هل أصبح من الضرورة الحتمية أن نتساءل؟ وهل من حقنا وقد انتمينا إليه منذ مؤتمره الخامس؟ وقد عانينا عبر تلك المسيرة ما عانينا من ضرر بالمد والجزر في محيط، رغبت، وبإلحاح مرير، أطراف عدة أن تقود سفينته، بإيعاز من السلطة تارة ومن الأحزاب تارة أخرى. وقد ساعد على ذلك انتشار الآن الرجعية والمحافظة وبروز أنوية متعددة للفكر اليساري والتقدمي، والراديكالي، الذي بات يعوق انتشار الفكر الرجعي من ناحية والسلطة من ناحية أخرى. وبعد هذا وذاك لنتساءل من جديد هل للاتحاد هوية ماضيا وحاضرا ومستقبلا؟ وأعتقد حازما أن من حق من عاشوا مده وجزره من منطلق فكري وإيديولوجي أن يقاربوه (وأستثني ذوي المصالح من ذلك). -1- إن مسألة هوية الاتحاد أضحت قضية جوهرية طبيعية ودرجة في سياق سياسي ومحيط ثقافي استراتيجي لا مناص منه للارتقاء والتسامي. وعليه، لنتساءل من جديد: ما الذي يميز اتحاد كتابنا عن باقي الجمعيات والروابط والتنسيقيات وما عداها من منتديات حزبية في القلب أو في الموازاة بما فيها من مخزنية النشأة والتأطير والدعم والتوجيه والتهديف وتأكيد المطلق؟ لقد تماهى الاتحاد ولم تعد له صفة القيادة الثقافية منذ أن فقد خاصيته كمنتدى للحوار الثقافي بطعوم سياسية ونكهات فكرية وإيديولوجية تقليدية ومحافظة ويسارية معتدلة وراديكالية. إن تنوع خريطة التضاريس الفكرية والإيديولوجية هو ما كان قد بلور هويته دون أن يدرك أي من التيارات المتساكنة ما سيؤول إليه الأمر على هذا النحو أو غيره. وعليه، فهل يتذكر مؤرخوه أن الاتحاد شغل وانشغلت به الدولة وحكوماتها، وسخرت للقضاء عليه أو اختراقه في القلب والشرايين ليصاب بفقر الدم، وهذا ما حدث بالفعل له، وللتنظيمات السياسية باعتبارها روافد وينابيع الاتحاد. لقد آن الأوان للكشف عن أدوات التدمير، فرادى أو تكتلات، سواء تغيبت منفعتها الخاصة أو منفعتهم العمودية. -2- أود في عجالة أن أذكر مغفلي الاتحاد ببعض المحطات التي مر منها. -المحطة الأولى: لقد ارتأى بعض المؤسسين تشكيل منتدى فكري من جنسيات مغاربية، للتداول حول مقومات المشهد الثقافي والبحث عن آليات التلاقي والتثاقف، فكان التلاقي بما سمي آنذاك "دار الفكر" وأربعاء الكسكس التي كان يدبرها المرحوم الفيلسوف محمد عزيز الحبابي، وكان يحيط به ثلة من الكتاب والشعراء والقصاصين والمبتدئين وهواة الكسكس والموسيقى الأندلسية وغيرهم ممن لم يكتبوا من أصدقاء الرواد من خريجي القرويين، وما أكثرهم، وأغلب ممن يتولون الوظائف السامية في الدولة. - المحطة الثانية: في منتصف ستينات القرن العشرين بدأ تدفق الشباب الحاصل على الباكالوريا وملأ أدراج الجامعة الواحدة آنذاك بالرباط، وقد حملوا في حياتهم مختلف الأفكار والأساليب وأنماط التفكير التي باتت للتداول بفعل انتشار الإيديولوجيات الماركسية والليبيرالية وما تفرع عنهما من أسلوب في التفكير والمناهج وطرائف التنمية والعدالة الإنسانية. مما نتج عنه بروز فكر سياسي جديد في محيط الجامعة، وقد قاد هذا البروز إلى بلورة مشهد سياسي جديد. وقد ساهمت في هذا المشهد عوامل عدة: 1. انعتاق الشباب من أسر أحزابهم واعتناق فكر سياسي مناقض يحيل على تصور لمجتمع جديد. 2. بداية تشكل فصائل سياسية معارضة للتوجهات والحكم المخزني ولتوجهات الأحزاب التقليدية وقصور رؤاها في بناء مجتمع ديمقراطي في ضوء دولة حديثة. 3. وقد رافق هذا الغليان الطلابي والشبابي وأججه تبني السلطة لردود فعل انفعالية منها: - التأسيس والإيعاز بالتأسيس لأحزاب صورية للخلط والتشويه. - تقوية الأجهزة القمعية وتمديد حركيتها للخارج. - محاصرة المد التقدمي والمعارض. -المحطة الثالثة: وهكذا، احتوى الاتحاد على منخرطين من مختلف المشارب: التقليدي المخزني والتقليدي المحافظ واليساري والراديكالي واليسار المحافظ ووسطه ويمينه واللامسمى، مما شكل مجابهة شرسة وضارية للرغبة في السيطرة على منبر ثقافي ذي رمزية سياسية كواجهة لمثقفي المغرب بعكس الثقافة ومنتجيها، إما هم تحت جلباب هذا الطرف أو ذاك. وشهدت هذه المرحلة فشل موالاة السلطة فشلا تاريخيا، إلا أنها لم تلق سلاحها، وبات عليها أن تعاود الكرة بأسلحة مغايرة ومدروسة بإحكام. -المحطة الرابعة: لقد كان لنا نحن معشر كتاب الاتحاد أن نراهن على أننا استطعنا أن نحدد هويته ونرسم رؤاه في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي وعادل. إلا أن نجاح الحكم في تفكيك المنظمات السياسية النقابية والسيطرة على الجمعيات الأهلية، أدى إلى تنطع وتضخم أنانية بعض الكتاب وتجاوزهم لتوجهات تنظيماتهم وخلق تكتلات لاختطاف الاتحاد وتكريس ملامحه لأغراضهم الخاصة. وهنا يمكن لنا الجزم بأن اتحادنا فقد هويته الجمعية وانخرط في هويات متاهية لا حصر لها. والسؤال الراهن: هل فقدنا الاتحاد؟ وهل بإمكاننا استرداد هويته المطابقة لهويتنا؟ تلك معضلتنا التاريخية والإنسانية. وماذا بعد؟ لقد بات على الكتاب والمثقفين الغيورين على هذا البلد وعلى مستقبله، وهم على موعد مع مؤتمرهم، أن يعيدوا طرح السؤال: ما مدى مساهمتهم في بناء مجتمعهم الذي انحرف به الرأسمال المتوحش، وأضحى يضخم الفوارق الطبقية والمجالية، ويعمق من استراتيجيته للتفقير والهشاشة؟ وعليه، كيف نبني مشروعنا الحضاري؟ إذ هو العمود الفقري لكل المشاريع السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والإنسانية. وهو الكل، وما هي إلا فقرات عموده ولنستهل بناءه بالسؤال التالي: لماذا يوجد الفقر في المغرب؟ ومن أفقرنا؟