يعتبر مجلس المنافسة مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، يضم في تركيبته جهازا إداريا متنوعا، ويتوفر على موارد مالية عامة وخاصة، وقد أسندت إليه عدة اختصاصات تقريرية في مجال المنافسة، كانت إلا حدود سنة 1914 بيد الحكومة، إلا أن عدم تعيين أعضائه إلا حدود الساعة ترك فراغا في السوق ضحيته المنافسة الشريفة والمستهلك. أولا: التنظيم الإداري حسب القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة يتألف هذا الأخير من رئيس وأربعة نواب للرئيس وثمانية أعضاء مستشارين، ويضم إضافة إلى الرئيس الأعضاء من ذوي الاختصاص التالي بيانهم: -عضوان من القضاة نائبان لرئيس. -أربعة أعضاء يختارون بالنظر إلى كفاءتهم في الميدان الاقتصادي أو المنافسة، أحدهم نائب للرئيس. -ثلاثة أعضاء يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا نشاطهم في فطاعات الإنتاج أو توزيع أو الخدمات. -عضو واحد يختار بالنظر إلى كفاءته في ميدان حماية المستهلك. يلاحظ على هذه التركيبة أن المشرع حاول تجاوز الانتقادات التي كانت توجه لهذا المجلس باعتباره مجرد هيئة استشارية لا يتمتع بالشخصية القانونية وعدم توفره على الاستقلال المطلوب في تركيبته، كون أغلب أعضائه ينتمون إلى الإدارة؛ فقد عمل المشرع من خلال هذا القانون على تركيبة جديدة تتماشى مع دوره الجديد كهيئة تقريرية وشبه قضائية، والهدف الأساسي من تعديل هذه التركيبة هو إبراز استقلالية هذا المجلس وتمكين أعضائه من أداء مهامهم بحياد مطلق. وعمل المشرع من خلال هذه التركيبة على اختيار الأعضاء الذين تتوفر فيهم الخبرة والاحترافية اللازمة لمعالجة إشكاليات تقنية دقيقة تتطلب دراية تامة بخبايا الشأن الاقتصادي، كما ينبغي أن تتوفر فيهم شروط المصداقية والنزاهة وألا يكون لهم أي ارتباط أو تأثير كيفما كان نوعه من عالم المال والأعمال. هذا بالإضافة إلى ضرورة تحلي الأعضاء المكونين لهذا المجلس بروح الثقة والقدرة على الدفاع عن أفكارهم وقراراتهم. وارتأى المشرع خلق جهاز يتماشى مع الأدوار المهمة الموكولة لهذا المجلس وبدون حاجة إلى انتظار قانون تنظيمي، فقد حافظ على بعض الأعضاء مع ضخ نفس جديد في تركيبة المجلس. كما أنه من خلال هذه التركيبة يتبين أن المشرع يكرس مبدأ الشفافية والمصداقية ومبدأ الخبرة والاحترافية وحضور المستهلك كقضية. ويتجلى مبدأ الشفافية والمصداقية من خلال مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة التاسعة التي تنص على أنه يعين قاضيان نائبان للرئيس، ويخضع هذان الأخيران حسب مقتضيات المادة من نفس القانون لقواعد التنافي المنصوص عليها في الفصل 15 من الظهير رقم 1.74.476 الصادر سنة 1974 بشأن تحديد النظام الأساسي للقضاة. أما في ما يخص الخبرة والاحترافية فتتمثل في عدد الخبراء الذين تشملهم التركيبة الإدارية الجديدة للمجلس، فبعدما كان يضم فقط ثلاثة أعضاء يختارون رعيا لأهليتهم في المجال القانوني والاقتصادي والمنافسة والاستهلاك وستة أعضاء يمثلون الإدارة، فالقانون الجديد عوضهم بمتخصصين أكثر احترافية، إذ يتألف في تركيبته الجديدة من أربعة أعضاء متخصصين في الاقتصاد أو المنافسة، وعضوين في مجال القانون، وعضو متخصص في مجال الاستهلاك ينسبه المجلس إلى بعض الانزلاقات أو التجاوزات الممكن حدوثها، والتي من شأنها التأثير على المستهلك. أما بالنسبة