يبدو أن الشواذ المغاربة تسري عليهم مقولة رب ضارة نافعة ، فإذا كانت المحكمة قالت كلمتها في حق زملائهم بمدينة تطوان وأدانتهم بأحكام تتراوح ما بين أربعة وعشرة شهور مع أداء غرامة مالية، فإنهم علي ما يبدو لم يكونوا يتوقعون أن يجدوا مدافعين عنهم من بين بعض الصحافيين والحقوقيين المغاربة الذين يتبنون فكرة الحرية الفردية وحقوق الإنسان في جسده، حتي ولو تعارض ذلك مع قيم المجتمع التي ينتصر لها من ينعتون ب الأصوليين . هدأت العاصفة بعض الشيء بإصدار محكمة مدينة القصر الكبير حكما اعتبره الكثيرون متوازنا حاول أن يرضي أطراف القضية، فمن جهة تمت طمأنة الرأي العام المحلي بالحكم علي المتهمين بالسجن وأكدت في حقهم جنحة الشذوذ الجنسي، ومن جهة ثانية أرضت المحكمة الواقفين في صف أبطال الفضيحة بتبرئتهم من تهمة الإخلال بالحياء العام . لكن المدافعين عن هؤلاء يرون أن القضاء انساق وراء الرأي العام وخضع لضغوطه، مما يجعلهم يراهنون علي براءة المتهمين عند طرح القضية علي محكمة الاستئناف، وعملوا أيضا علي إطلاق حملة للدفاع عن الحقوق الفردية. تزامن ذلك مع قيام جمعية عالمية للشواذ بالإعراب عن مساندتها للمدانين ومؤازرة أسرهم، في محاولة منها ل تدويل القضية عن طريق الإنترنت. قبل نحو شهر، طفا اسم القصر الكبير علي واجهة الأحداث المحلية؛ مدينة صغيرة ومنسية اشتهرت بطابعها المغرق في المحافظة علي غرار جل مدن شمال المغرب، كانت مسرحا لعرس علني في قاعة للأفراح بين شخصين شاذين وبحضور مدعوين من الجنسين ومن أعمار مختلفة. سري الخبر كالنار في الهشيم بين ألسن الشارع المحلي، وتداوله موقع يوتوب الإلكتروني علي شكل لقطات فيديو، ونقلته صحيفة المساء أكثر الصحف انتشارا بالمغرب. والنتيجة: مسيرة غضب شعبية هائجة نحو بيت بطل القصة الرئيسي، مباشرة بعد خروج المصلين من أحد المساجد، حيث أدان خطيب الجمعة ذلك السلوك الذي يذكر بقصة قوم لوط . وسارع صاحب العرس الذي تعرض بيته للهجوم إلي الاحتماء بالشرطة خوفا من تنكيل الجماهير الغاضبة. وحين وصلت القضية إلي قبة البرلمان المغربي، حاول وزير الداخلية شكيب بنموسي تكييف العرس المزعوم علي أساس أنه مجرد شعوذة في حفلة كناوة ، (موسيقي وغناء شعبي ذو جذور إفريقية تمارس فيه طقوس غريبة). لكن المعارضة ردت بالقول إنها تتوفر علي أشرطة فيديو تؤكد حقيقة العرس. وبعض الصحف سخرت من جواب الوزير بالقول إن رجاله هم من يوفرون الحماية لاحتفالات الشعوذة التي تصاحب عادة مواسم الأضرحة والأولياء في بعض الأقاليم. كما حاولت بعض الأقلام الصحافية الإيقاع بين اثنين من كبار رجال الدولة، قائلة إن وزير الداخلية حين وصف طقوس كناوة بالشعوذة، فالظاهر أنه كان يسخر حتي من المهرجان الموسيقي الذي يفخر أندري أزولاي مستشار العاهل المغربي بالإشراف علي تنظيمه في مسقط رأسه مدينة الصويرة . ومن جهتهم، وقع محامو مدينة القصر الكبير في إحراج كبير جراء رفضهم جميعا الدفاع عن الشواذ المتهمين. في البداية، فُسّر الموقف بأن أولئك المحامين وجدوا أنفسهم تحت تأثير هيجان الشارع وخافوا من ردود فعله. وبعد ذلك، أُرْجِع السبب إلي أنهم لا يمكنهم الترافع عن موكّلين موجودين علي طرفي نقيض: الشواذ من جهة.. والأشخاص المعتقلون بتهمة التظاهر غير المرخص المؤدي إلي العنف من جهة أخري. أما الصراع الأبرز فجسدته بعض المنابر الإعلامية التي وصفت ما وقع بمدينة القصر الكبير بالفتنة، ونحت باللائمة علي الأصوليين ممثلين في حزب العدالة والتنمية المعارض و جماعة العدل والإحسان المحظورة، كما اتهمت صحيفة المساء ، (رقم واحد في المبيعات بالمغرب) بتهييج الناس والدفع بهم نحو التظاهر. غير أن مدير الجريدة الكاتب والشاعر رشيد نيني خصص سلسلة مقالات من عموده اليومي الساخر شوف تشوف للرد علي من أسماهم الأوصياء الجدد و السفهاء و الأقليات الإعلامية . الطريف في الأمر أن المواجهة شملت حتي فناني الكاريكاتير: رسام جريدة بيان اليوم (لسان حزب التقدم والاشتراكية) تضامن مع المتهمين باستحضار شخصية بوشعيب البيضاوي وهو فنان شعبي قديم اشتهر بتقليد النساء في غنائه وتمثيلياته، أما رسام كاريكاتير صحيفة الإسلاميين التجديد فتخيّل بطل فضيحة عرس الشواذ واقفا أمام قاض يقول له: سأدخلك إلي السجن، لكنني أخشي أن تنشر الفاحشة بين السجناء يا مسخوط الوالدين! عن القدس العربي