نجل لويس ماريا دوران كان يعمل بستانيا في إحدى الحضانات شمال المكسيك وزوج ليلى فارجوسو كان عامل لحام في أحد المناجم وابن يسينيا كاريرا كان يقوم بتركيب هوائي اتصالات فوق أحد التلال، كل هؤلاء وغيرهم الكثيرون اختفوا دون العثور لهم على أي أثر. تقول السيدة فارجوسو /41 عاما/ التي كانت تتحدث في غرفة المعيشة في منزلها بمدينة "شيواوا" شمال المكسيك إن "المجتمع لا يريد الاعتراف بأن هذا الأمر يحدث طوال الوقت" . تعاني ولاية " شيواوا" المكسيكية من أعلى معدلات اختفاء البشر في البلاد التي وصل عدد المفقودين فيها إلى حوالي 35 ألف شخص. وكان "ديفيد فوينتس" زوج السيدة "ليلى فارجوسو" قد اختفى في فبراير 2013 إلى جانب خمسة من زملائه في المنجم الذي كانوا يعملون فيه في مدينة "أوريق" بولاية " شيواوا" جنوبالمكسيك. وقال أحد شهود عيان ذلك الحادث إن مجموعة مسلحة اختطفتهم على الطريق. وبعد أيام قليلة من الحادث اختفت مجموعة أخرى من العاملين في نفس المنجم. بالنسبة لعائلات المفقودين التي لا تعرف عن مصير أبنائها شيئا ولم تجد جثثهم لتواريها الثرى، فالحزن والألم يطاردهم بلا نهاية. تقول السيدة "فارجوسو": "لا نستطيع التغلب على الحزن... لا تستطيع القول إن هذا الأمر حدث منذ خمس سنوات وانتهى ولا تستطيع أن تواصل حياتك كالمعتاد فهذا أمر مستحيل". ويرى كثيرون أن عصابات الجريمة المنظمة مسؤولة عن بعض عمليات الاختفاء القسري للمواطنين وأن أجهزة الأمن مسؤولة عن بعضها. وأغلب ضحايا عمليات الاختطاف من الشباب. يقول القس "أوسكار إنريكوز" مدير مركز "باسو ديل نورت" لحقوق الإنسان في مدينة "سيوداد خواريز" بالقرب من الحدود الأمريكية "لقد أصبح إخفاء الناس في المكسيك أسهل من قتلهم" لآن اكتشاف أي جثة يجبر السلطات على التحقيق في القضية في حين أن الشخص المفقود يتلاشى ببساطة دون أن يتبقى له أثر أو تحاول السلطات البحث عنه. ويضيف "إنريكوز" إن "الاختفاء يخلق معاناة مستمرة ودائمة للعائلات". وتضم قائمة المختفين خلال السنوات العشر الماضية ثلاثة طلاب يدرسون السنيما في مدينة "خاليسكو" و43 طالبا في "مدرسة أيوتزينابا للمعلمين" و11 رجل شرطة في مدينة "أدبوداكا" وفتاة كانت عائدة من إحدى المباريات الرياضية في ولاية "كواهويلا". ووصل عدد المختفين في عام 2017 فقط إلى حوالي 4975 شخصا، في حين وصل العدد منذ بداية العام الحالي وحتى الآن إلى 340 شخصا. عائلات هؤلاء الضحايا تريد فقط معرفة سبب اختفاء أو اختطاف أبنائها. وربما يكون هناك بعض إشارات التحذير، إشارات إلى الصراع بين العصابات، لكن في أغلب الأحيان لا يكون هناك أي تنبيه على الإطلاق. وفيما بعد تم العثور في بعض الحالات على جثث محروقة، أو على أكوام من العظام البشرية. وفي حالات أخرى تم اكتشاف مقابر جماعية مجهولة الهوية. كما أدى تحليل البقايا البيولوجية التي تم العثور عليها في براميل قريبة من المكان أنها كانت مملؤة في وقت من الأوقات بالأحماض. وقد كان "إسرائيل أريناس" ابن "لويس دوران" يبلغ من العمر 17 سنة عندما ألقت شرطة المرور القبض عليه مع ثلاثة آخرين من زملائه في المدرسة بمدينة "خواريز" شمال شرق المكسيك عام 2011. كان الشبان الأربعة يتناولون البيرة (الجعة) في أحد بارات المدينة ولم يكن معهم نقود لسداد قيمة المشروبات. وقد استعان عمال البار بعصابة "لوس زيتاس" لتجارة المخدرات والتي تتولى حماية البار للتعامل مع الشبان. وقد وصل أفراد الشرطة المتعاونين مع عصابة "لوس زيتاس" إلى المكان بسرعة، حيث شاهد شقيق "إسرائيل" أفراد الشرطة وهم يقيدون شقيقه ويعتقلونه. ومنذ ذلك الوقت لم يسمع عنهم أحد شيئا. وفيما بعد صدر الحكم على أحد رجال الشرطة بالسجن 25 عاما بتهمة الخطف، في حين هرب عدد آخر من المشتبه فيهم. لكن حكم القضاء لم يعد إسرائيل ورفاقه إلى أسرهم. تقول "دوران" في مدينة "مونتيري" إنها تعتقد أن ابنها ورفاقه تم "طهوهم" لكن لم يتم العثور على أي أثر للحامض النووي الخاص بهم للتأكد من وفاتهم. وعرضت "دوران" مجموعة من قصاصات الصحف التي تتحدث عن ابنها وعن المقابر التي تم اكتشافها وعن الأشخاص الذين تم القبض عليهم لصلتهم بالقضية. يذكر أن تعبير "الطهي" يستخدم في المكسيك للإشارة إلى عملية إذابة جثث الضحايا باستخدام الأحماض الكيماوية بحيث لا تظل لهم أي بقايا. من ناحيته قال "سيزار أوجستو بينشه" المدعي العام لمقاطعة " شيواوا" إن هناك 2402 مفقود في الولاية، بينهم أكثر من 80 رجلا و40% منهم كانت أعمارهم تتراوح بين 25 و35 عاما عند اختفائهم. وفي عام 2017 تم العثور على حوالي 400 جثة مجهولة مدفونة في ولاية " شيواوا". كما عثرت الولاية على عدد من الصناديق التي تحتوي على بقايا عظام محروقة، وقد تم تحليل بعضها في حين كان من المستحيل معرفة هوية البعض الآخر. وفي أكتوبر الماضي صدر قانون لإقامة نظام وطني جديد للبحث عن المفقودين بما في ذلك إنشاء سجل على المستوى الوطني وتوحيد قواعد التعامل مع حالات الاختفاء وتعيين محققين متخصصين في مثل هذه القضايا. هذا النظام الجديد منح بعض الأمل لأسر المفقودين، لكن تطبيقه سيواجه تحديات كبيرة. وقال "فيكتور كارانكا" المدعي العام لولاية "بويبلا" خلال مؤتمر مدعيي العموم المكسيكيين مؤخرا إن "المدعين العموميين أرسلوا رسالة موحدة إلى المجتمع المدني بأن مؤسسات القضاء ترفض العنف السياسي". ورغم ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت جهود هذه السلطات ستتجاوز قضايا قتل السياسيين فقط لتمتد إلى قضايا اختفاء المواطنين العاديين.