نقرأ في الجريدة الرسمية عدد 6212 الصادر في 12 دجنبر 2013 مرسوما لرئيس الحكومة يقضي بالموافقة على الاتفاق رقم MA8295 بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي، بتاريخ 2 دجنبر 2013 بين المملكة المغربية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير بخصوص القرض الأول لسياسة التنمية من أجل الشفافية والمساءلة والحكامة، واسند تنفيذ هذا المرسوم لوزير الاقتصاد المالية. ومن المفاهيم الهامة الموجودة والمتداولة في هذا المرسوم، مفهومي الشفافية والحكامة ومؤسساتها، التي عمل دستور 2011 على إقرارها هيئات دستورية. ومن خلال هذا المرسوم، فإن الحكومة تقترض من أجل الحكامة مبالغ لا تفهم إلا بالعدد، لكن الوقوف عند علاقة الحكومة بمجلس المنافسة باعتباره من مجلس من مجالس الحكامة بالمغرب يفهم أن غرض الحكومة ليس هو الحكامة في حد ذاتها بل التحكم في هذه الهيئة. قرأنا أيضا وسمعنا بقضية حدثت أخيرا في قبة البرلمان تفيد أن محمد الوفا الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة قدم تصريحا فيه انتقاد لاذع لرئيس مجلس المنافسة عبد العالي بنعمور، مؤكدا أن مجلس هذا الأخير هو مؤسسة استشارية فقط، وبالتالي لا يمكن أن تمنح لمؤسسة استشارية صلاحيات أكثر من تلك التي خولها لها الدستور. ودافع الوفا على ضرورة وجود ممثل الحكومة داخل المجلس، موضحا أن وجود هذا الأخير لن يمس باستقلالية عمل المجلس خصوصا وأن مجلس المنافسة لا حق له في التصويت أو التقرير، ويعمل على تقديم الاستشارة متى طلب منه ذلك. المطالبة برفع اليد وقال الوفا حسب مصادر إعلامية إن الهدف من تواجد ممثل للحكومة داخل المجلس هو العمل على تبرير موقفها، وأوضح أيضا أن المجلس من حقه البت في منافسات الأسعار لكن دون البت في دخول شركات جديدة للسوق وهذه الصلاحية مخولة فقط لوكالات التقنين، وأعطى الوفا مثلا لتوضيح ما قاله بإمكانية السماح لشركة إسرائيلية بالدخول للاستثمار في قطاع معين، مؤكدا أنه لا يسمح لمثل هذه الشركات الدخول للمغرب لأن الدولة بالإضافة إلى المنافسة والمشروعية والشفافية لها مجموعة من الاعتبارات الأخرى التي لن تفصل فيها إلا وكالات التقنين. وأكدت المصادر ذاتها أن عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة، قد انتقد اقتصار مؤسسته على تقديم الاستشارات، ولهذا طالب بنعمور الحكومة برفع يدها على مجلسه مبررا ذلك بأنه سيؤثر على استقلالية هذه الهيئة. الإختلاف حول قضية استقلالية المجلس بين رئيسه والحكومة لم يحسم بعد، في حين هناك من يطالب بإعادة النظر في هذه الهيئة وفي اختصاصاتها خاصة في أدوارها المتعلقة بحماية المستهلك. وفي هذا الإطار أكد محمد بلماحي بصفته رئيسا لجمعية تدافع عن مصالح المستهلكين أن مجلس المنافسة بالنظر إلى القانون الذي يؤطره هو هيئة تنظر في العلاقات التي تربط في ما بين المقاولات فقط في غياب تام للمستهلك، موضحا ان هناك هيمنة مطلقة للعديد من الشركات في مجالات مختلفة، وهدا في رأي بلماحي له أثر سلبي على حياة الناس ونفسيتهم بسبب احتكار هذه الشركات لعدد من الخدمات او المنتوجات. في مشروع القانون الخاص بمجلس المنافسة، يعتبر أن هذا الأخير هيئة مستقلة مكلفة، في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، ويتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي. التمتع بسلطة تقريرية يتمتع المجلس بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في المواد 6 و 7 و 8 و 11 من القانون رقم 12.104 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. ويكلف كذلك المجلس بإبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة، ويمكن للمنشآت إحالة كل الممارسات المنصوص عليها في المواد 6 و 7 و 8 من القانون المشار إليه أعلاه رقم 12.104 على المجلس، كما يمكن أن تتم الإحالة من لدن الهيئات المشار إليها في الفقرة الأخيرة من المادة 5 من هذا المشروع، فيما يتعلق بكل قضية تهم المصالح الموكولة إليها. ويجوز للإدارة أن تحيل على المجلس كل ممارسة منصوص عليها في المواد 6 و 7 و 8 من القانون المشار إليه رقم 12.104 أو كل فعل يمكن أن يدخل في حكم تلك الممارسات، وكذا كل إخلال بالتعهدات المتخذة تطبيقا للمادة 18 من القانون السالف الذكر رقم 12.104. ويمكن للمجلس باقتراح من