لطريقة التعيين فالرئيس يعين بظهير شريف لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ويعين الأعضاء الآخرون بمرسوم لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة باقتراح: - من المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالنسبة إلى العضوين القاضيين: - من السلطة الحكومية المختصة بالنسبة إلى الأعضاء الآخرين. أما بالنسبة للقانون السابق رقم 06.96 فكانت المادة 19 تنص على أن الرئيس يعين من قبل الوزير الأول، فيما يعين باقي أعضاء مجلس المنافسة لمدة خمس سنوات بمرسوم يتخذ باقتراح من الإدارة والهيئات المعنية التي ينتمي إليها الأعضاء، وذلك طبقا للشروط المحددة بنص تنظيمي... وضمانا لخاصية الاستقلالية والنزاهة في كافة الأعضاء أوجبت المادة 11 على الرئيس ونائبيه من غير القضاة أن يتوقفوا أثناء مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، كما يجب عليهم توقيف مشاركتهم في أجهزة الإدارة والتسيير بالمنشآت الخاصة أو العمومية الهادفة إلى تحقيق الربح. ومن الضمانات كذلك إخبار الرئيس من طرف كل عضو بالمصالح التي يتوفر عليها أو يملكها مؤخرا والمهام التي يزاولها في نشاط اقتصادي. كما لا يجوز لأي عضو في المجلس التداول في قضية تكون له فيه مصلحة، وإذا كان يمثل طرفا معينا بها أو سبق له أن مثله؛ هذا إضافة إلى وجوب التصريح بممتلكاتهم طبقا للفصل 158 من الدستور. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع في القانون الجديد وسع من حالات التنافي والاحتراز مقارنة بالنص السابق. أما على مستوى سير عمل المجلس فهو يجتمع في جلسة عامة أو لجنة دائمة أو في فروع. وتتألف اللجنة الدائمة من الرئيس ونوابه الأربعة. ولا يجتمع ولا يتداول بشكل صحيح في جلسة عامة إلا بحضور ثمانية أعضاء على الأقل من بينهم عضو من القضاة. وتسيير المصالح الإدارية للمجلس تحت سلطة الرئيس من طرف أمين عام، يكلف بتسجيل الإحالات والعرائض الواردة على المجلس في مجال المنافسة وبتبليغ القرارات التي يصدرها المجلس والآراء التي يبديها، وهو مسؤول عن المصالح الإدارية والمالية، وكذا عن مسك ملفات وأرشيف المجلس وحفظها. كما يمكن للأمين العام أن يتلقى تفويضا من الرئيس لتوقيع جميع التصرفات والقرارات ذات الصبغة الإدارية ويقوم بتحضير مشروع الميزانية الذي يعرض على موافقة المجلس. ويتحدد سير نظام المجلس بنظام داخلي، والذي لازال لم يصدر بعد. ثانيا: اختصاصات مجلس المنافسة نظرا للاختصاصات الهامة التي أضيفت إلى مجلس المنافسة في القانون الجديد مقارنة بالقانون رقم 06.96 فقد أصبح يلعب دورا طلائعيا في تطبيق قانون المنافسة ومنع كل الممارسات التي من شأنها المس بحركية السوق، بالإضافة إلى مهمة توقيع الجزاء على من يرتكب ممارسات من شأنها أن تمس بقواعد المنافسة. كما عهد إلى المجلس بمهمة استشارية، إذ يمكن له أن يبدي برأيه أمام العديد من الجهات في كل ما يخص مجال المنافسة. في ما يخص الاختصاصات التقريرية في ظل القانون الجديد فقد تم إسناد مهمة تنظيم المنافسة وضبطها لمجلس المنافسة باعتباره هيئة مستقلة، إذ أصبحت له سلطات تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي طبقا للمادة الثانية من القانون 20.13. وتعتبر ممارسات منافية لقواعد المنافسة كل الأعمال أو الاتفاقات الهادفة إلى عرقلة قواعد المنافسة