تعيش بلادنا منذ أسابيع على وقع حملة مقاطعة شعبية واسعة لعدد من المنتجات الاستهلاكية، تهم علامات تجارية من قطاعات المحروقات والحليب والمياه المعدنية، وهي حملة تستهدف تخفيض الأسعار بصفة أساسية، لكنها في ذات الوقت تطرح أسئلة حول شبهات تتعلق بالاحتكار وباتفاقيات سرية بين المنتجين حول الأسعار، وهي ممارسات فضلا عن أنها تتناقض وقواعد اقتصاد السوق وأخلاقياته، فإنها وبصفة أساسية تمثل مخالفات يعاقب عليها القانون، وكما هو معلوم فإن المشرع المغربي وضع إطارا قانونيا لتنظيم الأسعار والمنافسة وأناط مهمة حماية المستهلك وقواعد المنافسة لمؤسسة دستورية على قدر كبير من الأهمية وهي مجلس المنافسة، هذا المجلس تم تطوير وتعزيز إطاره التشريعي؛ فانتقل من مجرد مؤسسة استشارية كما كان نص على ذلك القانون 06.99 المتعلق بالأسعار والمنافسة، إلى مؤسسة دستورية تقريرية بإطار قانوني خاص، وذلك بموجب الدستور المغربي الذي تمت المصادقة عليه في فاتح يوليوز 2011، وبالضبط في المادة 166 من هذا الأخير التي نصت على أن "مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار"، وذلك تجسيدا لمسار طويل من تراكمات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، والتي كانت في كثير من الأحيان تتكسر على صخرة الواقع. إن الإطار القانوني الجديد لمجلس المنافسة المتمثل في القانون 20.13، يجعل من هذه المؤسسة الدستورية آلية جزرية قادرة على إجبار جميع المتدخلين واللوبيات المختلفة، على التحترام الكامل للقانون ولأخلاقيات المنافسة في سوق حرة، وعلى الحد من اقتصاد الريع ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، والتطبيق السليم لقانون الأسعار والمنافسة الذي يمنح للمجلس حق إبداء آرائه بشأن طلبات الاستشارة، وإصدار دراسات بشأن المناخ العام للمنافسة قطاعيا ووطنيا، حيث يمكن استشارة المجلس من طرف اللجن الدائمة للبرلمان في مقترحات القوانين، وكذا في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، وفق أحكام النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، وكذلك من حق المجلس أن يدلي برأيه بطلب من الحكومة في كل مسألة متعلقة بالمنافسة، كما يجوز له كذلك أن يدلي برأيه في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة، بطلب من مجالس الجماعات الترابية أو غرف التجارة والصناعة والخدمات أو غرف الفلاحة أو غرف الصناعة التقليدية، أو غرف الصيد البحري أو المنظمات النقابية والمهنية أو هيآت التقنين القطاعية، أو جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة، في حدود المصالح التي تتكفل بها، وكل ذلك وفقا للمادة 5 من القانون 20. 13 المشار إليه سالفا، ذات القانون سمح للإدارة أن تحيل على المجلس كل ممارسة منافية لقواعد المنافسة، أو كل فعل يمكن أن يدخل في حكم تلك الممارسات، وكذا كل إخلال بالتعهدات المتخذة من لدن الأطراف في عملية تركيز اقتصادي في إطار تصدي الإدارة لقرار متعلق بهذه العملية وفقا للقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، كما نص القانون أيضا على أن للمجلس باقتراح من مقرره العام، أن ينظر بمبادرة منه في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة، كما يمكن للمجلس اتخاذ المبادرة للإدلاء برأي حول كل مسألة متعلقة بالمنافسة وينشر الرأي المذكور بالجريدة الرسمية ليطلع عليه العموم، ويمكن للمجلس كذلك توجيه توصيات إلى الإدارة لتفعيل التدابير اللازمة لتحسين السير التنافسي للأسواق، وألزم القانون الإدارة على