بين الأمس واليوم، أحداث كثيرة اهتزت لها أصوات المواطنين، فرادى وجماعات؛ فحين يتعلق الأمر بالمس بالحريات الأساسية، أو ممارسة دور "القاضي" من قبل أشخاص عاديين، يشاركونك ذات الوطن ويخضعون للقواعد والقوانين نفسها، تسمع صدى للاستنكار والشجب. أحكام عامة يصدرها البعض دون احتكام للقانون ولمساطره، على خطى "حكمتُ عليك، وقد استحال غير ما حكمت". ردود الأفعال والأقوال تختلف من شخص إلى آخر، حسب خلفيته الثقافية والسياسية كما الدينية؛ بيد أن الحقوقيين المغاربة يتفقون على أمر واحد: "لا لتجاهل القضاء والقانون، ولا للمس بحريات المواطنين" هو شعار توافق عليه الجميع، خاصة بعد تداول مقطع في مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص مدججين بالعصي، في حالة هجوم على شابة باحثة ورجل يقلها، فضربوهما حتى سالت الدماء من وجه الفتاة، وهي تصرخ "جيت باش ندير بحث"؛ غير أن آذانهم لم تصغِ لما تقوله على الإطلاق. انتهاك لحرية التجول إبراهيم مومي، عضو في منتدى شمال المغرب لحقوق الإنسان، أكد، في تصريح لجريدة "هسبريس"، أن هذه الظاهرة هي مظهر من مظاهر الاعتداء على الحريات الأساسية للمواطن، خاصة حرية التنقل داخل الوطن، وكذلك حرية التجول؛ وهو ما يعني أن منتهكي هذه الحريات هم أشخاص لا يقيمون وزنا للقانون، ويعمدون إلى تحكيم الفوضى. ولفت مومي إلى أن هؤلاء الأشخاص يشكلون في الغالب خطرا على المجتمع، حيث يستتبعون هذا النمط من التحكيم الفوضوي بجرائم أخرى كالسرقة والاغتصاب وربما الاختطاف؛ وهو ما يعاقب عليه القانون الجنائي المغربي. وعن التوصيات التي يمكن تقديمها تفاديا لمثل هذه الأحداث، يشير الفاعل الحقوقي إلى أنه يلزم على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية تلقائيا وفورا للتصدي القضائي لهذه الظاهرة وتحقيق الردع، وكذا ضرورة التنسيق بين الشركة الإدارية والشرطة القضائية لحصار مثل هذه الظواهر، بغاية حماية النظام العام في بعديه: الأمن العمومي/ السكينة العمومية. كما دعا المتحدث إلى تحسيس المواطنين بأهمية الامتثال للفصل السادس من الدستور ودوره في استثبات الاستقرار والسكينة العمومية، وتسهيل مساطر الولوج إلى القضاء، وتقريب هذا المرفق الحيوي للمدن والقرى، وكذا التأسيس لسيادة ثقافة قانونية في المجتمع، بدءا بتأسيس شعبة القانون في التعليم الثانوي التأهيلي، والتعاون الأفقي لزرع القيم التي من شأنها الامتثال لثنائية الحق والواجب. "شرع اليد" من جهة ثانية، اعتبر محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن معاقبة أفراد لآخرين يعد سلوكا منافيا لفلسفة حقوق الإنسان والصكوك الدولية ذات الصلة؛ لأنه يعرض الحياة والسلامة الجسدية وممتلكات الأشخاص للخطر، كما أنه يعرض المجتمع للتفكك والفوضى ويهدد أمنه واستقراره. وأكد بنعيسى أن "شرع اليد" كمفهوم أنثربولوجي متصل بالبنية الاجتماعية والتاريخية للمغرب، ووصف ظاهرة تطبيق أشخاص العقاب على آخرين أنسب لوصف الحوادث المتكررة التي يجد فيها مواطنون أنفسهم أمام "أحكام " وتطبق عليهم "عقوبات" من وصف تلك المشاهد ب" قضاء الشارع". وشدد المتحدث على أن عودة مثل هذه الحوادث متصلة بالأساس بعدم قدرة العديد من الأفراد والجماعات على استيعاب مفهوم المواطنة والعيش ضمن مجال الدولة؛ فمفهوم "السيبة " لا يزال يعشعش في البنية الذهنية للعديد من الأفراد كمقياس لإطلاق "اليد" على الآخرين والإحساس