ما زال المغاربة يَنْتظرون من حكومة العثماني مُبادرات ملموسة للحدِّ من تداعيات حملة المقاطعة التي دخلت أسبوعها الخامس، إذ تعالت الأصوات المُنتقدة لتعاطي الأغلبية الحكومية مع حملة "خليه يريب"، التي شملت ثلاث شركات في قطاعي التغذية والمحروقات؛ ففي الوقت الذي اختار فيه نقابيون الخروج إلى الشارع لإنصافهم إثر حملة المقاطعة، أطلق نشطاء عريضة توقيع للمطالبة بإسقاط "حكومة العثماني"، التي وصفوها ب"اللا شعبية". ويأتي إطلاق هذه العريضة من قبل النشطاء المغاربة بعد مسلسل شدِّ الحبل بين الحكومة والمقاطعين، بلغ ذروته بخروج وزراء العثماني بتصريحات "قوية" ضد من يقف وراء هذه الحملة. وقد اهتدى النشطاء إلى إطلاق هذه العريضة على موقع "أفاز" العالمي، المتخصص في العرائض، حملت عنوان "عريضة مليون توقيع لمطالبة الملك بإسقاط الحكومة المغربية اللا شعبية بشكل عاجل"، وفق تعبير نص العريضة. وقد استطاعت العريضة أن تجذب المئات من توقيعات المغاربة بعد ساعات قليلة على إطلاقها، حيث توجهت بخطابها إلى "الملك محمد السادس، بصفته ممثل الأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو الساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين"، من أجل مطالبته بإسقاط حكومة العثماني. وقال نص العريضة: "نطالب بإسقاط الحكومة التي جاءت لتفقير الشعب المغربي، وضرب القدرة الشرائية منذ تشكيلها، والتي أهان وزراءها الشعب المغربي في عدة خرجات إعلامية"، في إشارة إلى تصريحات وزراء العثماني ضد نشطاء المقاطعة. وفي السياق، قال الناشط الجمعوي عبد العالي الرامي إن "الطريقة التي تعاملت بها الحكومة المغربية مع حملات المقاطعة غير "سليمة" وتفتقد لرؤية واضحة". وزاد: "هذه الطريقة تعكس بالملموس أن الحكومة لم تستوعب بعد هدف المقاطعة وأن الشعب يُريد تخفيض الأسعار التي ترهق جيب المواطنين، لأنه لمَّا انخرط في هذه الحملة؛ فإنه أراد أن يُبلغ الحكومة بأن الوضع الاجتماعي متدني وأن القدرة الشرائية للمواطنين ماضيةٌ في الانهيار". وكانت الحكومة دعت، في وقت سابق، المغاربة إلى التخلي عن هذه الحملة، لما لها من تأثيرات على مستوى مناخ الاستثمار والاقتصاد الوطني، وبالرغم من مناشدة العثماني المغاربة إيقاف الحملة؛ والتي ألحقت أضراراً كبيرة بشركة إنتاج الحليب ومشتقاته، فإن عددا من النشطاء عبروا عن استعدادهم للتفاعل إيجابيا مع دعوة رئيس الحكومة شرط النظر في الأسعار المرتفعة. وفي هذا الصدد، يقول عبد الإله بنعبد السلام، منسق الائتلاف لهيئات حقوق الإنسان بالمغرب، إن "حملة المقاطعة جاءت نتيجة تدهور حقوق الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة بعد التراجعات الخطيرة التي مست مكتسبات المواطنين، خاصة في ظل الولاية الحكومية الحالية، التي لم تتجاوب مع مطالب النشطاء، وهو ما قد يؤدي إلى تهديد تماسكها الداخلي". وقال الفاعل لحقوقي إن "ردود فعل الحكومة، التي كانت متشنجة وغير مسؤولة، تعكس وجود أزمة داخل الأغلبية؛ وهو ما أعطى مشروعية لهذه الحملة التي أظهرت أن هذه الحكومة ضعيفة"، وفق تعبيره. من جهته، قال الرامي إن "الحكومة تدعو إلى الإسراع بإخراج مجلس المنافسة إلى الوجود وفي الوقت نفسه يخرج وزراؤها بتصريحات "مستفزة" للدفاع عن شركة معينة دون أخرى، بينما يجب التفكير في وضع عمال كل الشركات المشمولة بحملة المقاطعة وليس الاكتفاء فقط بالدفاع عن منتوج واحد"، وفق تعبيره. ولمس رئيس الرابطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ما اعتبره تناقضاً "صارخاً" في طريقة تعامل الحكومة مع حملة "المقاطعة" من خلال تصريحات مسؤوليها الذين يدعون إلى مراعاة مصلحة الوطن دون الاهتمام بالشركات الوطنية التي استهدفتها الحملة، وقال: "إن الحكومة تحاول إيجاد حل لشركة الحليب متجاهلة أوضاع باقي الشركات الأخرى"، وقال: "المغاربة كلهم سواسية ويجب الحفاظ على المستثمرين المغاربة وليس الدفاع فقط عن الشركات الأجنبية". ودعا الناشط والفاعل الحقوقي الحكومة إلى "إعادة النظر في استراتيجيتها التواصلية مع المغاربة، إذ بدل أن تحتكم للقوانين وأن تقوم بتفعيل دور مجلس المنافسة، اختارت حكومة العثماني الهروب إلى الأمام، من خلال الخروج بتصريحات غير مسؤولة كان لها وقع سلبي على مسار الحملة وزادت من غضب المغاربة"، مورداً "يجب على الحكومة أن تتحلَّى بالاتزان والمرونة وألا تستهين بفضاءات التواصل الاجتماعي التي باتت تؤثر في الرأي العام، وأن تكون صوت المواطن بدل أن تكون صوت المستثمر فقط".