لم تكد تخمد نيران جريمة القتل البشع الذي راح ضحيته قبل أيام شاب بقرية أولاد موسى بسلا، حتى اهتز الرأي العام الوطني والرأي العام المحلي بمدينة المحمدية، مساء الخميس الماضي، على جريمة قتل "قذرة" تقاطعت فيها كل مفردات وتعابير البشاعة والقوة والانتقام والعنف والتحدي والتسيب والخروج عن سلطة القانون، والمعطيات الأولية المستقاة من مكان الحادث (مدخل الطريق السيار/ دوار الشريف) تشير إلى مقتل رجل بشكل بشع من طرف مجرم ينحدر من دوار الشريف، ولم يكتف الفاعل بالقتل بل عمد إلى تقطيع رأس الهالك ونقله من مسرح الجريمة إلى الدوار الذي يقطن به وأخذ يتجول به بين الدكاكين متأبطا بأداة الجريمة (سكين كبير الحجم)، ولا يمكن المجازفة هنا والخوض في تفاصيل هذه الجريمة المروعة في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث والتحريات التي شرعت فيها الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لكن بشاعة الفعل الجرمي المقترف تسمح بإبداء الملاحظات والمعطيات التالية: - ما وقع هو "مؤشر" يعكس درجة الانحراف والتسيب الذي أضحى يهدد التماسك المجتمعي ويقوي يوما بعد يوم الإحساس لدى المواطنين بانعدام الأمن، انحراف وتسيب تعددت أشكاله ووسائله من خلال القتل بالشارع العام كما حدث لضحية سلا، واستعراض العضلات بالشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي من طرف مجرمين مدججين بالأسلحة البيضاء، ورفع الأسلحة البيضاء من سيوف ومديات في وجه رجال الأمن، والاعتداء اليومي على المارة وتعريضهم للسرقات بالعنف أو بالنشل أو بالتهديد، عنف امتد حتى إلى المدارس. وهنا لا بد من استحضار حالات العنف الكثيرة التي طالت عددا من الأساتذة، خاصة في السنتين الأخيرتين، كحالة "أستاذة الحي المحمدي" التي طالها العنف من طرف تلميذ/ جانح باستعمال شفرة حلاقة أصابتها على مستوى الخد، وحالة "أستاذ ورززات" الذي أخد نصيبه من اللكم والسب والشتم داخل قسمه، وحالة مقتل تلميذ بثانوية إعدادية بقلعة السراغنة (يونيو الماضي) يدرس بالسنة التاسعة إعدادي على يد زميل له باستعمال السلاح الأبيض بسبب الغش في الامتحان، وهي الحادثة التي أصيب من خلالها تلميذ آخر على مستوى الظهر، دون إغفال ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي عن حالات سرقة تعرض لها بعض ضحايا قطار "بوقنادل" من طرف منحرفين مات فيهم الضمير الإنساني، وغير ذلك من الجرائم التي لا يسع المجال لذكرها، والتي تستدعي المزيد من الصرامة لفرض سلطة القانون. - بالرجوع إلى الجريمة -موضوع المقال- فإن مقترفها لم يتوقف عند حدود القتل العمد، بل تجاوزه إلى حد التمثيل بالجثة وقطع الرأس ببشاعة ونقله والتجول به بالدوار الذي يقطن به في تصرفات جرمية لم تنتهك مقتضيات القانون الجنائي فحسب، بل وأجهزت على الأخلاق والقيم والأحاسيس الإنسانية، وزرعت الرعب والهلع وسط الساكنة المحلية، وعمقت الإحساس بانعدام الأمن، جريمة وصل مقترفها إلى ذروة الإجرام الذي لا يعترف قطعا بمفردات الخوف أو الهلع أو الرحمة أو الشفقة، ولا أبشع من "صورة مجرم قتل ومثل بالجثة وقطع الرأس ونقله وتجوله به بين دروب الحي"، وهذا معناه أن الفاعل ليس هاويا أو مبتدئا في الجريمة، بل هو مجرم محترف يمكن تصنيفه في خانة "مجرم خطير"، وهذا ما أشار إليه عدد من شهود العيان من ساكنة الدوار الذين أكدوا جميعا أن المعني بالأمر من ذوي السوابق العدلية، وأنه كان يشكل مصدر هلع وتهديد مستمر للساكنة، وقد أشار البعض إلى أنه سبق وأن عرض شخصين للضرب والجرح الخطيرين، أحدهما على مستوى الوجه والثاني على مستوى العنق. - جريمة بهذه القوة والعنف والبشاعة تعيد إلى الواجهة موضوع عقوبة الإعدام بالمغرب، خاصة بالنسبة لبعض الجرائم التي يكون لها وقع خطير وتأثير سلبي داخل المجتمع وتخلق نوعا من الخوف والرعب والهلع وسط الساكنة وتقوي الأحاسيس بانعدام الأمن والاستقرار، وتنعكس سلبا على المجهودات التي تبذلها مختلف المصالح الأمنية في سبيل التصدي للجريمة وتتبع وتوقيف الخارجين عن القانون، وتعطي الانطباع بضعف الدولة وعدم قدرتها على ضبط الوضع وعدم جدوى القانون والاعتقال ومؤسسات العقاب. فإذا كانت حقوق الإنسان لا بد لها أن تضمن من قبل الدولة وتصان وتحمى وتدعم بالمزيد من التشريعات الحقوقية، ففي الآن نفسه لا بد من التصدي لكل من يخترق الحقوق ويعتدي عليها، وفي طليعتها "الحق في الحياة"، ولا يمكن السماح باقتراف الجريمة أو التسيب أو الفوضى أو العربدة بالشوارع أو استعراض العضلات بالمواقع الاجتماعية