابطة واستخفاف بالقيم النبيلة.
يفضي بنا ما تقدّم إلى أن الانتقال الديمقراطي كيلا يكون مجرد تغيّر في الديكور السياسي أو لعبة قوى الهيمنة، ينبغي ألا يقتصر على الصعيد السياسي البحت، على أهميته البالغة، وأنه ينبغي أن يستكمل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى لا تبقى الكلمة الحرّة مجرد صرخة في الوادي والانتخابات الحرّة مجرد مسرحية وتلاعب بالرأي العام. وعليه نرى ضرورة التأكيد على متطلبين اثنين تحتاجهما تونس اليوم للخروج من عنق الزجاجة وهما التضامن الوطني والتوافق الوطني لا كشعار لاكته الألسن حتى استهلكته، بل كقناعة أخلاقية وكممارسة فعلية.
*أستاذ وباحث تونسي في علم الاجتماع
نتحدث هنا عن تضامن وطني بأوسع وأعمق معانيه، تضامن يتجاوز التآزر المطلوب في الملمات أو الكوارث أو المبادرات الجزئية أو الظرفية للتخفيف من بؤس بعض الأفراد والعائلات أو مساعدة أصحاب الحاجات الخصوصية، ليكون خيارا وطنيا شاملا وطويل الأمد يتجسم في إستراتيجية متكاملة لمعالجة ما خلفته الجغرافيا والطبيعة والاجتماع والسياسة القديمة والحديثة من اختلالات وفوارق وعوامل ميز بين الجهات وبين الطبقات وبين الرجال والنساء، بالإضافة إلى إصلاح ما خلفته سياسات متحيّزة أو خيارات غير حكيمة بعد الاستقلال من خلل في توزيع مقدرات التنمية بين المناطق وفي بناء قطاعات الاقتصاد وأساليب إدارتها.كما ننوّه إلى أن التضامن المقصود لا يعني البتّة تشجيع التواكل أو انتظار أن توفر الدولة عملا ورزقا لكل طالبيه، بل هو عملية تشاركية تتحمل فيها مكوّنات كل جهة وكل مجتمع محلي مسؤوليتها في النهوض بمنطقتها وفي استحثاث الهمم للعمل وتحدي الصعوبات سواء أتت من جهة الطبيعة أو العادات السيئة. وعليه يتعلق الشأن بتكامل جهود كل من الدولة والجماعات المحلية والجمعيات والخواص وبالدفع نحو ثقافة وأخلاقية اجتماعية واقتصادية تشجع على العمل والإنتاج والتوفير والاستثمار وتثمّن قيم الانضباط والنظافة، آخذين في ذلك قدوة ومثالا بلدانا كانت قبل نصف قرن في نفس مستوى تونس من حيث مؤشرات التنمية وهي اليوم في عداد ما يعرف بالبلدان الصاعدة، ومن بينها ماليزيا المسلمة في غالبها والتي بنت نهضتها على مثل هذه القيم وها هي تعود إليها مجدّدا بعدما عرفته من انحرافات وفساد، وبقيادة نفس الزعيم الكاريزمي ماهاتير محمد الذي وضعها على سكة التطور.
وأما التوافق الوطني الذي نقصده فهو النقيض لما عرفته تونس لحد الآن من تفاهمات أو صفقات سرية في خدمة القبائل السياسية واللوبيات النافذة، وهو تطوير وتعميق وتجذير للتجربة التي انطلقت سنة 2016 تحت عنوان حكومة الوحدة الوطنية واتفاقية قرطاج التي مثلت فرصة أهدرتها قيادة حزب النداء في ظل تواطئ أو سكوت قيادات سياسية أخرى أفرطت في الحسابات حتى ضيّعت علينا كل شيء.
ولا يعني البحث عن صيغة مقبولة ومشرفة للتوافق الوطني قفزا على الخلافات في مختلف القضايا المطروحة ولا إنهاء الجدل أو الصراع الفكري والتنافس السياسي بين مختلف الرؤى والمشاريع، كما لا يعني إطلاقا خلق حالة من الانسجام المصطنع في حقول الثقافة تؤدي إلى قتل الإبداع والتجديد والاختلاف، التوافق لا يعني أن يكون للتونسيين نفس التصوّر للحرية والعدالة، ولا لما هو مقدّس وما ليس كذلك. وأخيرا فهو لا يعني بالضرورة التوصل إلى حكم مشترك للبلاد. كلاّ، ولكنه يعني أن تونس في المرحلة التاريخية الانتقالية الراهنة، وفي وظل الحالة الحرجة التي عليها الاقتصاد والمالية والميزانية وحظوظ التنمية في حاجة ماسة إلى أن تسعى سائر القوى والعناصر الفاعلة فيها للحدّ من حدّة التعارضات ومساحة الاختلافات فيما بينها وأن تسعى مع المنافسين للبحث عن قواسم مشتركة إضافية كتأويل بنود الدستور التي تطرح إشكالات مثل العلاقة بين الهوية المسلمة والطابع المدني للدولة وسبل تجسيمها، أو بين احترام الحريات الفردية والمقدسات الاجتماعية، أو تحديد القيم المشتركة والمعايير الأخلاقية التي يفترض أن توجه سلوك مكونات كل من المجتمع المدني والسياسي في تعاملها مع بعضها سواء توافقا أو صراعا وفي علاقتها بالمال السياسي وبالقوى الخارجية، وأخيرا، وهي المهمّة العاجلة والتي قد تيسّر الاقتراب من الأهداف الأخرى، الاتفاق على حزمة الإجراءات العملية للإنقاذ الاقتصادي وبالخصوص إعادة تنشيط الاستثمار، والحدّ من انخرام الميزان التجاري الناجم عن الاستيراد العشوائي ومحاربة التفصي الجبائي والفساد الملازم له، ومحاربة تهريب البضاعة المنافسة للمنتوج التونسي واسترجاع القروض ومستحقات الدولة ومؤسساتها، وتطهير مسالك التوزيع وإخضاع التجارة الموازية لسلطان القانون وأداء الواجب الضريبي. وإذا ما حصل التقدم في هذا الاتجاه فمن المحتمل والمحبّذ التوصّل إلى صياغة منوال تنموي معدّل حتى لا نقول جديد، يجيب عن مشاكل تونس ويراعي خصوصيتها ويثمّن إمكانياتها ويعبئ طاقاتها البشرية وكفاءاتها ويعيد لنا ولها حلم النهوض من كبوتها. كل ما يقتضيه ذلك هو التحلي بروح المسؤولية وتوخي لغة الصدق والصراحة مع الشباب حتى ينخرط في عملية تعبئة عامة لربح المعركة الحالية: معركة النهوض بالاقتصاد وفتح باب الأمل بالخروج من أزمة البطالة وحالة العطالة.
*أستاذ وباحث تونسي في علم الاجتماع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.