المقرر العام، أن ينظر بمبادرة منه في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة، ويمكنه باقتراح من المقرر العام أن ينظر بمبادرة منه في أي إخلالات بالتعهدات المتخذة، كما يمكن للمجلس اتخاذ المبادرة للإدلاء برأي حول كل مسألة متعلقة بالمناقشة وينشر الرأي المذكور ليطلع عليه العموم، ويمكن للمجلس كذلك توجيه توصيات إلى الإدارة لتفعيل التدابير اللازمة لتحسين السير التنافسي للأسواق، ويمكن استشارة المجلس من طرف اللجن الدائمة للبرلمان في مقترحات القوانين وكذا في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، ويدلي المجلس برأيه بطلب من الحكومة في كل مسألة متعلقة بالمنافسة. كما يجوز له كذلك أن يدلي برأيه في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة بطلب من مجالس الجماعات الترابية أو غرف التجارة والصناعة والخدمات أو غرف الفلاحة أو غرف الصناعة التقليدية أو غرف الصيد البحري أو المنظمات النقابية والمهنية أو هيئات التقنين القطاعية أو جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة، في حدود المصالح التي تتكفل بها. ويمكن أن يستشار المجلس من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمثارة في القضايا المعروضة عليها. ولا يجوز للمجلس أن يدلي برأيه إلا بعد القيام بإجراءات حضورية. غير أنه يجوز للمجلس إصدار رأيه، دون اللجوء الى المسطرة المنصوص عليها في القانون المذكور، إذا توفر على معلومات تتعلق بممارسة بعينها سبق الحصول عليها خلال مسطرة سابقة. ويتوقف سريان التقادم، إذا اقتضى الحال، باستشارة المجلس. ويمكن نشر رأي المجلس بعد صدور قرار بعدم المتابعة أو صدور الحكم. جلسات سرية يستشار المجلس وجوبا من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف مباشرة إلى فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى سوق؛ وإقامة احتكارات أو حقوق استثارية أو خاصة أخرى في التراب المغربي أو في جزء مهم منه؛ وفرض ممارسات موحدة فيما يتعلق بأسعار أو شروط البيع؛ ومنح إعانات من الدولة أو الجماعات الترابية وفقا للتشريع المتعلق بها. في نفس الإطار يؤكد مشروع القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة أن جلسات مجلس المنافسة غير علنية، ويحق فقط للأطراف المعنية ومندوب الحكومة حضورها. ويمكن للأطراف المعنية أن يستعينوا أو يمثلوا بمستشارين قانونيين من اختيارهم، ويجوز للأطراف المعنية أن تطلب إلى مجلس المنافسة الاستماع إليها، ويجوز لمجلس المنافسة أن يستمع إلى كل شخص يرى في الاستماع إليه ما يثري معلوماته، ويجوز أيضا للمقرر العام أو المقرر العام المساعد ومندوب الحكومة أن يقدموا ملاحظات شفوية. كما يجوز للمقرر المكلف بالملف وحده، بطلب من المجلس، حضور المداولات دون صوت تقريري، ويجب على مجلس المنافسة الإخبار بجلساته عن طريق التعليق بمقره وعلى موقع الإلكتروني، وتوجه التبليغات والاستدعاءات بواسطة مفوض قضائي أو برسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم. ويضيف المشروع ذاته أنه يمكن للمحاكم أن توافي مجلس المنافسة، بطلب منه، بنسخ من المحاضر أو تقارير البحث أو كل وثيقة أخرى مرتبطة بالتحقيق الجنائي لها علاقة مباشرة بالأفعال المحال أمرها إلى مجلس المنافسة. العقوبة المالية ونقرأ في نفس القانون أنه يجوز لمجلس المنافسة، بطلب من المنشآت أو الإدارة أو الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأخيرة من المادة 4 من القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، وبعد الاستماع إلى الأطراف المعنية ومندوب الحكومة، أن يصدر أمرا باتخاذ التدابير التحفظية المطلوبة منه أو التي يعتبرها ضرورية. وأيضا يمكن أن يقدم طلب اتخاذ التدابير التحفظية في كل وقت خلال سير الإجراءات ويجب أن يكون معللا. ولا يمكن أن تتخذ التدابير المذكورة إلا إذا كانت الممارسة المؤاخذ عليها تلحق مساسا خطيرا وفوريا باقتصاد البلاد أو باقتصاد القطاع المعني بالأمر أو بمصلحة المستهلكين أو المنشأة المشتكية. ويمكن أن تشمل التدابير المذكورة وقف الممارسة المعنية وكذا إصدار الأمر للأطراف بالرجوع إلى الوضعية السابقة. ويجب أن تظل محصورة فيما يعتبر ضروريا لمواجهة حالة الاستعجال. وتبلغ التدابير المذكورة برسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو