خلص تقرير لجمعية «عدالة» حول الإطار القانوني لحرية التعبير بالمغرب، إلى أن حرية الصحافة والتعبير بالمغرب، تعيش إشكالية على مستوى علاقة «التشريع بالممارسة». وسجّل التقرير أن حرية الصحافة تم تقييدها بالقانون الجنائي. ومضى إلى القول إنه على «أساس هذه المعايير وتأويلاتها»، أبدت أطراف مغربية ومنظمات دولية للدفاع عن حقوق الإنسان «تحفظات وتوصيات مختلفة» إزاء القانون الجنائي الجديد. احتوى دستور 2011، بحسب التقرير، على نقط “في غاية الأهمية” مقارنة بالدساتير السابقة، حيث ينص على “تشبث المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا”، وينص الفصل 25: “يكفل حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها”، ويكفل كذلك “حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني”، ويقر للمواطنين بحق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، بينما يضمن الفصل 28 “حرية الصحافة من خلال عدم إمكانية تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”. ويشير التقرير إلى أن دراسة دستور 2011 والقوانين المتعلقة بحرية التعبير المعتمدة خلال السنوات الأخيرة، تبين أنه “يوجد بالمغرب هاجس دائم لإعداد إطار قانوني يمكن من إعداد وجود متناغم ل”ثوابت المملكة” مع المعايير الدولية. ورأى معدو التقرير أن هذه المقاربة “إيجابية للغاية”، لكن رأوا أنه “من الواجب القيام بتحديد القيود المترتبة عن احترام ثوابت المملكة تحديدا دقيقا، حتى لا تتجاوز القيود التي ينص عليها العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية”. وعلى منوال إسبانيا التي حرصت على التوازن بين التشريع الوطني والمواثيق الدولية، حين نصت في تشريعاتها على أن “يتم تأويل المعايير المتعلقة بالقوانين الأساسية وبالحريات التي يقرها الدستور طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وللمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتناول نفس المواد التي صادقت عليها إسبانيا”. قانون جنائي ضاغط بخصوص الإطار القانوني، لاحظ التقرير أن القانون الجنائي يتضمن “فصولا تعاقب بالسجن والتحريض على الكراهية أو التمييز”، وكذلك “الكتابات والأقوال التي تعرض للمس بالنظام الملكي وبالدين الإسلامي وبالوحدة الترابية للمغرب”، وهي عقوبات، بحسب التقرير، تنضاف إلى تلك التي كانت موجودة سلفا في القانون الجنائي بالنسبة ل”جرائم التعبير” الأخرى، مثل: الإساءات، الشتائم أو المس بالحياة الخاصة المقترفة في حق الملك أو الأسرة الملكية، والإخلال بالاحترام والهيبة الواجبين لشخص الملك، وتجريم الأفعال التي تشكل جرائم إرهابية… وتطرق التقرير إلى وجهة نظر السلطة، التي ترى أن “هذه الترسانة القانونية أقل زجرا من سابقتها”، من جهة لأن “العقوبة السجنية أصبحت اختيارية بالنسبة لبعض الجرائم، في حين كانت إلزامية قبل ذلك”، ومن جهة أخرى لأنه “جرى تقليص بعض العقوبات”. لكن معدي التقرير رأوا أن التشريع القانوني الجنائي يطرح عدة مشاكل، إذ تم النظر إليه من وجهة نظر القانون الدولي، وبصفة خاصة مع مقتضيات العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية التي تحدد حقل القيود التي يمكن أن توضع لحرية التعبير، حيث إن القوانين الوطنية يجب أن تستجيب لمعايير “اختبار ثلاثي” للقيود المسموح بها وهي: يجب أن يتم التنصيص على القيد بالقانون، يجب أن يستجيب القيد لداع ورد ذكره في المادة 19 أو المادة 20، يجب أن يكون القيد ضروريا للهدف المتبع. ومضى التقرير إلى القول إنه على “أساس هذه المعايير وتأويلاتها”، أبدت أطراف مغربية ومنظمات دولية للدفاع عن حقوق الإنسان “تحفظات وتوصيات مختلفة” إزاء القانون الجنائي الجديد. ويمكن إجمال تلك التحفظات في فئتين: الأولى، تخص الجرائم التي لا تدخل في حقل القيود التي ينص عليها العهد الدولي لسنة 1966، المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والتي تضع نظاما خاصا في مجال القذف بالنسبة لسلسلة من المؤسسات العمومية والموظفين. وترى تلك الأطراف أنه ينبغي سحب تلك الجرائم من القانون الجنائي أو إعادة صياغتها، لإدخالها