مفارقات المَغْرِبِيّ "أكره ما يكره المغربي هو العزل عن المجموعة. فالعزلة في نظره كابوس، إذ إنه وهو على فراش الموت لا يحس بأن ذويه قد هجروه. من ثم تأتي تلك النظرة القلقة ذات المسحة الكئيبة. إنه التوازن بين عشق الحياة وتقديس الموتى! ". "اكتشف المغربي السرعة والارتجاج بحيرة بالغة، هكذا نراه يجري لكي يصل متأخرا. والخطأ في ذلك يعود للآخر، دائما للآخر! فالمغربي دائما يتنصل من الخطإ بتفويض سحري". ع. الخطيبي الكائن المفارق: لا أعرف أي إنسان يكون، هذا الذي يُمْكِنُهُ أَنْ يَستحضر ويَستدعي كل مفارقات العالم في كلامٍ عابر، بجرّة لسان، دون أن يشعر بأدنى مشكل. أي كائن هذا؟ إنه كائن مفارق. ماذا تعني المفارقة هنا؟ ليست المفارقة فصاما سيكولوجيا أو تناقضا اجتماعيا، ليست خيرا ولا شرا، إنما هي حركة فعلية وخاصية الكائن المغربي. إذا أردنا تحديدها في كلمة ستكون: الاختلاف. أي كائن هذا ؟ إنه الكائن المغربيّ. *** إن الإنسان الذي يقول بالشّرف هو من وضع لهذا الشرف ثمنه: "الصّْدَاقْ". فأين هو هذا الشرف، ما دام له ثمنه الخاص؟ *** يحدث في رمضان نوع من "الأَسْلَمَة" و"الرَّمْضَنَة"، أسلمة ورمضنة الحياة (اليومية) الاجتماعية في كليتها وتفاصيلها. *** هو وحده: الإنسان المغربي كائن مُشخِّص بالاجتماع ومُمَثِّل بالثقافة . *** لكل إنسان عقلانيته، لكن للكائن المسمى مغربي عقلانيته الخاصة. تلك العقلانية التي تحركها سيرورة حركية اقتصادية بين طوطم المنظومة ورغبات الفرد، ذات محمولات منطقية اجتماعية وثقافية . *** يبدو أن الإنسان المسمى مغربي مصارع بالطبيعة ومفاوض بالثقافة. *** لكل إنسان ثقافته واجتماعه الخاص. لكن للإنسان المغربي خصوصية أخرى: خصوصية تستوعب كل الخصوصيات ولا تستوعب خصوصيتها حتى. *** يَرى ولا يرغب في أن يُرى، يعرِّي ولا يرغب في أن يعرَّى، يُعَنِّف ولا يرغب في أن يُعَنَّف. باختصار يفعل ولا يرغب في أن يُفْعَل فيه ما يَفعل (مع الغير) مع حرصه الشديد على أن يفعل ما ينتظره هو من الغير تجاهه. من هو هذا الكائن؟ إنه الإنسان المغربي. *** يعمل المغربي جاهدا على صناعة صورته وتجميلها لدى الغير، عوض تجسيد تلك الصورة في فعله. *** لكل مجال وزمان اجتماعي وثقافي مسرحته... لكن للعيد: عيد الاجتماعوية sociabilité، مسرحته الخاصة. *** لا يكون الكائن المسمى مغربي هو هو... إلا في حضور الغير كهو آخر له... *** يلجأ الكائن المسمى مغربي إلى العقلانية... لترسيخ اللّاعقلانية. *** يغدو أن الكائن المسمى مغربي يجيد المسرحة أفضل من المسرحي... إنه فنان بالمجتمع والثقافة... يكاد أن يكون (الكائن المسمى مغربي) كل أحد وكل شخص إلا أن يكون هو ذاته. *** إن الكائن المسمى مغربي... لا يوجد في المجتمع بقدر ما يوجد فيه المجتمع... *** لا يمكن