واحتكار السوق وإلحاق الضرر بمقاولات أخرى من خلال إبرام تحالفات صريحة أو ضمنية كيفما كان شكلها، كالتحالف ضد بعض المقاولات أو فرض أسعار معينة على بعض السلع أو العمل على تقسيم الأسواق أو مصادر التمويل وكذا الصفقات العمومية. كما تعتبر ممارسات منافية لقواعد المنافسة قيام مقاولة أو عدة مقاولات باستغلال تعسفي لوضع مهيمن في السوق كقيام المقاولات على إقصاء المنافسين ومنعهم من ولوج السوق، سواء بشكل كلي أو جزئي ووضع عراقيل تتمثل في خفض سعر سلعة منتوج موجه للمستهلك، يكون هدفه إقصاء مقاولة من داخل السوق أو إقصاء أحد منتجاتها. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات الواردة في القانون. ومن الأعمال المنافية للمنافسة كذلك التركيزات الاقتصادية؛ وعليه فقد نصت المادة 12 من القانون الجديد رقم 104.12 على ضرورة التزام المقاولة بتبليغ مجلس المنافسة عن كل مشروع يتعلق بالتركيز الاقتصادي، وتبقى لهذا الأخير صلاحية النظر في هذه الطلبات داخل أجل شهرين، وفي حالة مرور الأجل دون جواب يعتبر قبولا ضمنيا. وهذا عكس ما عليه الأمر في القانون السابق لحرية الأسعار والمنافسة الذي كان يعطي لرئيس الحكومة هذه الصلاحية وفقا لسلطته التقديرية؛ فالقانون الجديد نص في المادة 14 صراحة على ضرورة الأخذ بموافقة مجلس المنافسة، هذا الأخير يقوم بدراسة معمقة قصد التأكد من أن هذه العملية لن تمس بالمنافسة الحرة بين المقاولات أو تخلق وضعا مهينا. وعليه يتضح من خلال هذه المواد أن مجلس المنافسة في ظل القانون الجديد أصبحت له الكلمة الفصل عكس ما كان عليه الحال في ظل القانون رقم 06.99. حيث كان فقط هيئة استشارية لا يتدخل إلا حينما يطلب منه ذلك، كما أن رأيه غير ملزم لأي جهة. وبخصوص الدور الاستشاري للمجلس فهو يضطلع به سواء في القانون الحالي أو في القانون السابق. ويتمثل ذلك في تقديم آراء حول كل مسألة تتعلق بالمنافسة، وهذا ما جاءت به الفقرة الثانية من قانون مجلس المنافسة، إذ أوردت: "يكلف كذلك المجلس بإبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة، كما هو منصوص عليه في هذا القانون..."؛ وهذا راجع لكونه يعتبر بمثابة خبير مختص في مجال المنافسة. كما تعد هذه الاستشارة وسيلة في متناول جميع المهتمين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة، ابتداء من السلطات والمواطن العادي وجمعيات المستهلك؛ وبالإضافة إلى ذلك تتم استشارته من طرف عدة جهات يمكن التمييز فيها بين الاستشارات الوجوبية الإلزامية والاستشارات الاختيارية. فبخصوص الاستشارات الإلزامية تتم من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف مباشرة إلى: - فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى السوق. - إقامة احتكارات أو حقوق استئثارية أو خاصة أخرى في التراب المغربي أو في جزء منه. - فرض ممارسات موحدة في ما يتعلق بأسعار أو شروط البيع. - منح إعانات من الدولة أو الجماعات الترابية وفق التشريع المتعلق بها. هذا وتجدر الإشارة إلى أن الاستشارة في هذه القضايا وجوبية بغض النظر عن الأخذ برأي المجلس أو عدم الأخذ به. ويلاحظ أن الحالات التي توجب فيها الاستشارة كلها عندها علاقة وطيدة بالمستهلك، وخصوصا الحالات الثلاث الأولى المتعلقة بالاحتكار والأسعار وفرض شروط معينة في البيع. وفي هذا الصدد نذكر إحدى الاستشارات