مَا إنْ هدأت عاصفة الانتقادات التي لاحَقَتْ وزيرَ الشّغل، محمد يتيم، بسبب خرجة إعلامية غير دقيقة بخصوص "حملة المقاطعة" التي دخلت أسبوعها الرابع، حتى استعرَ غضب المغاربة من جديد إثر تصريحات شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء، من داخل قبة البرلمان هذه المرة. وَوجدتْ الوزيرة نَفْسَهَا أمَام سيلٍ جارفٍ من التعليقات التي انتقدت ظُهُورها الإعلامي وهي تجيب ب"تعال واضح" على سؤال أحد البرلمانيين حول مُشكل انقطاعٍ الماء في زاكورة والاعتقالات التي شَهَدَتها المنطقة بسَببِه، إذ قالت: "قضية الاعتقالات ماشي شغلي أنا...سولو الوزير المعني"؛ وهي جملة كانت كافية لتُحرِّكَ غضَبَ المغاربة بتعليقات و"هاشتاغات" تدعو الوزيرة إلى سَحْبِ كلامها وضبط لسَانِها. وإن كان جواب أفيلال جرّ عليها تندراً وسط مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما اعتبره نشطاء تملًّصاً واضحاً من مسؤوليتها الحكومية، والتي تتقاضى عليها أجراً كبيراً، فإن هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، إذ سبقته خرجات وزراء آخرين تملَّصوا فيها من مسؤوليتهم تجاه المواطنين، الذين لم يعودوا يغفلُون صغيرة ولا كبيرة إلَّا وأحصوهَا، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. وزيرُ الشّغل والإدماج المهني، محمد يتيم، تحولَّ بدوره إلى مادَّة دسمة للتهكم على صفحات الإنترنت بعد الخرجة التي بَاتَتْ معروفة ب"أنا ماشي مواطن"، بخصوص جوابه على "حملة المقاطعة" الذي أورد فيه أنه "وزير غير معني بالحملة التي يخوضها المجتمع المغربي، وأن أسئلة الصحافيين جاءته باعتباره وزيراً يتحمل مسؤولية حكومية، ولم تكن لتُطْرَحَ لو كان مواطناً عادياً"، ما اعتبره رواد "فايسبوك" تعالياً غير مفهوم من مسؤول مفروض عليه الاتزان في كلامه. وقبل ذلك بأيام خرج الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في أول رد فعل حكومي رسمي على حملة المقاطعة، التي طالت منتجات ثلاث شركات في المغرب، بتصريحات هاجم فيها المقاطعين وتوعدهم بالمتابعة القانونية، بسبب ما اعتبره "ترويج أخبار غير صحيحة"، وهي خرجة لاحقتها الكثير من التعليقات المُسيئة لحكومة "العثماني"، إذ اتَّهمتها ب"الهُروب إلى الأمام وعدم التَّجاوب مع مطالب المواطنين". الضعف التواصلي في هذا الصدد يُسجّلُ المُحلل السياسي والأستاذ الجامعي عبد الرحيم العلام أنَّ "الوُزراء الحاليينَ في حَاجة إلى تَكوين فِي مجالِ التواصل، إذ إنَّ فارقَ السّن وعَدم الاحْتكاك بالمواطنين شَكَّلَ أزمة لحكُومة العثماني"، ويرى أنَّ "كل ما يعبّرون عنه هو في الحقيقةِ عادي ولا غُبار عليه، ولكن يجب أن يُقال بلغة سليمة"، وزاد: "إذا قيل بلغة غير سليمة ستُستغل، خاصة أننا في خضم تصاعد موجة الشعبوية العارمة". وتوقف أستاذ القانون الدستوري في قراءته لتداعيات خرجات وزراء العثماني التي تثير لغطاً كبيراً داخل وسائل التوصل الاجتماعي، قائلا إن "تصريح الوزيرة أفيلال كان عادياً، إذ أرادت أن تقول إنها ليست مسؤولة في ما يخص معتقلي "زاكورة"، بل التي تتحمّل المسؤولية هي وزارة الداخلية، وإن ما يهمُّها هو قطاعها الوزاري"، مضيفاً: "تعبيرها الدارج خانها. وهذا هو مشكل الوزراء". وعاد العلام إلى خرجتي يتيم والخلفي اللتين شكَّلتا مادة دسمة للسخرية على المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، وقال إنه "من الناحية القانونية والسياسية فإن كلام الوزيرين لا غُبار عليه، غير أن المشكل هنا ليس في مضمون التصريح، ولكن في طريقة إيصاله للجمهور". وأورد العلام أن "من الأفضل للوزراء والمسؤولين أن يتجنَّبوا استعمال "الدارجة" في تواصلهم مع المواطنين ووسائل الإعلام، لأن لذلك أثرا رجعيا سلبيا، خاصة إذا ما تم تأويل الكلام بطريقة خاطئة"، وقال: "الوزراء يجب أن يتجنبوا العبارات السوقية". الدارجة.. وتوقف الأستاذ الباحث في العلوم السياسية في تحليله عند محطات بعض رؤساء الحكومة السابقين أمثال اليوسفي وعباس الفاسي، "الذين لم يكونوا يتحدثون بالدارجة في خطاباتهم"، وزاد: "حتى الملك الحسن الثاني لما كان يستعمل الدارجة كان يرتكب أخطاء، إذ نعت سكان الشمال مثلاً ب"الأوباش"، في حين الملك محمد السادس لا يتكلَّم في خطاباته إلا بالفصحى". وقال العلام إن "حكومة العثماني من أول يوم كانت ضعيفة وولدت ميّتة"، مورداً: "لولا الدعم الذي تتلقاه من المؤسسة الملكية وكبح عدد من الاحتجاجات لسقطت في شهرها الأول"، قبل أن يختم قائلاً: "هي اليوم تفتقد إلى الدعم حتى من الحزب القائد للأغلبية ولا تتوفر على تصوُّر مُوحد، وبالتالي أي ريح قد تعصف بها إذا لم يُعضدها دعم من الأعلى". تشكل هجين وفي السياق ذاته سجّل الناشط الحقوقي عبد الإله الخضري أن "حكومة العثماني بكل وزرائها لا تملك قرارها كسلطة تنفيذية، على اعتبار أن هناك من يفوقها في السلطة والنفوذ والحسم، وبالتالي تنأى بنفسها عن الخوض في بعض القضايا الحساسة، كما هو الشأن في حملة المقاطعة الشعبية الأخيرة". وأضاف الخضري: "كما أنها في جوهرها غير منسجمة بما يكفي حتى يصدر وزراؤها مواقف متناغمة أو متوافقا بشأنها بشكل تلقائي"، وزاد: "نحن أمام تشكيل هجين، يعاني هشاشة تنعكس تجلياتها عبر النافذة الإعلامية، في ظل الأدوار الحيوية التي بات يلعبها الإعلام..كما لو أن الحكومة أمام لسعات نحل لا تنتهي".