التحالف مصطلح عام ويشمل أنواعا عدة من التحالفات من بينها التحالف الحزبي الذي هو تنسيق بين حزبين او أكثر قبل او بعد الانتخابات من اجل أهداف مشتركة لا يستطيع حزب تحقيقها لوحده. وعلى هذا الأساس يبقى التحالف الحزبي خيارا سياسيا يلجأ إليه حزب سياسي أو أكثر لخلق تكتل حزبي تؤطره أرضية توافقية بين الأحزاب المشكلة للتحالف لتحقيق بعض الأهداف إما التكتيكية أو الإستراتيجية داخل إطار برنامج مشترك يتوفر على الحد الأدنى من القواسم المشتركة للأحزاب المتحالفة حول قضايا معينة. ونشير بالمناسبة ان مشروع قانون الأحزاب الجديد رقم 11- 29 لا يتحدث قط على التحالف بل على الاتحاد الذي خصص له بابا متكون من ست مواد. لذلك ،فالتحالف ليس وحدة اندماجية، تنصهر فيه الأحزاب المتحالفة ولكنه اتفاق برنامجي مع احتفاظ كل تنظيم بهويته وباستقلاليته وسيادة أجهزته المقررة ؛ وقد يكون التحالف بعيد المدى، إذا كانت الغاية منه هو تحقيق الاتحاد او الاندماج بين الاحزاب، وقد يكون متوسط المدى إذا كانت الغاية منه هو الشعور بخطر يهدد التوافقات السياسية او يمس بعض المكتسبات، أو قريب المدى، إذا كانت الغاية منه التصدي المباشر والاني لبعض السلوكات او القرارات التي تمس بعض أو كل مصالح البلاد العليا. ورغم ذلك تختلف التحالفات الحزبية من نظام سياسي لآخر.تتكون التحالفات الحزبية في الأنظمة الديمقراطية النيابية بين مجموعة من الأحزاب أثناء تشكيل الحكومة او الأغلبية البرلمانية .اما في الأنظمة الديمقراطية الرئاسية فرئيس الدولة الذي ينتخب مباشرة من قبل الشعب و ليس من قبل البرلمان هو من يكون وراء التحالفات الحزبية أثناء تشكيل الحكومة وقد يكون ذلك منصوصا عليه في دستور البلاد كما حال دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية. وعلى هذا الأساس ، فالتحالفات السياسية ممكنة أكثر فى الأنظمة الديمقراطية البرلمانية حيث تنبثق الحكومات من البرلمانات المنتخبة الأمر الذي يجعل استمرار الحكومة فى السلطة يتوقف على استمرار تحالف الأغلبية البرلمانية. لكن فى بعض الأنظمة السياسية العريقة كبريطانيا فالتحالفات تكاد تكون منعدمة لان التداول على السلطة يتم بين الحزبين الكبيرين: حزب العمال وحزب المحافظين والحزب الذي يفوز بالأغلبية المطلقة في الانتخابات يستطيع ان يحكم دون عقد أي تحالف. لذا فالتحالفات الحزبية ترتبط أكثر بالأنظمة السياسية البرلمانية ذات التمثيل النسبي كالنظام الفرنسي . وعكس ما يعتقد البعض فمسألة التحالفات الحزبية ليست عملية سهلة بل إنها عملية تتطلب نسبة معينة من النضج السياسي ومن القدرات على قبول عدد من التنازلات من قبل الأحزاب المتحالفة خاصة اذا كان التحالف قد تم بين أحزاب صغرى وأخرى كبرى( حالة تحالف من اجل الديمقراطية أي التحالف الثماني الذي أعلنه رئيس التجمع الوطني للأحرار). وقد يعرف التحالف بعض الأزمات أثناء تشكيل الأغلبية الحكومية في حالة ما فازت أحزاب التحالف بالانتخابات حيث يمكن ان تخضع الأحزاب الكبرى لابتزاز سياسي من طرف الأحزاب الصغرى رغم فوزها بأصوات ومقاعد قليلة في الانتخابات لكنها تبقى ضرورية بالنسبة للأحزاب الكبرى لتشكيل الحكومة، و لذلك تضطر الأحزاب الكبرى في التحالفات الاستجابة لضغوطات الأحزاب الصغيرة ( حالة حكومة عباس الفاسي مع حزب التقدم والاشتراكية اثناء تشكيل الحكومة وأثناء خروج حزب الأصالة والمعاصرة الى المعارضة). والمتتبع للتحالفات الحزبية بالمغرب سيلاحظ كيف انها لا تخضع لأي منطق لا سياسي ولا أخلاقي ولا إيديولوجي لسبب بسيط وهي ان الأحزاب التي تتحالف فيما بينها لا تكون صاحبة القرار ولكن تقبل التحالف لخدمة أجندة سياسية معينة او الاستجابة لضغط بعض القوى النافذة في الدولة، وهذا ما يفسر ضعف أداء وتنسيق الأحزاب المتحالفة فى إدارة وتدبير شؤون الدولة ،حيث ان درجة نفوذ الأحزاب المتحالفة داخل العمل الحكومي يكون باهتا حتى بالنسبة لصنع القرار داخل الحكومة نفسها ،وهنا يمكن استحضار كيف تم سحب مشروع قانون المالية دون علم رئيس الحكومة ولا وزراء الأحزاب المتحالفة بما فيهم وزير المالية والاقتصاد، بل حتى الفرق البرلمانية المشكلة من طرف الأغلبية الحزبية المتحالفة لم تتحرك ولم تحتج باستثناء بعض أحزاب المعارضة وكان على البرلمان ان يلعب الدور الرئيسي في كشف حقيقة دواعي سحب مشروع قانون المالية بعد وصوله للبرلمان لأنه يدخل في