أحزاب الكتلة فضلت عدم الرد المباشر على مجموعة الثمانية التي شكلت «التحالف من أجل الديمقراطية»، وتقديرها أن زواج المتعة هذا بين أحزاب لا رابط بينها ليس حدثا يستحق الرد، وأن أقصى ما سيصدر عن هذا التحالف أنه سيزيد من ضبابية المشهد، وربما يوسع قاعدة الذين سيقاطعون صناديق الاقتراع في نونبر القادم... موقف الكتلة هذا لا يختلف في شيء عن موقف النعامة التي تجابه الخطر بدفن رأسها في الرمل. وهذا العجز من قبل الفاسي والراضي وبنعبد الله عن الرد على «ضربة مزوار» يكشف مأزق الأحزاب الثلاثة التي شاركت في ثلاث حكومات متعاقبة، واستنزفت طاقاتها، ولم يعد اليوم بيدها أي سلاح لمواجهة خصومها، خصوصا وأنها استبعدت كليا ورقة «الاقتراب من العدالة والتنمية» لإحداث التوازن السياسي المطلوب. هناك عدة قراءات أعطيت للتحالف الثماني الذي تشكل قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات، ومن هذه القراءات من رأى في «G8» هذا استمرارا لمشروع البام الذي كان يهيئ للوصول إلى الحكومة سنة 2012 فتعثر في مصيدة 20 فبراير، واضطر إلى التراجع إلى الوراء وإعطاء «المشعل» لمزوار والعنصر والأبيض لمواصلة الخطة تحت أنظاره. وهناك من رأى أن «البام» تحالف مع الأحزاب السبعة، وبعضها صدفات فارغة، من أجل أن يصرف فائض الأعيان الذي يعج به حزب الجرار، وحتى لا يظهر أن الحزب استولى على أكبر عدد من المقاعد في مناخ الربيع العربي المعادي الآن ل«أحزاب السلطة»، وهناك من ذهب أبعد ورأى في تحالف الأحزاب الثمانية، وجلها أحزاب رضعت من ضرع السلطة، نوعا من استرجاع السلط التي تنازل عنها «المخزن» في الوثيقة الدستورية، وها هو الآن يستردها عن طريق خلق تحالف حزبي سيكون طيعا أليفا في الحكومة المقبلة، تماما كما كان عباس الفاسي، وهو وزير أول ثم رئيس حكومة، وأن خوف الدولة من ميلاد تحالف جديد من صناديق الاقتراع هو الذي دفع إلى خلق تكتل حزبي «يميني» تحت رعاية «البام» غير المباشرة. كل هذه القراءات واردة، لكن الأخطر في ما جرى هو أن «المؤسسة» الحزبية ستخرج خاسرة من هذا الرهان، وسيتقوى نفوذ السُّلطة التي لها تأويل غير ديمقراطي للدستور، والأعيان الذين يدافعون عن مصالحهم وامتيازاتهم غير المشروعة من وراء مقاعد البرلمان والحكومة، أما الديمقراطية التي أنشئ من أجلها التحالف المذكور، فلا أحد يفكر في مسح دموعها وهي ترى النخب الحزبية تدفن حاضرها، وربما مستقبلها، كما دفنت النخب السابقة ماضيها...