بواسطة مفوض قضائي إلى صاحب الطلب وإلى الأشخاص الموجه ضدهم الطلب. أيضا يجوز لمجلس المنافسة أن يأمر المعنيين بالأمر بجعل حد للممارسات المنافية لقواعد المنافسة داخل أجل معين أو أن يفرض عليهم شروطا خاصة. كما يجوز له أيضا الموافقة على التعهدات المقترحة من طرف المنشآت أو الهيئات والتي من شأنها وضع حد للأفعال التي تثير اهتمامه في مجال المنافسة والتي قد تشكل ممارسات محظورة. وإذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها، جاز للمقرر العام أن يقترح على مجلس المنافسة، الذي يستمع إلى الأطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق، الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة 39 من هذا القانون مع الأخذ بعين الاعتبار غياب أي اعتراض. وفي هذه الحالة، يقلص المبلغ الأقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف. 3 هيئات للحكامة في الدستور ضمنها مجلس المنافسة في الباب الثاني عشر من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 ، المعنون بالحكامة الجيدة، نجد أن ثلاث مجالس هي التي يطلق عليها هيئات الحكامة الجيدة والتقنين، وفي هذا الإطار يقول الفصل 165: «تتولى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة»، ويقول الفصل 166:»مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار»، أما الفصل 167 ، فيقول: «تتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المحدثة بموجب الفصل 36، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة». في تونس مجلس المنافسة يتفاهم مع الهيئة الوطنية للإتصالات أكدت مذكرة تفاهم بين مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للاتصالات التونسيتين ممثلين في شخصي رئيسيهما، أنه إقرارا منهما بحتمية تطوير المنافسة في قطاع الاتصالات وضرورة التصدي لكل الممارسات التي من شأنها عرقلة التنافس النزيه بين مشغلي الشبكات العمومية للاتصالات ومزودي خدمات الاتصالات، واعتبارا لأهمية الدور المنوط بعهدة الهيئة الوطنية للاتصالات في تنظيم قطاع الاتصالات ووضع التدابير الكفيلة بإرساء قواعد المنافسة المشروعة والعادلة بين الأطراف المتدخلة في سوق الاتصالات وفي تهيئة بيئة تنافسية سليمة تمكن من توفير خدمات اتصالات بجودة عالية وبأسعار معقولة. وأضافت المذكرة ذاتها أنه إقرارا بالاختصاص الأفقي لمجلس المنافسة التونسي في مجال المنافسة في كل القطاعات الاقتصادية، وتدعيما لعلاقات التعاون والتنسيق بين الهيئة الوطنية للاتصالات ومجلس المنافسة، وتفاديا لتنازع الاختصاص وتجنبا لكل ما يمكن أن ينجر عن ذلك من تضارب في القرارات الصادرة عن كلا الهيكلين، اتفق الطرفان على اعتبار القرارات التعديلية التي تتخذها الهيئة الوطنية للاتصالات في مجال تنظيم قطاع الاتصالات وخاصة تلك المتعلقة بالعروض التجارية تطبيقا لأحكام المتعلقة بالشروط العامة لإقامة واستغلال الشبكات العمومية للاتصالات وشبكات النفاذ قرارات إدارية لا يجوز الطعن فيها إلا بتجاوز السلطة أمام المحكمة الإدارية. وتبعا لذلك فإن مجلس المنافسة يكون، طبقا لما استقرّ عليه فقه قضائه، غير مختص بالنظر في القضايا ذات الصلة بتلك القرارات عدا تلك المتعلقة بعدم احترام أحد المشغلين لبنودها أو مخالفته والتي ينتج عنها ممارسات مخلة بالمنافسة. وفي هذا الإطار تلتزم الهيئة الوطنية للاتصالات بالتخلي عن كل القضايا التي ترفع أمامها والمتعلقة بالممارسات المنافية في قطاع الاتصالات، وذلك على معنى الفصل 5 من قانون المنافسة والأسعار. و يلتزم مجلس المنافسة بأخذ رأي الهيئة الوطنية للاتصالات في كل القضايا ذات الصلة بقطاع الاتصالات والتي يتعهد بها في إطار اختصاصه القضائي، عملا بأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 11جديد من قانون المنافسة والأسعار. و تلتزم الهيئة الوطنية للاتصالات باستشارة مجلس المنافسة في كل المسائل الهامة والتي ترى أن لها تأثير على المنافسة في قطاع الاتصالات، ويتم إحداث لجنة مشتركة تتكون من إطارات مختصة من الهيئة الوطنية للاتصالات ومجلس المنافسة لاتخاذ الوسائل الكفيلة بتدعيم علاقات التعاون بين الهيكلين. «العلم» تسأل مسؤولين وأخصائيين حول ما إذا كان مجلس المنافسة تقريريا أم مجرد استشاري عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة لجريدة «العلم»: - وزير في حكومة بنكيران وجه لكم انتقادات لاذعة بخصوص مهام مجلس المنافسة الذي ترؤسونه، كيف تلقيتم هذه الانتقادات؟ - أولا، فيما يخص مجلس المنافسة، فهو ليس بمجلس استشاري، بل له طابع تقريري، لأن الدستور في الفصل 166 يؤكد أن مجلس المنافسة يضمن السير الأخلاقي للسوق، كما يعمل المجلس على مناوأة ومحاربة التصرفات المنافية للمنافسة. والدستور أسند للمجلس مسؤولية محاربة الممارسات التجارية غير المشروعة. - ما الفرق بين التصرفات المنافية للمنافسة، والممارسات التجارية غير المشروعة؟ - حينما نقول التصرفات المنافية للمنافسة، فإن الأمر يتعلق بحالات، إن صح التعبير «ماكرواقتصادية» تتعلق بالسوق ككل، كالاتفاقيات المقاولاتية، مثل الاتفاق الذي قد يحصل بين مقاولتين أو مجموعة مقاولات حول مراجعة الأثمنة، أو التحقق من الجودة أو توزيع السوق، وكل هذه الأمور تكون على حساب المستهلك من جهة وعلى حساب تنافسية الاقتصاد الوطني من جهة أخرى. وقد تتعلق الممارسات المنافية للمنافسة بمواقف تعسفية، انطلاقا من المواقع المهنية، وعلى سبيل المثال، مقاولة يكون لها موقع مهم في السوق، كأن تكون لها حصة تقدر ما بين 60 حتى ٪70 من السوق، الشيء الدي يدل على أن لها دينامية متميزة، و بالرغم من مشروعية هذه الدينامية، فالشيء المناوئ للمنافسة، قد يكون هو استعمال هذه القوة للسيطرة على السوق، ولأوضح أعطيك مثالا آخرا كوجود شركة في السوق وهناك مقاولة أخرى ترغب في الدخول إلى الميدان، فتلجأ المقاولة الأولى إلى بيع منتوج معين بثمن أقل لمنع المقاولة الأخرى من ولوج هذا السوق، أو اللجوء مثلا إلى تهميش منتوج لشركة ما من أجل عرض منتوج خاص بشركة مهيمنة. - من بين الانتقادات التي وجهت لكم، هي أن المجلس له الحق في مناقشة الأثمان، لكن ليس له الحق في مناقشة استثمارات الشركات الخارجية في المغرب؟ مسؤولية المجلس هي كما ذكرت بالتحديد، أما القول بأن المجلس يرغب في التدخل في ميادين بعيدة عنه، فهذا غير صحيح على الإطلاق، لكن نحن في المجلس لا نريد سوى العمل في إطار المهام الموكولة لنا دستوريا. مسؤوليات المجلس تنحصر في الاتفاقيات المقاولاتية، بالإضافة إلى محاربة التعسفات، ومواكبة التمركزات، التي يمكن أن تؤدي إلى تعسفات، لأن التمركز مشروع، لكن مجلس المنافسة له الحق في النظر في أي تمركز مقاولتي للحد من أي ممارسة منافية للمنافسة. أضيف أن الممارسات التجارية غير المشروعة عادة من اختصاص القضاء، لأن هذه الممارسات لها طابع «ميكرو اقتصادي»، وأعطيك مثالا بشركة تبنت إسم شركة أخرى مع تغيير طفيف في الاسم، فمثل هذه التصرفات يحسم فيها عادة القضاء . وفي هذا الإطار نرى أن الطريقة التي يمكن عبرها البت في مثل هذه القضايا هي أن الممارسات التجارية غير المشروعة هي نوعين، الأول يكون فيما بين المقاولات ذاتها، والنوع الثاني يتعلق بالعلاقات مابين المقاولات والمستهلك. بالنسبة للنوع الأول، فإنه يتعلق بالممارسات التجارية غير المشروعة، التي لها حجم كبير، ينعكس على السوق برمته، في مثل هذه الحال، المجلس يدرس مثل هذه القضايا، وكمثال على ذلك مسألة «الدامبينغ» وهي السلع القادمة من الخارج التي تباع بأثمان أقل من أثمان السلع المحلية، أو مثلا مقاولة أقدمت على اتخاذ قرار يمس بالسوق ككل، فهذه القضايا من مهام مجلس المنافسة. أما فيما يتعلق بقضايا أخرى، فإننا نحيلها على القضاء. أما بالنسبة للممارسات المتعلقة بالعلاقات بين المقاولات والمستهلك فهناك حلين، فإما اتباع مسطرة دراسة القضايا الكبرى في هدا الصدد، التي تهم المستهلك، وهناك قضايا أخرى من اختصاص وزارتي الداخلية والتجارة. وإما اللجوء إلى مثل ما هو معمول به في الكثير من الدول كأمريكا وبولونيا وعمان وإيطالياوغيرها. وهنا يتحول مجلس المنافسة إلى مدافع عن المستهلك. الهدف من كل هذا، هو الحفاظ على أخلاقيات السوق، وتكريس مبدأ «الريح بدون ريع»، والجودة كذلك وتنافسية الاقتصاد، وعبر محاربة الممارسات المنافية للمنافسة نفتح الباب للاستثمارات الخارجية. وبهذا الكيفية فإننا نحمي كذلك المستهلك، وهذه هي الأمور التي تدخل في الاختصاصات الأساسية لمجلس المنافسة. - لكنكم طالبتم الحكومة برفع يدها عن المجلس كيف؟ الدستور يقول إن مجلس المنافسة مؤسسة مستقلة، ولابد من معرفة طبيعة وحقيقة هذه الاستقلالية، في نفس الوقت أقول إن مجالس الحكامة ما هي إلا امتداد للسلطة التنفيذية، لأنه بإمكان الحكومة ممارسة مهمة المجلس، لكن في هذه الحال ستكون الحكومة حكما وطرفا في نفس الوقت. ومعروف أن الحكومات تتشكل عن طريق الانتخابات، والانتخابات يشارك فيها المواطنين والأحزاب السياسية، التي تضم أعضاء، يمكن أن يكونوا رجال أعمال أو نساء أعمال، فإن حدثت قضية منافية للمنافسة وبثت فيها الحكومة، فإنها ستصبح حكما وطرفا، وبالتالي يتم اللجوء إلى تفويض هذه المسؤولية إلى مجلس مستقل. * لكن من خلال هذا التفسير يتضح أنكم لا تدافعون عن استقلالية المجلس بشكل واضح، رغم أن هده الاستقلالية، الدستور منحها للمجلس؟ * الخلاف وقع حين تكلمنا عن استقلالية المجلس، وأوضحنا للنواب البرلمانيين القضايا المطروحة التي يجب عليهم البت فيها، وأكدنا على أن القضية الأولى هو حضور مندوب الحكومة في اجتماعات مجلس المنافسة، بالرغم من أنه ليس له الحق في التدخل وفي التصويت، والسؤال هنا هو هل حضور ممثل الحكومة يمس باستقلالية المجلس أم لا؟ لأن هناك من قال إن مجرد حضور ممثل الحكومة في اجتماعات مجلس المنافسة يمكن أن يحرج بعض الأعضاء لأخذ قرار في قضية ما. * هل هناك آلية لدفاع عن إستقلالية المجلس لأنه حق دستوري؟ شخصيا أوضح اختصاصات المجلس أكثر ما أدافع عن الاستقلالية أو شيء آخر، لكن النواب البرلمانين بإمكانهم الحسم في حضور ممثل الحكومة في اجتماعات المجلس هل يمس باستقلالية هذه الهيئة أم لا يمس بها. وفيما يخص مناقشة مشروع قانون مجلس المنافسة، فقد توقفت عند حضور ممثل الحكومة في المجلس وهل يمس ذلك بالاستقلالية أم لا؟ وتركت المسألة للنواب وقلت لهم: لكم واسع النظر. والسيد الوفا، قال إنه لا داعي لكل النقاش، ودعا بالسماح للمثل الحكومة بالحضور، وهذه فكرة أكدتها كي لا ندخل في صراعات نحن في غنى عنها. المسألة يمكن النظر إليها من جانبين حقوقي وسياسي، على المستوى السياسي الحكومة ستفرض تبعية المجلس لها وستحاول تكبيل يديه، في حين لا بد من الدفاع عن إستقلالية المجلس ونبد التبعية ؟ أود أن أخبرك بأن ممثل الحكومة ليس هو من يطرح المشكل الأساسي، بل يمكنه أن يحضر، مع العلم أنه يتسبب في الإحراج، إلا أن المشكل الذي تطرحه الاستقلالية، يكمن في طبيعة الصفة التي يحضر بها الأعضاء جميعهم في المجلس، فإن كانوا الأعضاء مقترحين من قبل الوزارات، فالتخوف هنا أن يتكلم هؤلاء الأعضاء باسم وزاراتهم، وفي هذه الحال ليس هنالك استقلالية، واقترحنا على الجميع بأن الأساسي هو أن يكون الأعضاء أخصائيين، ولا يمثلون أي مؤسسة، وتكون تمثيليتهم بصفة مستقلة وشخصية، وفي هذه الحالة لن يكون لدينا أي مشكل. أما عن الممثل الذي تكلم عنه الوزير محمد الوفا، فهذا ليس مشكل أساسي وفي هذه القضية هناك أخذ ورد. في هذا الإطار يروج أن الحكومة المغربية تخشى من أن تنفلت العديد من القضايا من بين يديها، ومن ضمنها مجلس المنافسة، إلى حد المسألة صحيحة؟ أقول لك بكل صدق، وأنت تعرف توجهي التاريخي والشخصي، بأنه لم ألاحظ أي وزير من الوزراء أو رئيس الحكومة ذهب في اتجاه السيطرة على قضية من اختصاص المجلس، بل بالعكس وهذه شهادة لله، بالإضافة إلى أن النص المقترح حاليا على البرلمان ايجابي بالنسبة لنا، لكونه يتضمن بعض القضايا التي أخبرت النواب البرلمانيين بأنها تطرح مشاكل، وهذه القضايا هي التي فتح فيها النقاش حاليا. أما النص في مجمله فيؤكد تمتع المجلس باستقلال مالي وحق القرار والإحالة الذاتية وحق التحري وحق المرافعة فيما يتعلق بالقضايا العمومية، اذن المشروع يمتع المجلس بالاستقلالية التامة باستثناء بعض القضايا. عادة في المغرب، لن يكون هناك إشكال على مستوى النص وعلى مستوى القوانين ، لكن على مستوى التطبيق والممارسة ستظهر إشكالات كثيرة، لأن بعض جمعيات المجتمع المدني أقرت في أكثر من مرة، بأن الحكومة تسعى لتكبيل يدي مجالس الحكامة ومن ضمنها مجلس المنافسة. ما رأيك؟ الآن وبكل صدق أجيبك، فإني أعتبر النص المقترح والذي ناقشناه مع رئاسة الحكومة ، ايجابيا ولو أنه يتضمن مشاكل، من بينها الاستقلالية، لأنه هناك بعض القضايا التي من الضروري توضيحها، أما حضور ممثل الحكومة، فليس بمشكل أساسي كما أسلفت، فلا نريد أن ندخل في صراعات هامشية، لذا أحاول قدر الإمكان أن أتكلم بصفة منطقية، والوزير الوفا من حقه أن يقول ما هو مقتنع به، والآخرون كذلك، وهذا ليس هو المشكل الحقيقي، بل يجب ان تكون هناك استقلالية الأعضاء وان يكون حضورهم بصف شخصية ويجب ألا يمثلوا أي أطار أو مؤسسة أو وزارة، كما يجب أن لا يكون العضو بالضرورة من مؤسسة معينة، بل يمكن أن يكون شخص عادي ولكنه معروف باستقامته. بالإضافة إلى أن هناك مسالة جديرة بالطرح هي العلاقة مع المقننين القطاعين، لأن هذا الجانب بقي غامضا، فهناك من يقول بالرجوع إلى القانون الدولي، وفي هذه النقطة بالتحديد أقول، إن المقنن القطاعي له اختصاص في ما هو قبلي، مرتبط بالقضايا التي فيها احتكار، والمقنن القطاعي هو من يتكلف بالموضوع وليس مجلس المنافسة. منير مهدي الأستاذ الجامعي والخبير في مجالس المنافسة لجريدة «العلم»: نبه منير مهدي الأستاذ الجامعي والخبير في مجالس المنافسة إلى وجوب التمييز ما بين الوضعية التي يوجد عليها مجلس المنافسة حاليا، كما هو منظم بموجب القانون رقم 99/06، و الوضعية التي سيؤول إليها بعد تنظيمه بموجب قانون تماشيا مع مقتضيات الفصل 166 من الدستور الحالي، وأضاف في هذا الحوار أن الحكومة معنية بتنفيذ سياسة اقتصادية معينة، تحدد معالمها وفق البرنامج الذي تعده، و دور مجلس المنافسة كما هو مبين في صيغة مشروع القانون رقم 13-20 المتعلق بمجلس المنافسة، يتلخص في إصدار قرارات تهم التصدي للممارسات المنافية لقواعد المنافسة، و كذا مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي. تفاصيل أخرى في نص هذا الحوار. سؤال: احتدم النقاش أخيرا حول مسألة استقلالية مجلس المنافسة خاصة في مجلس النواب، كيف ترى إلى المسألة بصفتك خبيرا في المجال؟ مجلس المنافسة وفق مقتضيات القانون رقم 99/06، المنظم لحرية الأسعار و المنافسة، يتألف من رئيس يعينه الوزير الأول (رئيس الحكومة حسب دستور 2011) و اثني عشر عضوا يتم تعيينهم بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من الإدارة و الهيئات المعنية التي ينتمي إليها كل عضو، و ذلك طبقا للشروط المحددة بنص تنظيمي، كما يستفاد ذلك من نص المادتين 18 و 19. و تتلخص مهام المجلس كما حددتها المادة 14 في كونه يؤدي دورا استشاريا، يبدي من خلاله مجموعة من الآراء و التوصيات بشأن القضايا التي يطلب منه الإدلاء بما يفيد توضيح الرؤية، و رفع اللبس أو الغموض عن طبيعة الممارسات التي يقوم بها المهنيون في السوق الاقتصادية، من أجل تحديد ما إذا كانت مطابقة للضوابط القانونية أم أنها تخالفها، دون أن ننسى دوره في تقديم الاستشارة فيما يخص مشاريع القوانين أو النصوص التنظيمية كما تم بيانه في المادة 16. و تبعا لذلك يمكن القول بأن المجلس وفق هذه الصيغة يعتبر من الناحية القانونية هيئة مستقلة لا تتبع لأي سلطة من الناحية الإدارية، لأن دور رئيس الحكومة يقتصر فقط على التعيين، يضاف إلى ذلك أن مجموع الأعضاء داخله يمثلون السلطة الحكومية بالنظر إلى نوعية الأجهزة المكونة له و التي تشكل النصف، فالمادة الأولى من مرسوم 17 شتنبر 2011 الصادر لتطبيق القانون رقم 99/06، تنص على أنه: «يتألف الأعضاء الستة (6) الذين يمثلون الإدارة في مجلس المنافسة المنصوص عليه في الباب الخامس من القانون المشار إليه أعلاه رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة من: - ممثل عن الوزير المكلف بالعدل؛ - ممثل عن الوزير المكلف بالداخلية؛ - ممثل عن الوزير المكلف بالمالية؛ - ممثل عن الأمين العام للحكومة؛ - ممثل عن الوزير المكلف بالشؤون العامة للحكومة؛ - ممثل عن الوزير المكلف بالتخطيط؛...» يضاف إليهم الخبراء الثلاثة الذين يتولى رئيس الحكومة تعيينهم، في حين يتكلف أعضاء المجلس أنفسهم تعيين ثلاثة أشخاص يمثلون القطاعات المهنية و الحرفية، كما تبين ذلك الفقرة الثالثة من نفس المادة. و لكن بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 166 من دستور 2011 التي تنص على أنه : « مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل و ضبط وضعية المنافسة في الأسواق، و مراقبة الممارسات المنافية لها و الممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.» نجد بأن الإطار القانوني الحالي لم يعد يلائم وضعية المجلس وفق منظور المشرع الدستوري، و ذلك نظرا لاعتباره من هيئات