أو الوقوف في وجه رجال الأمن، ولا يمكن القبول أو التطبيع مع كل فعل أو تصرف مناف للقانون والدين أو الأخلاق أو القيم باسم "حقوق الإنسان"، فمقترف جريمة "قطع الرأس" اغتصب "الحق في الحياة" الذي يعد من أرقى وأقدس الحقوق المصانة بموجب التشريعات السماوية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية، وانتهك "الحق في الأمن" ونشر بسلوكه الإجرامي اضطرابا في المجتمع (محليا، وطنيا) أساء للأمن ومس بهيبة الدولة وسلطة القانون... - الجريمة المقترفة ينحدر فاعلها من دوار هامشي يتموقع منذ سنوات عند مدخل المحمدية، وهذا يسمح أيضا بفتح ملف أحياء الصفيح والدواوير العشوائية بعدد من المدن المغربية، ومن ضمنها مدينة المحمدية، وبعضها يتواجد وسط المدينة (شحاوطة، لبرادعة، المسيرة...)، وهذه الأحياء والدواوير تشكل مجالات غير مندمجة منغلقة على الذات، تعاني ساكنتها من الهشاشة على مستوى السكن والماء والكهرباء والتطهير والبطالة واليأس وانسداد الأفق وانعدام الأمن والسلامة، وهو مناخ يوفر كل الشروط الشكلية والموضوعية لنمو كل أشكال الجريمة من عنف وسرقات وتفسخ أخلاقي وغيرها، بل أكثر من ذلك هناك من الأحياء في بعض المدن ما يصعب الجواز إليها "أمنيا" بسبب ضيق وتشعب بيوتاتها، مما يجعلها بعيدة عن أية مراقبة أمنية، وهذا يشجع على الجريمة والتسيب والخروج عن سلطة القانون. وأكبر ضحية هم ساكنة هذه الدواوير الصفيحية التي تعاني العنف من جانب بعض القاطنين من الشباب الجانح، وهذا ما يفسر تصريحات عدد من ساكني "دوار الشريف" الذين نددوا بما وقع وعبروا عما يعانون منه من رعب وهلع بسبب بعض الخارجين عن القانون من أبناء الدوار، وطالبوا بالحق في الأمن والسلامة، وهي دعوة لمختلف الفاعلين المحليين للنظر في ملف الأحياء القصديرية والتعجيل بإعادة إيوائها حفاظا على رونق المدن، وضمانا للحق في السكن اللائق والحياة الكريمة. خلاصة القول، وفي انتظار استكمال الأبحاث والتحريات بخصوص هذه الجريمة البشعة، فإن القضاء مطالب بتوقيع أقصى العقوبات في حق الجاني مع إحاطة الرأي العام المحلي والوطني بالمعطيات الأولية للقضية في إطار "الحق في المعلومة" حتى يتسنى وضع حد لمختلف الإشاعات والأخبار المتداولة الرائجة على مستوى العالم الافتراضي، سواء بخصوص الجاني أو بخصوص الضحية. والدولة ملزمة اليوم بإعادة النظر في مجموعة القانون الجنائي بشكل يستوعب "جرائم حمل السلاح الأبيض" (القتل، الضرب والجرح الخطيرين، التهديد، استعراض القوة على مستوى المواقع الاجتماعية، رفع السلاح في وجه عناصر الأمن أثناء ممارستهم لمهامهم الاعتيادية...) بما في ذلك تفعيل عقوبة الإعدام في بعض الأفعال الجرمية التي تمس "الحق في الحياة" وتهدد "الأمن الجماعي" وتعمق "الإحساس بانعدام شروط الأمن والاستقرار" وتنتهك "هيبة الدولة" و"سلطة القانون". وعلى مستوى الميدان، أضحى من الضروري إعادة النظر في مختلف التشريعات التي تؤطر استعمال الأسلحة الوظيفية من قبل القوات الأمنية (الشرطة، الدرك...)، بشكل يسمح باستعمال السلاح الوظيفي في أية حالة يستعمل فيها السلاح في وجه المارة أو في وجه عناصر الأمن، حتى يتسنى حفظ هيبة الدولة والحرص على سيادة دولة القانون والمؤسسات وتوفير "الحق في الأمن" لمختلف المواطنين والمواطنات. أما على المستوى المحلي، فقد أصبح من المستعجل اتخاد كل التدابير الرامية إلى القضاء النهائي على مدن الصفيح والأحياء الهامشية، باعتبارها مجالات ليس فقط تنتج الجريمة بل وتغذيها، ولا بد في هذا الصدد أن يحمل "مشروع النموذج التنموي المرتقب" رؤية واضحة لإعادة تأهيل المجالات الحضرية والقروية ومعالجة ما يعتريها من هشاشة وإقصاء. عموما، ما وقع هو سلوك فردي لا بد أن يتحمل "مقترفه" أقسى العقوبات ليكون عبرة لمن لا يعتبر، وهو في الآن نفسه حادث جرمي "بشع" يسائل الدولة (حكومة، قضاء، أمن، مؤسسات العقاب...) والبرلمان والمجتمع ومختلف المنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان... كما يسائل ماهية "حقوق الإنسان" ومدى وحدود هذه الحقوق، خاصة في الحالات الجرمية التي تستأصل "الحق في الحياة" عبر القتل البشع والتمثيل بالجثة وقطع الرأس. وهي مناسبة لتحية مختلف عناصر الأمن من شرطة ودرك الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل محاربة الجريمة، جريمة يفرزها المجتمع، لكنهم يتحملون وحدهم "وزرها" و"مسؤوليتها". *كاتب رأي أستاذ بالسلك التأهيلي بالمحمدية باحث في القانون وقضايا الأمن والتربية والتكوين. [email protected]