"إذا كُنْتِ ترغبين في العمل هنا، عليك أن تنامي معي"، تقول عاملة موسمية مغربية في حقول الفراولة، بعدما سألتها صحافية إسبانية بشأن فضيحة تورط مُشغلي مزرعة "دونانا 1998" الواقعة في الجنوب الاسباني، بالقرب من منطقة هويلفا، في ابتزاز عاملات مغربيات لإجبارهنَّ على مُمارسة الجنس. الفضيحة التي اهتزت لها ساكنة الجنوب، انتشرت بشكلٍ واسعٍ في كل أرجاء إسبانيا، خاصةَ بعدما اخْتارَت الضحايا كسر جدار الخوف، بتنظيمهنَّ لوقفة احتجاجية أمام إحدى المراكز الأمنية التَّابعة لمنطقة هويلفا، مطالبات السلطات بالتدخل لحمايتهنَّ من تهديدات "رؤسائهن". وقفة وشهادات صادمة يوم الجمعة الماضي، اشتعل فتيل الغضب، مئات العاملات المغربيات في حقول "الفراولة" يقرّرن الخروج إلى الشارع لتنظيم وقفة احتجاجية "عفوية" بالقرب من مزرعة "دونانا 1998"، التي تستقبل سنوياً الآلاف من الموسميات اللَّواتي يشتغلن في حقول الفواكه الحمراء، وهي أول وقفة من نوعها تُنظم داخل التراب الاسباني، بعد ذُيوع فضيحة تعرض عشرات النسوة لاعتداءات جنسية من طرف رؤسائهن داخل الحقول الزراعية الواقعة في الجنوب الإسباني. رفعت المغربيات الغاضبات شعارات تطالب ب"الكرامة" ومحاسبة المتورطين في هذه الفضيحة، وفي هذا الصدد نقلت صحيفة "هويلفا انفرماسيون": "الوقفة كانت تقودها امرأة مغربية أُميّة لا تتكلم الإسبانية، قدمت من منطقة الشمال المغربي، تعيشُ بعيدة عن عائلتها وابنها". تعيش أزيد من 500 عاملة مغربية في منطقة "هويلفا" الإسبانية، يشتغل مُعظمهن داخل حقول الفراولة مقابل مبلغ 40 يورو عن كل يوم عمل، علماً بأن عليهن الاشتغال 7 ساعات يومياً مع نصف ساعة استراحة، ويوم واحد عطلة في الأسبوع، بدون تغطية اجتماعية وفي بيئة تستقبل المهاجرين بالرفض والمضايقات. "عندما يأتي إلى المزرعة يتكلم بشكل سيء ويهيننا ويعامل جميع النساء بشكل سيء"، تقول رشيدة (45 سنة) لجريدة "هويلفا انفرماسيون" في رصدها لتجاوزات مسؤول المزرعة، مضيفةً: "أعلم أن هناك فيديو تظهر فيه هذه الحالات، لكنني لا أعرف كم هو عدد ضحايا مزرعة دونانا 1998". وتقول أخرى: "إنهم يُهدِّدُوننا ويدفعوننا إلى ترك العمل والرجوع إلى المغرب، ونقول لهم إننا نريد أن نشتغل"، وزادت: "العاملات المغربيات لا يستطعن الدّفاع عن أنفسهنَّ لأنهنَّ أميات، لكن أخريات يشعرن بالخوف لأن مدراء المزارع يهددوننا بالطرد وبالترحيل من إسبانيا". أربع شكاوى أمام المحكمة قال المحامي بيلين لوجان، عن نقابة العمال الأندلسية (SAT)، إن "حوالي 50 من العاملات المغربيات صرَّحن للنقابة بأنهنَّ يعملن في ظروف لا إنسانية لساعات طويلة في اليوم، ولم يتلقّين أيَّ تعويضٍ، ليْسَ لديهن طعام، ولم يتم الوفاء بمستلزمات العقد". وأضاف المحامي الذي قام بزيارة إلى مقر سكن العاملات، في تصريح لجريدة "إلمندو"، "في كل حاوية، تعيش سبع عاملات، مع نافذة صغيرة، بدون مراحيض، وبدون صرف صحي، إنها شبه عبودية"، على حد تعبيره. وتابع المحامي، الذي انتصب للدفاع عن العاملات، أنه "جرى تقديم