الصادرة من مجلس المنافسة، وجاء فيها ما يلي: "بخصوص هذه الاستشارات فقد سبق لوزارة الشؤون العامة والحكامة أن طلبت رأي مجلس المنافسة حول الزيادات التي عرفها سعر الحليب في 15 غشت 2013، وبعد تحليل السوق المرجعية وأثر ذلك على المستهلك". أما الاستشارات الاختيارية فتتم من طرف اللجن الدائمة للبرلمان في مقترحات القوانين وفي كل مسألة متعلقة بالمنافسة. كما يدلي المجلس برأيه في كل مسألة تتعلق بالمنافسة بطلب من مجالس الجماعات الترابية أو غرف التجارة والصناعة والخدمات أو غرف الفلاحة أو غرف الصناعة التقليدية أو غرف الصيد البحري أو المنظمات النقابية أو المهنية أو هيئات التقنين القطاعية أو جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة في حدود المصالح التي تتكفل بها. ويتعين على المجلس إبداء رأيه في تقديم استشارته حسب الحالة خلال أجل 30 يوما، ويمكن عند الاقتضاء أن يطلب من الجهة المعنية تمديد الأجل لفترة إضافية لا تتعدى 30 يوما. كما يمكن أن يستشار المجلس من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمثارة في القضايا الموضوعة عليها. وفي هذا الصدد نذكر ملخص رأي لمجلس المنافسة متعلق بمنافسة الأسواق التجارية الكبرى لتجار الجملة والتقسيط، جاء فيه ما يلي: ومثل هذه الاستشارات يمكن أن تخدم مصالح المستهلك بصفة خاصة والاقتصاد عامة، إضافة إلى ذلك فالنص القانوني الجديد عمل على توسيع نطاق الأشخاص الذين تحق لهم الإحالة، إذ أصبحت للمقاولات والشركات إمكانية اللجوء إلى المجلس وفقا لمقتضيات المادة الثالثة من قانون مجلس المنافسة، وذلك بشكل مباشر في حالة وجود الممارسات المنصوص عليها في المواد 6 و7 و8 من قانون حرية الأسعار والمنافسة. كما يمكن للمجلس بمبادرة منه وبشكل تلقائي بالإدلاء برأيه حول كل مسألة تتعلق بالمنافسة، وهذا ما كان يقوم به حتى قبل إصدار القانون الجديد. وقد بين في إحدى دراساته على قطاع الزيوت غياب المنافسة وأثرها السلبي على المستهلك. وبعد صدور القانون الجديد أصبح تدخل النيابة العامة محدودا باستثناء المادة 25 التي تخول لمجلس المنافسة إحالة الملف على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة إذا كانت الأفعال كفيلة بتبرير تطبيق المادة 75؛ ومن ثمة يتبين أن مجلس المنافسة أضحى يتمتع بسلطات كبيرة وبإمكانه أن يصدر عقوبات في حق المخالفين دون الرجوع إلى السلطة الحكومية أو القضائية. ويتبين أن السلطة التي خولها المشرع لمجلس المنافسة تسمح له بالتوفيق بين اعتبارات السياسة الجنائية والسياسة الاقتصادية تبعا للقيم المراد حمايتها. ويشترط المشرع في القيام بأي إحالة أو متابعة أمام مجلس المنافسة ضرورة سلوك مسطرة معينة ينبغي من خلالها توفر عدة شرط سواء في المحيل أو في الأفعال المحالة، وبعد تحقيقه في الشكاوى المرفوعة إليه واتخاذه القرار المناسب يخضع هذا الأخير للطعن أمام الجهات المختصة التي يمكن لها إلغاء القرار أو رفض الطلب ورغم هذه الاختصاصات الواسعة التي يتمتع بها المجلس إلا أنه وإلا حدود اليوم مازال شبه مشلول نظرا لكون أعضائه لم يتم تعينهم، ما ترك فراغا على مستوى حماية المنافسة من جهة والمستهلك من جهة ثانية، في ظل تخلي الحكومة عن هذا الاختصاص لصالح مجلس المنافسة. ويبقى السؤال مطروحا عن المسؤول عن هذا الفراغ الذي يبقى ضحيته الأول المستهلك والمنافسة.