بعد أقل من شهر من اعتماد مجلس الأمن للقرار 2414 الذي دعا البوليساريو إلى الانسحاب من منطقة الكركرات وعدم القيام بأي خطوات قد تزعزع استقرار المنطقة، عادت البوليساريو إلى غيها وقررت تحدي مقتضيات ذلك القرار من خلال إعلانها تنظيم احتفالات بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لتأسيسها في منطقة تيفاريتي ونقل برلمانها إلى المنطقة نفسها. وكما كان منتظراً، سارعت الدبلوماسية المغربية إلى إدانة هذه الخطوة وطالبت الأممالمتحدة بتحمل مسؤوليتها وحمل البوليساريو على الامتثال لمقتضيات القرار 2414 ولاتفاقية وقف إطلال النار والاتفاقية العسكرية رقم 1؛ غير أنه على الرغم من تحرك الدبلوماسية المغربية والبيان الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أمس السبل، والذي دعا فيه البوليساريو إلى عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها تغيير الوضع القائم في المنطقة، فإن هذه الأخيرة نظمت بالفعل استعراضاً عسكريا احتفاءً بالذكرى الخامسة والأربعين لتأسيسها. وتعتبر هذه الخطوة تطوراً خطيراً غير مسبوق يقتضي تدخلاً حازماً للأمم المتحدة، خاصةً أن القرار 2414 كان واضحاً، حيث دعا البوليساريو بشكل واضح إلى عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها تغيير الوقع القائم في المنطقة أو زعزعة استقرارها. تحذيرات المغرب وخلال شهر أبريل الماضي، كان المغرب قد حذر الأممالمتحدة من توغل جبهة البوليساريو في المنطقة بأكملها إلى الشرق من الجدار الرملي، بما في ذلك المنطقة العازلة. ويعتبر المغرب أي وجود كيفما كان نوعه لميليشيات البوليساريو في المنطقة انتهاكا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 بين الطرفين، فضلا عن الاتفاق العسكري رقم 1 لسنة 1997-1998، وبالتالي يستدعي تدخلا من لدن الأممالمتحدة لمنع أي تغيير للوضع الراهن في المنطقة. وبعد استفزازات الشهر الماضي وما وقع اليوم، ينبغي للمغرب التهديد بشكل لا يدع مجالاً للشك بأنه سيعلن بطلان سريان اتفاقية وقف إطلاق النار في حال لم تتدخل الأممالمتحدة ولم تضطلع بدورها بشكل كامل لحفظ السلام في المنطقة. غياب التوافق بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة منذ أن صعد المغرب من خطابه للتصدي لاستفزازات البوليساريو في المنطقة، لم يتضح ما إذا كان الموقف المغربي يستند إلى حجج قوية أو لتفسير الصحيح لشروط اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991. وقد ازداد هذا الغموض عندما أعلن ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بداية شهر أبريل الماضي، أن بعثة المينورسو لم تلاحظ أي نشاط غير قانوني لجبهة البوليساريو في المنطقة العازلة. واعتبر الكثيرون هذا البيان توبيخا لمزاعم المغرب فيما يتعلق بانتهاكات البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار ومحاولاتها فرض أمر الواقع في المنطقة. وبعد هذا البيان، قام المغرب بتزويد الأممالمتحدة بصور الأقمار الصناعية التي توثق وجود البوليساريو في العديد من المناطق التي يغطيها وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من تقديمه لأدلة مقنعة تثبت انتهاكات البوليساريو لالتزاماته، فإن الأمانة العامة للأمم المتحدة تبدو غير مستعدة لقطع الشك باليقين وإعلان عدم قانونية الأعمال التي تقوم بها البوليساريو في كل أرجاء المنطقة الموجودة شرق الجدار الرملي، بما في ذلك منطقتا تيفاريتي وبير لحلو. وإن تقاعس الأمانة الأممالمتحدة يدل على عدم التوافق بين هذه الأخيرة وبين المغرب فيما يتعلق بتفسير وقف إطلاق النار وتطبيقه. وقد ظهر ذلك جليا حينما قال الناطق الرسمي باسم الأممالمتحدة للصحافة في 19 أبريل الماضي إن تيفاريتي وبير لحلو، اللذين تصفهما البوليساريو ب"المناطق المحررة"، لا تعتبران جزءًا من المنطقة العازلة. إن تصريحات المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة تطرح العديد من التساؤلات عما إذا كانت هذه الأخيرة حريصة على مراقبة امتثال الطرفين لمقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار أو أنها تتساهل مع جبهة البوليساريو. فإذا كان هذا هو الحال، فما الذي يتوجب على المغرب فعله للضغط على الأممالمتحدة لحملها على لعب دورها بالكامل؟ إن التكهنات والغموض الذي أعقب إطلاق المغرب لحملته الدبلوماسية نجمت عن عدم جدية الأممالمتحدة في تسمية الأشياء بأسمائها واستنكار انتهاكات البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار. وقد اعتمد المغرب على قراءة دقيقة لشروط اتفاق وقف إطلاق النار عندما دعا الأممالمتحدة في شهر أبريل الماضي إلى تحمل مسؤوليتها وإحباط محاولات البوليساريو لتغيير الوضع الراهن في المنطقة. إن المغرب لا يسعى فقط إلى منع البوليساريو من القيام بعمليات توغل متكررة في الكركرات، في المنطقة العازلة؛ ولكنه يحرص أيضاً على منع الحركة الانفصالية من أن يكون لها أي موطئ قدم في المنطقة بأكملها شرق وجنوب جدار الدفاع المغربي. وفي ظل هذه الخلفية، يبدو من الواضح أن تصريحات ديوجاريك بشأن المنطقة العازلة كانت مضللة وأظهرت فشل الأممالمتحدة في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. إضافة إلى ذلك، فإن فشل الأممالمتحدة يغذي ببساطة خطاب البوليساريو بأن المنطقة الواقعة خارج المنطقة العازلة ليست مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، ويمكن وصفها بأنها "مناطق محررة" تستطيع أن تنشئ فيها جزءاً من إدارتها أو تنظيم استعراضات عسكرية فيها. اتفاق وقف إطلاق النار يؤكد صحة موقف المغرب إن مقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار واضحة تماماً، ولا تترك مجالاً لتفسيرات مختلفة؛ فعندما وافق المغرب على الالتزام بشروط وقف إطلاق النار عام 1991، فإنه فعل ذلك بدافع حسن النية لتسهيل مهمة الأممالمتحدة ومساعدة الأمين العام في مساعيه الحميدة على تنفيذ خطة التسوية. إن انسحاب المغرب من المناطق الواقعة شرق الجدار الرملي لا يمكن ولا ينبغي تفسيره بأنه تنازل عن حقوقه في كل أرجاء تلك المنطقة. ويظهر ذلك بجلاء في الفقرتين ال54 وال56 من خطة التسوية. فوفقا للفقرة ال54، "وافق المغرب على تخفيض مناسب وتدريجي ومدروس لقواته في الإقليم خلال الفترة الانتقالية إلى مستوى مقبول للأمين العام". ووفقاً للفقرة ال56، فإن "القوات المغربية، المتبقية في الإقليم، ستتألف فقط من القوات المنتشرة في مواقع ثابتة أو مواقع دفاعية على طول الجدار الرملي الذي شيده المغرب بالقرب من الحدود الشرقية والجنوبية للإقليم". ووفقاً للفقرة ال57، "ستقتصر قوات جبهة البوليساريو على المواقع التي يتم تعيينها قبل يوم تنظيم الاستفتاء من قبل الممثل الخاص، وستراقب الوحدة العسكرية التابعة للمينورسو أنشطتها عن كثب". وكما تُظهر هذه الفقرة بجلاء؛ فلا وجود لما يسمى ب"المناطق المحررة "في المنطقة بأكملها شرق الجدار الرملي. وبالتالي، فإن خطوة من البوليساريو في تلك المنطقة يجب تفسيرها على أنها انتهاك صارخ لوقف إطلاق النار، ويتطلب اتخاذ إجراء من الأممالمتحدة. ولعل ما يؤكد أكثر صحة الموقف المغربي هو هيكلة الوحدة العسكرية للبعثة الأممية ونطاق وﻻيتها. فوفقاً لشروط اتفاق وقف إطلاق النار، يوجد ضباط الأممالمتحدة المكلفون بالإشراف على وقف إطلاق النار في تسعة مواقع: تقع أربعة منها غرب الجدار الرملي (سمارة، محبس، أم دريجة، أوسرد) داخل المنطقة الواقعة تحت السيادة المغربية، بينما تقع خمسة مواقع أخرى شرق الجدار الرملي (بئر لحلو، وتيفاريتي، ومهاير، وميجيك، وأغوانيت)، والتي تدعي البوليساريو أنها "مناطقها المحررة". بالإضافة إلى ذلك، تغطي مسؤولية مواقع الفُرق التسع مساحة تمتد من 12000 إلى 47 كيلومترًا مربعًا خارج الجدار الرملي. وإن وجود خمس فرق في هذه المناطق لا يدع مجالًا للشك