يشكل الأخ والمقاوم العقيد محمد بلمختار الأنصاري واحدا من عينة استثنائية من رجالات المقاومة وجيش التحرير؛ هذه العينة التي حباها الله بخصال نادرة قلّ مثيلها في الصدق والوفاء والصلابة النضالية. وقد وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الأحد 13 ماي الجاري، ودفن ظهر اليوم نفسه بمقبرة بلدة مسقط رأسه مريسة دار بوعزة بالدار البيضاء، بحضور جمع غفير من الوطنيين وقدماء المقاومة وجيش التحرير. الفقيد من مواليد عام 1932، تميز مساره منذ البداية من خلال الارتباط بخلايا حزب الاستقلال، ثم بخلايا المنظمة السرية التي نفذ في صفوفها عددا كبيرا من العمليات الفدائية ما بين 19 شتنبر 1953 و30 يونيو 1954، ضد رموز الوجود الفرنسي الغاشم وعملائه من المخبرين والأعيان والعملاء، كان من أقواها مشاركته في اغتيال الطاغية إيميل إيرو، مدير جريدة "لافيجي ماروكين" الاستعمارية، يوم 30 يونيو 1954، بمساعدة رفيقه إدريس الحريزي – مجدول – وإبراهيم فردوس وغيرهما، مما حدا بمنظمته السرية إلى تسفيره مع رفاقه إلى المنطقة الخليفية في الشمال بعد أن أصبح معروفا (محروقا) من الناحية الأمنية. ومن هناك سيتابع مشوار التكوين العسكري في – جنان الرهوني – مع أكثر من مائة من رفاقه الفدائيين من مختلف مناطق المغرب. وسيظهر بقوة في هجمات جيش التحرير في منطقة غفساي مع نهاية دجنبر 1955، وسيتولى مهاما عسكرية متنوعة في صفوف هذا الجيش إلى غاية إدماجه في القوات المسلحة الملكية لبعض الوقت. ثم عاد إلى جيش التحرير ليترأس المقاطعة 13 في آيت باعمران، ويخوض عدة معارك مشهودة ضد المستعمرين هناك، قبل العودة إلى الاندماج مجددا في الجيش المغربي اعتبارا من مطلع عام 1960، حيث بقي يعمل بجد وتفان إلى غاية إحالته على التقاعد برتبة عقيد. وبعد تعيينه بالمجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير اعتبارا من عام 1973 إلى غاية وفاته، تميز نشاطه بالإشراف ضمن لجان ذلك المجلس بقدر عال من الغيرة والوفاء والدقة في الدفاع عن قضايا رفاقه المجاهدين وأعضاء عائلاتهم في مختلف المناسبات. وقد تعذر عليه بسبب وطأة المرض إكمال الجزء الثاني من مذكراته، الذي خصصه لنضاله في الجنوب بعد عام 1956، ثم لمشواره العسكري اللاحق. رحم الله الأخ العقيد بلمختار وغفر له وأسكنه فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.