سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أتلاتي : التحالفات الحزبية «الهجينة» لا تبلور حكومة ائتلافية خالصة ومنسجمة إيديولوجيا الباحث في العلوم السياسية قال إن العديد من التكتلات الحزبية التي عرفها المغرب انتهت بصورة تقزز من الشارع
اعتبر طارق أتلاتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، أن جل الأحزاب السياسية مازالت تفضل تحالفات « هجينة» عوض تحالفات قبلية قائمة على أسس موضوعية. وتجعل هذه الأحزاب من عنصر الموسمية والظرفية عاملين متحكمين في طبيعة التحالفات. وأكد أن هذه التحالفات لا يمكن أن تبلور حكومة ائتلافية خالصة ومنسجمة إيديولوجيا، وهو ما يساهم في تأزيم المشهد السياسي وتكريس أزمة النسق الحزبي، معتبرا أن الأحزاب مطالبة بالتخلي عن الانتهازية في الوقت الراهن. -كيف تفسر وجود فرق برلمانية من أحزاب المعارضة والأغلبية تتقدم بمشاريع قوانين مشتركة في شأن التعديلات المقترحة حاليا باسم الفرق في البرلمان، رغم أن طبيعة العمل الحزبي يختلف بين المشارك في الحكومة والمعارض لها؟ هذه محاولة بسيطة لاستقراء الواقع السياسي المغربي من خلال التحالفات التي تؤثث المشهد السياسي، سواء عموديا أو أفقيا، خاصة على مستوى البرلمان، لكن السمة الأساسية والمحدد الرئيسي لطبيعة العمل السياسي هو غياب المنطق السياسي، وتغليب المصلحة الحزبية الخاصة على المصلحة العامة، وأحيانا على المصلحة العليا للبلاد؛ وأكيد أن جل الأحزاب السياسية ما زالت تفضل التحالفات الهجينة عوض تحالفات قبلية قائمة على أسس موضوعية، لتجعل من عنصر الظرفية و الموسمية، العاملين المتحكمين في طبيعة هذه التحالفات، سواء تعلق الأمر بمكونات أحزاب الكتلة الديمقراطية أو بالأقطاب السياسية الأخرى التي تندرج في هذا المنحى، كالقطب الليبرالي أو باقي الفسيفساء السياسية، التي صارت تجعل من مصطلح التحالف المبني على القواسم المشتركة ذات البعد الوطني مبررا للتملص من التزاماتها تجاه الناخب. -هل هذا السلوك يؤثر على الديمقراطية في البلاد، خصوصا أن الانتخابات المقبلة ل25 من شهر نونبر ستجرى في ظل دستور جديد صوت عليه المغاربة بالأغلبية الساحقة؟ النتيجة الطبيعية لهذا التوجه الحزبي هو المساهمة في إنتاج سلوك انتخابي سيء وكذا تأزيم المشهد السياسي وتكريس أزمة النسق الحزبي. وبالنظر إلى طبيعة المرحلة السياسية التي يعرفها المغرب والمقتضيات الدستورية الجديدة بما خولته من صلاحيات ومسؤوليات واسعة للحكومة والبرلمان وكذا للأحزاب، سواء منها الصغيرة أو الكبيرة فإن الاستمرار في نفس النهج إنما يكون عاملا رئيسيا لخلخلة المشهد ومن ثم فرض منطق العزوف بشكل يجعل المبدأ الرئيسي للديمقراطية بالمفهوم الصحيح ينتفي، ومن ثم إعادة استنساخ تجربة الماضي لكن هذه المرة في سياق مختلف وباحتمالات غير مضمونة. -ما هي حدود ومسؤوليات الدولة في هذا الاتجاه؟ في الواقع أن العديد من التكتلات والتحالفات الحزبية التي عرفها المغرب عبر تاريخه السياسي انتهت في نهاية المطاف بصورة تقزز منها الشارع المغربي والرأي العام، وانكشفت الحقيقة مع مجموع الظواهر التي ألمت بها جراء التدخل الواضح للدولة في اللعبة أو من خلال حيادها السلبي كظاهرة الترحال السياسي ونشر الغسيل المتسخ على مرأى العيان، وبذلك بات الجميع مقتنعا أن أغلب مكونات النخبة السياسية المغربية التي توخى منها المغاربة خلاصهم، متورطة من أخمص القدمين إلى رأسها فيما آل إليه المغرب اليوم، بالابتعاد عن منطق التأسيس. - في نظرك هل التحالفات الحزبية من هذا القبيل تدافع عن المصالح العليا للبلاد ومصالح مختلف الفئات والشرائح المغربية أم تبقى رهينة حسابات ومصالح ضيقة؟ أعتقد أن تحالفات هجينة من هذا القبيل لا تمكن المشهد الحزبي الذي يعج ب35 حزبا سياسيا من أن يبلور حكومة خالصة أو حكومة ائتلافية منسجمة إيديولوجيا أو على الأقل بناء على حد أدنى من التوافق لكي تكون قادرة على بلورة برنامج حكومي تتحمل على ضوئه تدبير الشأن العام. لذا فإن التوجه العام يتطلب القطع مع نظام التشرذم الحزبي نحو إقرار ثنائية قطبية تسمح بإعادة تجميع الأحزاب السياسية حول قطبين متنافسين، ومن شأن هذا إعادة الثقة للمواطن في العمل السياسي والمشاركة الانتخابية، وإلا فإن هذا الشكل من التحالفات لا يكرس إلا منطق الانتهازية والنفعية بالنسبة للمواطن، بل إن المسألة قد تتجاوز النفعية إلى الضرر بالمصلحة العليا للبلاد والأمثلة على ذلك كثيرة انطلاقا من انتخاب رئيس مجلس المستشارين من المعارضة أو أحداث اكديم أزيك. - ما هي الآليات في نظركم للخروج من هذا المأزق الذي تعرفه الساحة السياسية في البلاد؟ بالنظر إلى مجريات الأحداث إقليميا، فإن جميع الفاعلين مطالبون بالقفز على منطق الانتهازية للقفز على التوعكات السياسية والاجتماعية التي من شأنها أن تتفاعل في غياب إرادة حقيقية لإعادة الأمور إلى نصابها؛ فمن غير المفهوم في القانون الانتخابي الحالي أن تتمسك وزارة الداخلية والأحزاب بتقزيم مفهوم الكفاءة كما دعا إليه الملك محمد السادس. كما تجب المحاسبة الدقيقة لكل الأحزاب إداريا وماليا وفرض ديمقراطية داخلية من شأنها إعادة الروح للعمل السياسي النظيف. -هل تستطيع الأحزاب في نظرك أن تؤسس أقطابا مبنية على مرجعية محددة وقادرة على تفادي مثل هذه التحالفات؟ المفروض أن طبيعة وهوية الحكومة القادمة يجب أن تكون معروفة للجميع وهذا أمر مهم جدا بالنسبة إلى الحالة المغربية، لأن هذا الأمر من شأنه أن يعيد الثقة بين الناخب ومؤسساته الدستورية، لأنه يعرف مسبقا من اختاره لتدبير شؤونه. كما يمكن ذلك الناخب من لعب دور أكبر في تشكيل الحكومة، لكن الأمر يتطلب تقديم تنازلات متبادلة بين الأحزاب ووزارة الداخلية، لخلق تحالفات الحد الأدنى لكي لا يشوه المشهد أكثر. لذا فإن الأحزاب الكبرى مطالبة بالتفكير في عقد تحالفات قبلية، لأن التحالفات البعدية خطر على الديمقراطية وعلى المصلحة العليا للبلاد، والأكيد الآن هو أن كل التحركات، سواء ضمن الكتلة أو القطب الليبرالي أو غيرها، يجب أن تفك الارتباط بالأساس بالمشاركة الحكومية وبنيل الكراسي، وأن تكون أكثر وعيا بما يخدم الإصلاح الدستوري والسياسي أو برؤية استراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد لتنزيل مضامين المكتسبات التي تؤسس لمغرب المستقبل الذي يطمح إليه المغاربة في الوقت الراهن.