الحكامة الجيدة و التقنين، و بما أن الحكامة تعد إحدى مرتكزات الدولة الحديثة كما تم بيانه في تصدير الدستور ذاته، فإنه لا يمكن بأي شكل كان التساؤل عن مدى استقلالية المجلس الذي أصبح له دور كبير في تفعيل الحكامة نفسها في نطاق المهام التي حددها الفصل 166، غير أن النقاش الذي طرح بخصوص إمكانية مساءلة مجلس المنافسة من طرف مجلس النواب يستوجب ضرورة توضيح المسألة من الناحية القانونية. من وجهة نظري المتواضعة يجب التمييز ما بين الوضعية التي يوجد عليها المجلس حاليا، كما هو منظم بموجب القانون رقم 99/06، و الوضعية التي سيؤول إليها بعد تنظيمه بموجب قانون تماشيا مع مقتضيات الفصل 166 من الدستور الحالي. ففي الحالة الأولى نجد بأن المشرع المغربي كان صريحا بتنصيصه على استشارة المجلس من طرف اللجان الدائمة للبرلمان في مقترحات قوانين تتعلق بمسألة المنافسة (المادة 15 من القانون رقم 99/06)، مما يعني بأنه من الممكن جدا تدبير طريقة العمل بين المؤسستين في هذا الشأن بأي شكل كان، سواء بحضور رئيس المجلس أو من يمثله أمام مجلس النواب من عدمه لمناقشة موضوع المقترحات المقدمة، أما أن يعتبر الأمر إلزاما فأعتقد بأن الرأي يجانب الصواب في هذه الحالة، لأننا نعتبر بأن مجلس المنافسة لا يتولى مهام تنفيذ سياسة عمومية بعينها، و لا يعد في الوقت نفسه جهازا حكوميا، بل فقط يبدي آراء و يقدم استشارات، كما أنه يشتغل بكيفية مستقلة عن الحكومة، والحال أن الدستور كان واضحا بشأن سلطات البرلمان و التي من بينها كما حددها الفصل 70 نجد مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العمومية، و بالتالي أصبح من الصعب تصور إمكانية استمرار مجلس المنافسة في هذه الوضعية الشاذة بعد العمل بمقتضيات الدستور الجديد لمدة تفوق السنتين. أما بالنسبة للحالة الثانية فأعتقد بأن المجلس الدستوري سبق له و أن قدم رأيه بخصوص استقلالية هيئات الحكامة، و طبيعة العلاقة التي تربطها باللجان البرلمانية عموما، كما يظهر ذلك من خلال حيثيات القرار رقم 829/12 م.د، الصادر بتاريخ 4 فبراير 2012، و الذي جاء فيه ما نصه:»...وحيث إن المؤسسات والهيئات المذكورة في الفصول من 161 إلى 170 من الدستور، ومع مراعاة الطابع الاستشاري لتلك المذكورة في الفصول 163، 164، 168، 169 و170، تعد مؤسسات وهيئات مستقلة، إما بحكم ما ينص عليه الفصل 159 من الدستور من أنه «تكون الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة» وإما بموجب الفصول الدستورية الخاصة بها، مما يجعلها لا تخضع لا للسلطة الرئاسية لوزير معين ولا لوصايته، الأمر الذي يمتنع معه تطبيق ما ينص عليه الفصل 102 من الدستور من أنه «يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم...» و نتيجة لذلك فإن الخوض في هذا الموضوع إن لم يتم في إطار اكاديمي و علمي صرف، سيصبح عبثا سياسيا ليس إلا ما دام ان قرارات المجلس الدستوري لا تقبل الطعن كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من الفصل 134 من دستور 2011. سؤال: بخصوص التمثيلية في المجلس، هل حضور ممثل الحكومة سوف يؤثر بشكل أو بآخر على قرارات المجلس في القضايا المطروحة؟ الحكومة معنية بتنفيذ سياسة اقتصادية معينة، تحدد معالمها وفق البرنامج الذي تعده، و دور مجلس المنافسة كما هو مبين في صيغة مشروع القانون رقم 13-20 المتعلق بمجلس المنافسة، يتلخص في إصدار قرارات تهم التصدي للممارسات المنافية لقواعد المنافسة، و كذا مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، و ذلك وفق المفهوم الذي تتضمنه المواد 6و7و8و11 من مشروع القانون رقم 12-142 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، مما يعني أن المجلس سيصبح بعد المصادقة على هذين المشروعين حقيقة هيئة للضبط الاقتصادي instance de la régulation économique، مما يعني أنه سيصبح لزاما على أعضائه التقيد بواجب التحفظ و التجرد، و الاستقلالية، و النزاهة، و تبعا لذلك السؤال الذي يطرح هل من الضروري تمثيل الحكومة في المجلس؟ من وجهة نظري الخاصة إن المجلس في صيغته الحالية يضم تمثيلية حكومية مهمة، غير أن الآليات التي يشتغل بها تحد من فعاليته، و منها على الخصوص هذه التركيبة التي لن تساعده في بلوغ الأهداف المأمول تحقيقها من أداءه للمهام الموكلة إليه، و ذلك بسبب عدم تمكن ممثل الجهاز الحكومي من التجرد و الاستقلال برأيه، لأن الممارسة الإدارية بالمغرب علمتنا بأن من يمثل وزيرا أو جهازا حكوميا دائما ما يتحفظ على إبداء وجهة نظره دون الرجوع إلى رئيسه أو المسؤول الذي يمثله، و بما أن مجلس المنافسة مدعو لأن يكون أكثر نجاعة في ضبط الأسواق فإن المسألة تتطلب الاعتماد على أعضاء لا يخضعون لأي سلطة رئاسية أو يدينون بالولاء لأحد من الشخصيات أو المسؤولين، ما عدا سلطة القانون التي يجب احترامها و الخضوع لها. سؤال: كيف يمكن استثمار دسترة مجلس المنافسة على مستوى الهيكلة وعلى مستوى القرارات، وما هي القيمة المضافة لهذه الدسترة؟ بالنسبة للهيكلة نعتقد بأن الصيغة التي تضمنتها المادة 10 من مشروع القانون رقم 13-20 من شأنها أن تثير نوعا من اللبس و عدم وضوح النية الحقيقية في تمتيع المجلس بالاستقلالية التامة، و ذلك لأنها تشترط تعيين 10 أعضاء باقتراح من السلطة الحكومية، فالظاهر من النص أنهم لا يمثلونها، و لكنها ضمنيا هي من تستأثر بامتياز تقديمهم للعضوية. و في تقديري أن الواقع الجديد لمجلس المنافسة كما حدده دستور 2011، يقتضي إشراك جميع السلطات في اقتراح أعضاء مجلس، و ما دام أنه أصبح مؤسسة دستورية فلا بد من منح سلطة التعيين لصاحب الجلالة، على اعتبار أنه رئيس الدولة، و الحكامة الجيدة، التي تعد المنافسة أحد مرتكزاتها، هي شأن يهم بناء الدولة في حد ذاتها، و ليس مجرد قطاع يتم تدبيره في نطاق ضيق. أما على مستوى القرارات فإن الفصل 166 من الدستور كان واضحا في تحديده لاختصاصات المجلس، و إبراز مجالات و حدود تدخله، و من شأن ذلك أن يولد الثقة في العديد من الفاعلين الاقتصاديين، مواطنين كانوا أم اجانب، و يمنحهم الطمأنينة و الأمان بخصوص وضعية البيئة الاقتصادية التي يودون الاستثمار فيها، و يمكنهم من التيقن من سلامة الأجواء لممارسة أنشطتهم ، و السبب في ذلك مرده أن المغاربة منحوا لهذه المؤسسة القيمة الدستورية التي تعد أسمى القواعد المنظمة للعلاقات ، و هي كذلك أسمى مؤشر على ضمان استقرار المعاملات. سؤال: في حال استمرار الخلاف بين الحكومة والمجلس على هذا المستوى لمن يمكن الاحتكام، وهل هناك تجارب دولية في هذا الشأن؟ الخلاف حول مسألة قانونية يجب حله في إطار مناقشة مواد مشروع القانون، الذي من المفترض أنه قطع أشواطا قبل تقديمه للمصادقة عليه من البرلمان، و كما هو معلوم فإن الفصل 92 من الدستور اعتبر بأن من اختصاصات مجلس الحكومة التداول في مشاريع القوانين تحت الرئاسة الفعلية لرئيس الحكومة، مما يعني بأن تدبير اختلاف الآراء يجب أن يتم بشكل عقلاني في إطار التشاركية، دون حاجة فيما اعتقد اللجوء إلى آلية التحكيم، ما عدا إذا تدخل جلالة الملك بموجب مقتضيات الفصل 95 من الدستور لطلب قراءة جديدة لمشروع القانون بناء على خطاب. و للتذكير فإن طبيعة تكوين مجالس المنافسة في التجارب المقارنة، و تعيين الأعضاء فيها لم تطرح حسب علمنا أي إشكال من هذا القبيل، و ذلك لسبب بسيط و هو أن الفاعل السياسي في الديمقراطيات المتطورة لا يستهين بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، و دائما يناقش القضايا بكل وعي، و أخذا بعين الاعتبار سمو المصلحة العامة على الحسابات السياسوية الضيقة، و أخيرا يقر باحترامه للقرار المتخذ رغم مخالفته لتصوراته و آراءه التي يدافع عنها، و نتمنى أن تسود مثل هذه الثقافة السياسية ما بين الحكومة و السلطة التشريعية، لأن الهدف هو تدبير الشأن العام، و تحقيق آمال المواطنين في الاستقرار، و الأمان، و العيش بكرامة. سؤال: رئيس مجلس المنافسة قال إن مجلسه استمرار للسلطة التنفيذية، إلى أي حد المسألة صحيحة؟ ليس لي علم بالسياق الذي تم الحديث فيه عن ذلك، و أعتقد أنه إذا تكلم عن الصيغة الحالية لمجلس المنافسة، فكما سبقت الإشارة أن للسلطة الحكومية دور أساسي في تعيين الرئيس و الأعضاء، أما إذا تعلق الأمر بما سيؤول إليه المجلس، فإنني أرى بأن مجلس المنافسة هو مؤسسة حكامة، تتمتع بالطابع الدستوري، و يجب أن تكون مستقلة نظرا لطبيعة المهام و الاختصاصات التي من المفترض أن تؤديها، و تبعا لذلك فعلاقتها بالسلط أو المؤسسات الدستورية لا بد و أن تتم في حدود ما سيستقر عليه الرأي بعد المصادقة على نص مشروع القانون المنظم له، و التي ستكون وفق مبادئ التعاون و التشارك.