في نظام وحيد للقذف، أو تتم المعاقبة عليها بغرامات لا غير. الثانية: تخص الجرائم المحددة في القانون الجنائي التي تتوخى الأهداف المعترف بها كأهداف مشروعة، لكنها لا تستجيب للشروط التي تطرحها تلك المواد، إذ ينبغي تقليص تعريفها وتوضيحه بكيفية تكون معها كل واحدة: مصاغة بكيفية دقيقة حتى يتمكن المواطنون من اعتماد سلوك محدد إزاء ذلك، وأن تكون أيضا محددة بكيفية صارمة بما فيه الكفاية، حتى لا يعاقب إلا التحريض على العنف أو الاستجابة لمتطلبات المجتمع الديمقراطي. في هذا السياق، أورد التقرير تحليلا وموقفا من الفصل 218 من القانون الجنائي، الذي كان محور نقاشات شتى، وأوضح التقرير أن المراجعة التي اعتمدها مجلس النواب في يناير 2015، أدمجت “الالتحاق بمجموعات إرهابية” إلى قائمة الأفعال التي تشكل جرائم إرهابية، لكن هناك فقرة جديدة أضيفت إلى الفقرة 2 تجرم إضافة إلى ذلك “الأفعال التي لها علاقة بالدعاية لكيانات إرهابية أو الإشادة بها أو تشجيعها”، وترى المنظمات الحقوقية، بحسب التقرير، أن “هذه الصياغة لا تمكن من توضيح ما يعنيه بالضبط مصطلح الإشادة الذي هو مصطلح مبهم يوجد سلفا في القانون الجنائي واستخدم قاعدة لمتابعات قضائية ضد صحافيين استجوبوا أشخاصا على علاقة بأوساط إرهابية أو نشروا وثائق ذات طابع إخباري حول الإرهاب”. وأوصى التقرير باستبدال مصطلح “إشادة” بمصطلح آخر أكثر دقة هو “التحريض العلني على اقتراف جريمة إرهابية”. الحق في المعلومات .. قيود واسعة يبدي التقرير الملاحظات نفسها على قانون الحق في الحصول على المعلومات، الذي اعتمده البرلمان، وإذ يعتبر معدو التقرير أن إقرار مبدأ الحصول على المعلومات يعد “ثورة قانونية” بالمغرب، حيث كانت حالة القانون السابق متميزة بمنع مبدأ نشر المعلومات، حيث كان المنع ممنهجا ويكاد يكون قاعدة، حيث أن القانون الجديد كسّر القاعدة على الأقل. لقد تم إعداد مشروع القانون عند انتهاء مشاورات عمومية مع أطراف مشاركة دولية ووطنية، وترى هذه الأطراف أن “النص يقترب من المعايير الدولية بخصوص العديد من الجوانب، مثل العناية الخاصة التي تم إيلاؤها للنشر الفعال للمعلومات”، و”حقل تطبيق على نطاق واسع لهيئات عمومية وخاصة تمارس وظائف عمومية، ومساطر بسيطة نسبيا لطلب المعلومات، وإحداث هيئة إدارية مكلفة خصيصا لمساطر الاستئناف”،. لكن رغم كل تلك المضامين، فإن مشروع القانون ما يزال يتضمن العديد من نقط الضعف، بحسب التقرير، أهمها: أولا، عدم الاعتراف بالاستفادة من حق الحصول على المعلومات سوى للمواطنين المغاربة، وللأجانب المقيمين بالمغرب، وهذا القيد يستثني الأجانب غير المقيمين، وهو ما يطرح مشكل الملاءمة مع الفقرة الثالثة من الفصل 30 من الدستور، الذي ينص على أن “يتمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين والمواطنات المغاربة، وفقا للقانون”، وكما سجل التقرير أن هذا القيد “لا يوافق القانون الدولي الذي يعترف بالحق في المعلومات، باعتبارها حقا يجب أن يكون مضمونا لأي شخص دون اعتبار للمواطنة”. ثانيا، فيما يتعلق بالحق في إعادة استعمال المعلومات المتحصل عليها فهو ضيق للغاية، ذلك أن الفصل من مشروع القانون يضع أمامه ثلاثة شروط: يجب أن يكون ذلك من أجل “دافع مشروع”، ويجب أن يتم ذلك بدون “تشويه أو تحريف”، ويجب ألا “يلحق ذلك ضررا بالمصلحة العامة أو بحقوق أخرى”، ومن شأن هذه الصياغة المبهمة إلى حد بعيد لهذه المقتضيات “ألا تشجع على إعادة استعمال المعلومات من لدن مستعملين محتملين، خشية تعرضهم لعقوبات جنائية إذا أغاظت المعلومات التي يستعملونها أشخاصا أو مؤسسات معروفة ب”قوتها”. ويطالب معدو التقرير بأن يضمن القانون بكيفية صريحة أن المعلومات التي سمح لمن طلبها بالحصول عليها هي على نحو متجدد معلومات تنتمي إلى المجال العمومي، وأنه بالإمكان نتيجة لذلك القيام بإعادة استعمالها. ثالثا، اعتبر التقرير أن “نظام الاستثناءات واسع للغاية”، فالفصل 7 من القانون يذكر 13 فئة من المعلومات التي يمكن أن تستثنى من حق الحصول على المعلومات، وأغلب هذه الفئات هي تلك التي نجدها عموما في قوانين الحصول على المعلومات (الدفاع الوطني، الأمن الداخلي، الحياة الخاصة)، غير أن مشروع القانون المغربي يكتفي بتعدادها من دون تحديد لمداها بكيفية دقيقة. لأنه “يقدم على هذا النحو لإدارات إمكانية تطبيق نظام وضع القيود بكيفية تعسفية واعتباطية، مثلا من خلال رفض الحصول على معلومات قد لا يشكل نشرها ضررا جسيما بمصالح الأمة أو بالحقوق الأساسية للأفراد”. قانون صحافة.. خادع القانون الثالث الذي توقف عنده التقرير يتعلق ب”الصحافة والنشر”، إذ يشير التقرير إلى أن القانون الأول للصحافة والنشر وضع سنة 1958، وتعرض للتعديل والتغيير عدة مرات، وابتداء من سنة 2012، شرعت السلطات العمومية في مسلسل لمراجعة هذا القانون من أجل ملاءمة محتواه مع الإطار الدستوري الجديد، بتشاور مع عدة هيئات مهنية مغربية ومع منظمات دولية للدفاع عن حقوق الإنسان. من وجهة نظر وزارة الاتصال، في تقريرها السنوي ل2014، فإن الصيغة النهائية تتضمن نقطا متقدمة مهمة بالنسبة للمعايير الدولية مثل: الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب باعتبارها مصادر يتعين على القانون أن يتلاءم معها. تم حذف العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بعقوبات بديلة وبغرامات تم تقليص مبالغها بالنسبة لأغلب الجرائم. وللصحافي من الآن فصاعدا إمكانية التمسك بحسن نيّته في المحاكمات المتعلقة بالقذف، مقترنة بإمكانية تقديم عناصر الإثبات طيلة المحاكمة. الاعتراف بحرية الصحافة الرقمية وتزويدها بعدد من الضمانات. وتقوية مبدأ التصريح الوحيد المسبق لإحداث جريدة. وتراجع اختصاص الإدارة في مجال منع الجرائد أو توقيفها أو مصادرتها لصالح القضاء. كما تم الاعتراف بالطابع الإلزامي لتقديم المساعدة العمومية إلى الجرائد وفق مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص. كما تم وضع نظام للضبط الذاتي بإحداث مجلس وطني للصحافة. يؤكد التقرير أن الأطراف التي ساهمت في إعداد القانون “لا تنفي هذا التقدم”، لكنها تعتبر أنه “لم يتم تسجيل أي تغيير مهم في العديد من المؤشرات المهمة على حرية الإعلام، وهي تفضح بصفة خاصة نظاما خادعا لعدم التجريم، وقد تمت صياغة الجرائم التي أدخلت في القانون الجنائي سنة 2016 حرفيا في قانون الصحافة الجديد، ولم يتم وضع أي حاجز قضائي أو مسطري لتضييق إمكانية استعمال القانون الجنائي لإنزال العقاب على جنحة تتعلق بالصحافة”. ويشير التقرير إلى أنه في يوليوز 2017، حكم على هذا النحو على مدير النشر بالمواقع الإعلامي الرقمي “البديل” حميد المهداوي بعقوبة حبسية بلغت ثلاثة أشهر نافذة من طرف المحكمة الابتدائية للحسيمة، وبعد ذلك رفعتها إلى سنة كاملة. بعدما أدين المهداوي بسبب نشره مقالات حول مسيرة سلمية منعتها السلطات، وقد أدين ب”تحريض المواطنين على خرق القانون”، بداعي أن “أفعاله تجاوزت عمله كصحافي”. ويضيف التقرير أن “هذا الميل الذي يعطي السلطة القضائية حرية التصرف كاملة لتقدير ما يدخل في نطاق الصحافة وما لا يدخل في نطاقها، هو بالأحرى ذو طابع إشكالي بالنسبة للقانون الدولي، حيث إن معايير وضع قيود يسمح بها العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية أمام حرية التعبير، تتضاعف في حالة وسائل الإعلام، ل”الإلزام الإيجابي بحماية هذه الحرية عندما تتم ممارستها عن طريق الصحافة، بسبب الوضع القانوني للصحافي لكونه فاضحا محتملا للتجاوزات”. وبعد تحليلات وافية للقيود والنقائص، يخلص التقرير إلى القول إن تلك “القيود غالبا ما تتم صياغتها بعبارات عامة للغاية، من شأنها أن يتم تأويلها بكيفية قد تؤدي، عن غير حق، إلى الحد من حرية التعبير”. يذكر أن التقرير تمت صياغته في إطار مشروع “تعزيز التنفيذ الفعال لإطار قانوني يضمن حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع في المغرب”، يرمي إلى “تيسير الإعمال الفعلي لإطار قانوني مناسب لحرية التعبير والتجمع والاجتماع ومطابق للمعايير الدولية وللممارسات المثلى بالمغرب”. وينطلق التقرير من التأكيد أن حرية التعبير “ركيزة من ركائز النظام الديمقراطي”، وأن “العلاقة بينهما علاقة تلازم”، إذ لا يمكن تصور أحدهما دون وجود الآخر..