للمرء، أمام المغاربة، إلا أن ينبهر بأقوالهم... ويتعجب لأفعالهم. *** إذا مرض الطبيب في مجتمع مريض... صار المجتمع طبيبا (للمريض) للطبيب... *** طالما يجتهد المغربي على ألا يعمل فيما يعمل، ويعمل على العمل فيما لا يعمل. *** لا يرغب المغربي في أن يُخترق مجاله الخاص. في حين، يعمل جاهدا على اختراق المجالات الخاصة للأغيار، وكأنها ملك له. إنه كائن سارق لخصوصية الغير وحارس محترف لخصوصيته. هنا تكمن المفارقة: مفارقة علاقته بالغير. *** إن الكائن المسمى مغربي يهاب الرقص؛ لأن الرقص عنده: تعرٍّ، والتعرِّي محرم. مع ذلك فهو يرقص، لكن دون أن يتعرَّى؛ دون أن يرقص. إنه يرقص لكي لا يرقص. *** يجتهد الإنسان المغربي أيما اجتهاد لمطالبة الغير بأن يفعل ما لم (يستطع أن) يفعله هو: يطالب (بل يأمر أحيانا) الغير بأن يكون هو(المطالب) المرجأ . *** الإنسان الذي يشيد بأنها ستمطر، يوم الأحد، نقلا عن نشرة الطقس... هو-ذاته يعلنها صلاة استسقاء قبلي، يوم الجمعة (قبل أن تمطر)، بما آلت إليه نشرة الطقس تلك توقعا (قبليا)...أي إنسان هذا؟ *** إن "الشّْرِيفْ" لا يُعلنها صلاة إلا بضمان نجاحها؛ فنجاحها يدلل على صدق أو بالأحرى طهرانية نسبه وقدسيته. لهذا، لا يمكن للمرء أن يجازف بقدسيته بلا توقع مسبق. تماما، أليس في ذلك توظيف للعقلي والعلمي لترسيخ ما هو لاهوتي أو لاهوتية السلطان المركزي المعلمنة، إِنْ صحّ القول؟ *** يبدو أن الإنسان المسمى مغربي كائن فضفاض، يستمد كينونته من الفضفضة. لذلك، تجده أشد مهابة من الصمت؛ لأن الكلام عنده وجود أما الصمت فهو عدم. كل هذا لا يتحدد إلا في علاقته بالغير. تلك العلاقة التي يغدو فيها الصمت فراغ، غياب، انفصال، تمزق، تعدد، جرح وهجرة. أما الكلام فهو بالنسبة إليه امتلاء، حضور، اتصال، حنين، لمّة، وحدة، اندمال وعمارة. إن الكائن المسمى مغربي يهاب الصمت في نفس اللحظة التي يعشق فيها الكلام. *** كائن المعنى: أكره ما يكره المغربي هي المواجهة والمباشرة. إنه يرتعد من كل قول صريح خالٍ من الرمز. إن ثقافة المغربي تقوم على الرمز والمعنى، إذ لا يمسك أعصابه أمام كل قول أو فعل صريح ومباشر؛ لأن المباشرة عنده قول (وفعل) فارغ من المعنى، أما اللّا مباشرة فهي امتلاء رمزي، تجد السبب في الثقافة الشعبية والدين. فأي علاقة مع الوجود، بالنسبة إلى كائننا، هي علاقة منتجة للمعنى. إن الإنسان المغربي كائن الرمز والمعنى والوسائط والمحمولات. *** لعل التحولات التي مسّت كينونة مغربينا، جعلته يعيش بين زمنين، بل حياتين: حياة تاريخية-وجدانية ترمي بظلالها كأفق مستقبلي-أسطوري مفقود، وحياة أخرى؛ حياة الآخر، حياة الحاضر، يتنفس معاصرتها، مع ما يبديه من استياء ورفض معياري لغربيتها (من الغرب-الآخر). متناسيا أن الآخر أو بالأحرى المختلف يسكننا، بل يسكننا على نحو غريب. *** طالما يوسم ويسم الإنسان المسمى مغربي، نفسه، بأنه محافظ. هل هو فعلا محافظ، محافظ على ماذا ؟ إنه محافظ على قوله: أنا محافظ. *** الإنسان الذي يصف المال ب«وْسَخْ الدّْنْيَةْ» هو من تراه يتلهَّف ويتهافت زاحفا لالتهامه: سياسة التسول. *** المرأة التي تطالب بالمساواة، هي ذاتها التي ترتاد الحافلة منتظرة بلهفة شديدة من الرجل أن يترك كُرْسِيّه (بالاستعمال) لها. *** لعل العقل الذي يقول بتعدد الزوجات (تعددية جنسانية) هو نفسه الذي يقول بالأصل والوحدة (اللغوية، الدينية، الأبوية، القومية) المطلقة، للإنسان العربي: مفارقة العقل الدعوي . *** ماذا يكون، ذلك الكائن السياسي الذي يمارس اللاديمقراطية بآليات "ديمقراطية"؟ إنه كائن سياسي مغربي . *** إن الزواج في الكثير من الأحيان بمجتمعنا لا يتجاوز كونه امتهان جنسي مقنّع. *** ينبهر من أقوالهم...ويتعجب لأفعالهم... *** تراهم موتى ويحتجون لحقهم في الموت . أي احتجاج هذا؟ هذه صلاة استسقاء، لعلها تمطر مقابر! *** إن الإنسان المغربي "حيوان ممثّل؛ بيرسونا persona بالمعنى اليوناني-الإتيميولوجي للكلمة. إنه لاعب اجتماعي. *** الكائن الهْمْزَاوِيّ: يتعالق كائننا و"الهْمْزَةْ " إلى درجة يمكن القول فيها بأنه كائن هْمزاوِيّ. إن الهْمزة هي عنوانه وشعاره. إنها حرف من حروف ثقافته الأبجدية. ليست مجرد حرف بل هي أول الحروف وآخرها. إنها حرف الحياة، ألفبائها وأبجديتها. إذا كان للّغة، أي لغة، كما هو الحال بالنسبة إلى العربية المكتوبة، حروفها، نحوها وتراكيبها، فإن للكيان الإنساني نحوه، تراكيبه وحروفه الاجتماعية والثقافية. فإذا كان للغة العربية هَمزتها فإن المغربي له هْمزته. *** سيرورة الكائن: المغربيّ الذي كان يتظاهر بالمسجد لطلب "اللَّطِيفْ" ليس هو الذي تظاهر في الشارع العام ضدّ المستعمر، وليس هو من اكتسح الشوارع ضد الدولة، وليس هو الذي قاطع منتوجات غذائية من الفايسبوك؛ فالأول كان يستنجد بالله من قساوة الطبيعة، أما الثاني فكان يستنجد استقلاله من تغلّب المحتل وبطشه، أما الثالث فإنه استنجد بذاته ضدّا في السلطوية دفاعا عن وجوده، ومن أجل الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية، أما الرابع فأعلنها احتجاجا فيسبوكيا ضد جشع الرأسمالية المتوحشة كما قيل. بين هذا وذاك، تتجسد سيرورة الإنسان المغربي وفعله في التاريخ: قدرته على إنتاج ذاته. لكن يبقى السؤال: هل استجابة السلطة السياسية، مركزية كانت أو هامشية، لحركة التاريخ، لسيرورة الكائن، أم ما زالت تنظر لنفسها كمحرك لأنطولوجيا ذلك التاريخ؛ لأنطولوجيا الكائن؟ بهذه الحركة يصبح كائننا إنسانا مغربياّ مسمي وليس فقط مسمى: يفصّل هويته على مقاسّه ويخيطها بفعل حركته وديناميته.