صميم مهامه الدستورية . والحديث عن التحالفات الحزبية يدعونا الى التمييز بين: أولا التحالفات البرلمانية حيث تتحالف الأحزاب داخل البرلمان لتشكيل الفرق او الأغلبية البرلمانية ، و ثانيا التحالفات الحكومية التي يمكن ان لا تتناسق مع تحالفات نفس الأحزاب بالبرلمان ( حالة أحزاب حزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار تحالفات متناقضة بين التحالف الحكومي والتحالف البرلماني )، ونشير هنا انه يمكن ان تتفرع عن هذه التحالفات تحالفات موسعة او توافقية او إيديولوجية او تحالفات معارضة او مساندة . ويعتبر الزمن الانتخابي زمن التحالفات بامتياز حيث تكثر التحالفات الحزبية وقد تكون قبلية او بعدية. - التحالفات القبلية أي قبل الانتخابات : هذا النوع من التحالفات الحزبية تفرضه طبيعة القوانين التنظيمية المؤطرة للانتخابات خصوصا على مستوى العتبات التي تتضمنها تلك القوانين والتي تهم عتبة الدوائر الانتخابية المحلية او تلك المتعلقة بالدعم المادي. وقد يفهم –أحيانا- من التحالفات القبلية انها ستكون نواة الحكومة المقبلة . - التحالفات البعدية أي بعد الانتخابات : هذا النوع من التحالفات يحضر بكثرة أثناء تشكيل الأغلبية البرلمانية وأيضا الأغلبية الحكومية وهي تحالفات قد تكون أحيانا صعبة وشاقة للأحزاب المتحالفة لأنها تتطلب تنازلات من كل الأحزاب المتحالفة على حساب المرجعيات الإيديولوجية والبرامج الانتخابية. وهذه الخاصية حاضرة في كل الحكومات التي تشكلت من بعد دستور 1996 من حكومة عبد الرحمان اليوسفي الى حكومة عباس الفاسي الحالية، ولعل شكل هذه التحالفات الحكومية غير المنسجم هو ما يضعف رئيس الحكومة والحكومة ذاتها أمام "حكومة الظل ".والكل يتذكر هنا ما وقع لحكومة عباس الفاسي بعد انسحاب حزب الأصالة والمعاصرة من التحالف الحكومي ليعوض في آخر لحظة بحزب الحركة الشعبية الذي كان معارضا تفاديا لأي أزمة حكومية. والأكيد انه مع قرب الانتخابات التشريعية المبكرة ليوم 25 نوفبر ستظهر عدة تحالفات حزبية هشة وبراكماتية لان التحالفات السياسية الحقيقة ستعقد بعد الانتخابات هذه التحالفات التي من الممكن انها ستكون تحالفات موسعة بين عدة أحزاب وأطياف كما كان عليه الأمر أثناء تشكيل حكومة 2007 نظرا للصيغة التوافقية التي تهيمن على السياسة الوطنية وعلى كل القوانين المؤطرة للانتخابات بالمغرب . صحيح ان القوانين الانتخابية المغربية لا تفرز الحزب الاغلبي ، صحيح أيضا ان ضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية يبلقن الخريطة الحزبية ويدفع الى تحالفات هجينة ، صحيح أيضا انه يصعب تشكيل حكومة من حزبين او ثلاثة أحزاب من نفس المرجعيات الإيديولوجية ، صحيح أيضا ان بعض التحالفات تصنعها الدولة .... لكن هذا غير مبرر لتشكيل حكومة من 6 او 7 أحزاب يمينية وتقدمية وشيوعية وليبرالية ومحافظة، لذلك نقول ، إن إكراهات التحالف لا يجب ان تفرض عبثية وفوضى التحالف بل لا بد ان تحترم القيم التي يبنى عليها أي تحالف ونقصد احترام "تحالفات الحد الأدنى" التي حددها فقيه العلوم السياسية W. Riker فى كتابه "نظرية التحالفات السياسية" 1962 .وعليه، فعلى التحالفات القائمة والمستقبلية ان تتقاسم على الأقل وحدة المرجعية الإيديولوجية ووحدة البرنامج السياسي ووحدة الرؤية الإستراتيجية المتعارف عليها في التحالفات التي تتشكل في الأنظمة الديمقراطية؛لان التحالفات السابقة التي عرفها المغرب كانت تكلفتها ضخمة على الشعب المغربي. لأنها أفرزت تحالفات حزبية شكلت حكومة انتظر الشعب منها ان تشتغل على تدبير أزماته الاجتماعية والاقتصادية والتنموية فإذا بها تنشغل بتدبير أزماتها الداخلية للحفاظ عن تحالفها الحكومي مما جعل المغاربة يسئمون من التحالفات الحكومية والحزبية لكونها لا تضيف أي قيمة مضافة الى المشهد الحزبي بقدر ما تعري واقعه البئيس. والسؤال الذي يطرح لماذا تفضل الأحزاب السياسية المغربية التحالف بدل الاتحاد الذي قننه مشروع قانون الأحزاب السياسية رقم 11-29 في بابه الخامس؟ أليس في التحالف تحايل على قانون الأحزاب السياسية ؟ والأكيد ان المشهد السياسي في حاجة الى اتحادات حزبية وليس الى تحالفات حزبية لكون الاتحادات الحزبية امتن وأقوى ومقننة عكس التحالفات الحزبية التي هي الأقرب الى تكتلات مرحلية غير خاضعة لقانون الأحزاب الجديد باعتباره المرجع القانوني الضابط للأحزاب السياسية