إخبار المجلس بالتدابير التي اتخذتها أو التي تعتزم اتخاذها لتطبيق توصياته. كما يمكن أن يستشار المجلس من طرف المحاكم في شأن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمثارة في القضايا المعروضة عليها، ليس ذلك فقط ما منحه القانون لمجلس المنافسة، بل جعل الحكومة ملزمة باستشارته وجوبا في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف مباشرة إلى: 1- فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى سوق؛ 2- إقامة احتكارات أو حقوق استئثارية أو خاصة أخرى في التراب المغربي أو في جزء مهم منه؛ 3- فرض ممارسات موحدة فيما يتعلق بأسعار أو شروط البيع؛ 4- منح إعانات من الدولة أو الجماعات الترابية وفقا للتشريع المتعلق بها.. إنن استعراض الإطار القانوني لمجلس المنافسة وما أناطه به المشرع من مهام واختصاصات ومسؤوليات يتوقف عليها الأمن الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، يدعونا للتساؤل كيف يمكن لهذه المؤسسة الدستورية أن تبقى معطلة في دولة المؤسسات وسيادة القانون؟ إن هذه الوضعية الشاذة تسيء لبلادنا وتجعلها محفوفة بمخاطر متعددة، وهو ما يجب أن يوضع له حد بصفة استعجالية صيانة للدستور وحماية للقانون ومقاصده الكبرى. لقد قدم مبرر لوضعية العجز التي يوجد عليها مجلس المنافسة عن القيام بمهامه بسبب عدم تعيين أعضائه، هذا المبرر يستند على عدم تجديد أعضاء المجلس بعد المصادقة على القانون 20.13، وحيث إنه من غير المقبول ولا المنطقي أن يتم تعطيل مؤسسة دستورية بحجم وأهمية مؤسسة مجلس المنافسة، اعتمادا فقط على عدم تجديد أعضائه وفقا للقانون وعدم التنصيص على إمكانية استمرار الأعضاء الحاليين في ممارسة مهامهم إلى حين تعيين الأعضاء الجدد، ما يجعل ذلك واقعيا وشماعة يعلق عليها غياب الرقابة على الأسعار والمنافسة وشبهات الاحتكار والاتفاقيات السرية حول الأسعار، مما يسيء للمنافسة الحرة والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، ويثقل كاهل الأسر المغربية بارتفاع الأسعار، فإن المشرع كان من واجبه تدارك الأمر وذلك لمعالجة هذه الوضعية التي تعتبر خلالا قانونيا وجب تصحيحه، اقتداء بالنصوص القانونية المؤطرة لمؤسسات دستورية أخرى مماثلة، مثل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي نصت المادة 32 من القانون 11.15 على ما يلي: "يستمر المجلس الأعلى والمدير العام، المزاولون مهامهم في تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، في ممارسة مهامهم إلى حين تعويضهم طبقا لأحكام هذا القانون"، علما أن القانون 20.13 نفسه انتبه إلى طبيعة المرحلة الانتقالية لمجلس المنافسة، وحرصا على عدم تعطيل مهامه الكبرى، فإنه نص في المادة 25 على أنه "يقترح العضوان القاضيان بالمجلس من لدن المجلس الأعلى للقضاء، وذلك في انتظار تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية إعمالا للفصل 178 من الدستور." وهو ما يعني أن القانون 20.13 المنظم لمجلس المنافسة كان بحاجة فقط إلى مادة تنص على ما يلي: "يستمر رئيس وأعضاء مجلس المنافسة المزاولون مهامهم في تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، في ممارسة مهامهم كاملة إلى حين تعويضهم طبقا لأحكام هذا القانون." وهو ما كان سيجنب بلادنا فراغا امتد لسنوات، وجاءت حملة المقاطعة الشعبية لتكشف خطورته على القدرة الشرائية وعلى الأمن الاقتصادي لبلادنا. فهل نتوقع إخراج المجلس إلى حيز الوجود الفعلي، أو على الأقل منحه "تخريجة" قانونيا تمنع تعطيله الدائم..!.