بأن هذه الأخيرة مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار ولا يمكن اعتبارها بأي شكل كان "مناطق محررة". وتبقى ادعاءات البوليساريو المتعلقة بهذه المناطق باطلة بموجب شروط الاتفاقية العسكرية الموقعة بين بعثة المينورسو وجبهة البوليساريو في ديسمبر 1997 وبين المينورسو والمغرب في يناير 1998، وهي ما يطلق عليها الاتفاقية العسكرية رقم 1. وتُقسّم الاتفاقية المنطقة التي يشرف عليها المكون العسكري للمينورسو إلى خمس مناطق: منطقة عازلة على مسافة 5 كيلومترات مربعة شرق وجنوب جدار الرملي، منطقتان مقيَّدتان (30 كم شرق وغرب الجدار الرملي المغربي على التوالي)، ومنطقتان ذات قيود محدودة، "وهما الامتدادان المتبقيان للأرض في الصحراء على كلا الجانبين على التوالي". وتدعي البوليساريو ومؤيدوها أنه نظراً لأن منطقتي تيفاريتي وبئر لحلو تقعان على بعد 90 كلم من الجدار الدفاعي المغربي، فإنهما لا تقعان ضمن المنطقة العازلة والمنطقتين المقيدتان، وبالتالي، فهما "مناطق محررة" بحيث يمكن للبوليساريو إقامة أي بناءات عسكرية فيها ونقل ميليشياتها إليها؛ غير أن الاتفاقية العسكرية (1) تحظر بشكل واضح "تعزيز حقول الألغام الموجودة، وزرع الألغام، وتركيز القوات، وإنشاء مقرات جديدة، ومرافق تخزين الذخائر والثكنات". الأممالمتحدة تفشل في دعم وقف إطلاق النار في الصحراء لا تحاول جبهة البوليساريو فقط إعادة كتابة التاريخ والاتفاقيات، بل تقوم أيضًا بمضايقة ضباط الأممالمتحدة العاملين في مواقع الفُرق الموجودة في تيفاريتي وبير لحلو. ولعل آخر ما قامت بهذا الخصوص وقع في 16 مارس بالقرب من موقع فريق تيفارتي عندما قام أفراد مسلحون من البوليساريو بإيقاف ضباط البعثة العسكريين، وهددوهم من خلال إطلاق النار في الهواء. وما يبعث على القلق هو أنه بدلا من أن يدين المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة على الفور مضايقة البوليساريو للوحدات العسكرية التابعة للبعثة وإبلاغها للصحافة، انتظر شهرا كاملا للكشف عن ذلك الحادث. ويتناقض هذا التأخير مع استعجاله للإعلان في وقت سابق من الشهر الماضي بأن بعثة المينورسو في لم تكن على علم بأي نشاط غير قانوني للبوليساريو في المنطقة العازلة. وبناءً على هذا التحليل، يبدو من الواضح تمامًا أن الإجراءات الذي اتخذتها البوليساريو في تيفاريتي وبئر لحلو، بما في ذلك تنظيم حفل عسكري أو نقل ما يسمى برلمانها إلى المنطقة ومضايقة ضباط الأممالمتحدة العسكريين، يشكل انتهاكًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991 والاتفاق العسكري رقم 1. ولذلك، يتعين على الأممالمتحدة أن تتحمل بمسؤوليتها، وأن تستنكر محاولات البوليساريو وأعمالها التي تتعارض مع نصوص الاتفاقات التي تحكمها. إن تقاعس الأممالمتحدة عن دعم هذه الاتفاقيات من شأنه أن يبرر قيام الحكومة المغربية بإعلانها بطلان تلك الاتفاقيات. ولتجنب ذلك، ينبغي على الأمين العام للأمم المتحدة أن يؤكد بشكل لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن البوليساريو ملزمة بشروط هذه الاتفاقيات ولا يمكنها القيام بأي أعمال لتغيير الوضع الراهن في المنطقة. كما يجب أن يتصدى الأمين العام لأي غموض في تفسير وقف إطلاق النار، ويعلن صراحة أن المناطق الواقعة شرق الجدار الرملي بما في ذلك تيفاريتي وبير لحلو ليستا "مناطق محررة"؛ بل مناطق تخضع لسلطة الضباط العسكريين لبعثة المينورسو. كما ينبغي لمجلس الأمن التحرك بشكل فوري لإدانة الخطوة التي قامت بها البوليساريو اليوم والتي عبرت عن عدم اكتراثها واحترامها لقرارات مجلس الأمن. كما ينبغي للمغرب التهديد بوقف تعاونه مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى إشعار آخر ما دامت هذه الأخيرة لم تقم بما يلزم من أجل منع قيام البوليساريو بتغيير الوضع القائم في المنطقة. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News