بضعف الدولة، وعجزها في تطبيق القانون وصون الحقوق والحريات يؤدي إلى العودة إلى مجال السيبة، يؤكد بنعيسى. وأقر الفاعل الحقوقي بأن ما يزيد الطن بلة هي الأحكام المطلقة والتعميمات الجاهزة التي تصدر بعد مثل هذه الحوادث التي ترجعها إلى انتشار الدعشنة أو الفكر السلفي، لهذا لا يمكن قراءة مثل هذه الأحداث إلا في سياقاتها متعددة الأبعاد، للوقوف على البنية التي تقف وراءها. مساس بالحقوق الكونية ومن جانب آخر، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن قضية الاعتداء على فتاة وشاب بدعوى الاشتباه فيهما بممارسة أمور مشينة من لدن شباب، مستعملين في ذلك عصي، قضية تجاوز قانوني وتطاول على اختصاصات مؤسسة، كما أنها جريمة نكراء تنطوي على فعل خارج المجتمع المتحضر؛ لأن قضاء الشارع لا تمارسه سوى المجتمعات البدائية، التي لا علاقة لها بدولة المؤسسات. وأضاف الخضري أن ما مورس في حق الشابين يدخل في نطاق المس بالحرية والأمان الشخصي، ويعرض حياتهما للخطر، مع العلم أن الشرعية الدولية لحقوق الإنسان بمختلف مكوناتها تؤكد على ضرورة حماية المواطن من أي اعتداء، أو حتى تعريضه للتدخل في خصوصياته، من قبل الأجهزة الحكومية، فبالأحرى من قبل أشخاص من عامة الناس. وذكر المتحدث المادة ال12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة ال17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الخاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي تعتبر في مادتها الأولى أن أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما لكونه يشتبه ارتكابه لعمل ما تعذيبا، وجبت متابعته جنائيا. وأشار رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى أن هذه الواقعة مدانة من الناحية الحقوقية جملة وتفصيلا، ويقع على الدولة مسؤولية إنزال العقاب بمقترفي هذه الجريمة النكراء؛ لأن التساهل مع مثل هذه الأفعال يشجع آخرين من عديمي الضمير على الاعتداء الجماعي على المواطنين بذرائع مختلفة، ونفث مكبوتاتهم السلوكية والغرائزية في أجساد أبرياء، وهو ما يمس بهيبة الدولة ومؤسساتها، ويضع مصداقيتها على المحك، كما يمس بالأمن والسلم الاجتماعيين. وقال الخضري: "لو افترضنا أن مقترفي هذه الجريمة شعروا بوجود سلوك ما، فأقصى ما كان ينبغي القيام به إشعار السلطات الأمنية لتقوم بدورها، دون المس بهم". العدل لا الفوضى بيانا لموقف الشرع والعقل من حدث آسفي، أكد إبراهيم بوحولين، باحث في الدراسات الإسلامية بالمغرب، في تصريح لهسبريس، أن الشريعة الإسلامية حين رسمت الحدود وبينت أحكامه جعلت ذلك مُحاطا بسياج من الشروط والقيود والمناطات، من ذلك تقرير الفقهاء قاعدة مشهورة في الحدود هي"الحدود تسقط بالشُّبهات"؛ فالشبهة وغالب الظن قَيدٌ يحول دون تطبيق حدٍّ من الحدود الشرعية. واعتبر بوحولين أنه إذا افترضنا أنه حصلت الفاحشة وزالت الشبهة، فإنَّ الذي يملك سلطة العقاب هو القاضي والجهات المختصة، ولو تُرك العقاب للناس كلِّهم لسادت الفوضى وانتشر الظلم، والشرع يقصد إلى النظام والعدل لا الفوضى والظلم، على حد قوله. وخلص الباحث إلى أن هذا الفعل لا يجوز شرعا ولا ينبغي، ومن ثمَّ فمن الطبيعي ومطلوب أيضا محاسبة هؤلاء الجُناة على أفعالهم، حتى يكونوا عبرة لمن أراد أن يتطاول على حقوق الآخرين باسم الدين والشرع، والدين من مثل هذه السلوكات الشاذة بريء، يؤكد إبراهيم بوحولين. *صحافية متدربة