أربع شكاوى أمام محكمة هويلفا: واحدة تتعلق بظروف اشتغال العاملات، والثانية مُرتبطة بإقدام مسؤولين في المزرعة على طرد الموسميات عبر حافلات إلى وجهات غير معروفة، والثالثة متعلقة بقضايا التحرش الجنسي، ثم أخيراً محاولة إرشاء العاملات". صاحب المزرعة ينفي! أمام تمدُّد خيوط الفضيحة إلى خارج إسبانيا ودخول بعض المنظمات الحقوقية الأوروبية على الخط، خرج المسؤول عن المزرعة التي تشتغل فيها العاملات المغربيات عن صمته، وقال في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية: "لم نحتجز أحداً، ولم نطرد أحداً، كل العاملات يشتغلن في ظروف جيدة"، وزاد: "يتم دفع الرواتب لهن في اليوم الخامس من كل شهر"، مورداً أن "مفتشية العمل قامت بزيارة إلى المزرعة ولم تسجل أي خروقات". ووصف النائب البرلماني كومارو العقد الذي بمُوجبه تشتغل الموسميات ب "نظام العبودية"، مشيراً إلى "وجود انتهاكات في حق العاملات اللواتي يعشن تفاصيل معاناتهن في صمت"، وتابع في تصريح لصحيفة "هويلفا انفرماسيون": "سنعمل على وضع أسماء وألقاب هؤلاء الذين يضايقون العاملات وسنتابعهم أمام محاكم العاصمة الإسبانية مدريد". وأورد كوماور: "هذا الوضع مستمر منذ سنوات في هويلفا ولا نفهم كيف لم يتم التنديد به حتى الآن"، مضيفا: "علينا أن نوقف هذه الفضيحة التي تزداد في الانتشار يوماً بعد يوم. بعض الناس يأتون إلى هنا لكسب خبزهم وليس لديهم أي خيار سوى تحمل ما يقومون به". "نريد تدابير ملموسة الآن. هؤلاء النساء في حاجة إلى مكان آمن، ويجب أن يخضعن للحراسة وأن يشعرن بالأمان"، تقول لورا ليمون، المتحدثة باسم الجمعية النسائية الاسبانية، في تصريح لجريدة "Mujeres24H". يتيم يكذب شهادات "المغربيات" فِيمَا يُواصل أفرادُ الحَرَسِ المدني بحثهم في احتمال تعرُّض العاملات لاعتداءاتٍ جنسية وانتهاكات أثناء عملهنَّ داخل المزارع، أورد وزير الشغل، محمد يتيم، في سياق تفاعله مع الواقعة أنه من خلال المعطيات المتوفرة لديه، "لم تتم معاينة أي حالة معينة من خلال التواصل مع عدد من العاملات حول أجواء العمل وظروف الإقامة"، مضيفاً أن "جميعهن عبرن عن رضاهن، سواء منهن المعاودات أو اللواتي التحقن لأول مرة بإسبانيا". وفي الوقت الذي تتهم فيه عاملات "الفراولة" المسؤول الأول عن المزرعة بتهم التحرش والاغتصاب، كشف يتيم أنه "تم الحديث معهن عن ظروف زميلاتهن بضيعات أخرى، فتم التأكيد على عدم تعرضهن لأية مشاكل، كما أنه لم يتم التوصل بأي شكاية من هذا القبيل". وكان وفد مغربي-إسباني قام يومي 10 و11 ماي الماضي بزيارة ميدانية إلى إقليم "هويلفا" الإسباني. الوفد المشترك ضم عن الجانب المغربي ممثلين عن وزارة الشغل والإدماج المهني والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات والقنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينة إشبيلية، وعن الجانب الاسباني ممثلين عن وزارة التشغيل والضمان الاجتماعي والسفارة الإسبانية بالرباط وممثلين عن جمعيات وشركات فلاحية إسبانية بإقليم "هويلفا".