عاد الجدل وتنازع الاختصاص من جديد ما بين مجلس المنافسة والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات على مستوى تطبيق قواعد المنافسة في قطاع الاتصالات. وقد خلف جدلا دستوريا ترتب عنه وجود تداخل بينهما ، وقد تمت إثارة هذا الجدل على هامش دراسة مشروعي قانوني رقم 20.13 و104.12 المتعلقين تباعا بمجلس المنافسة وبحرية الأسعار والمنافسة، من طرف لجنة المالية في البرلمان. وجاء في المادة 166 من الدستور الجديد :» مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار». الاختصاص العام للمجلس وهي الهيئة الإدارية الوحيدة التي أوكل إليها الدستور مهمة « ...تحليل وضبط المنافسة في الأسواق. » . وبالتالي يبقى للمجلس الاختصاص العام والأصيل، إن على مستوى الاختصاص النوعي أي إعمال قواعد قانون المنافسة ،محاربة التواطؤات المنافية للمنافسة، التعسف في استغلال وضعية احتكارية... ، أو على المستوى المجالي على اعتبار أن الفصل تحدث عن امتداد عمل المجلس في كل الأسواق. هذا الاختصاص يكرس ضرورة توحيد الاختصاصات والمسؤوليات على مستوى ضبط المنافسة في الأسواق من جهة عن طريق استرجاع جميع الاختصاصات الممنوحة للمقننين القطاعيين في هذا المجال، ومن جهة أخرى بإعمال قواعد المنافسة ومن خلالها اختصاص المجلس في كل القطاعات الاقتصادية، دونما الحاجة إلى تعليق هذا الاختصاص الدستوري على صدور نص تنظيمي فرعي أدنى درجة قانونية من القاعدة الدستورية. وعلى مستوى الحكامة الاقتصادية ، ستؤدي حتما إلى تعطيل عمل المجلس ومنعه من التدخل لمراقبة المنافسة بمجموعة من القطاعات الخاضعة لمجموعة من المقننين القطاعيين. وسينتج عن ذلك بالضرورة إضعاف المنافسة في هذه القطاعات مع ما يترتب عن ذلك من آثار سلبية بالنسبة للمستهلكين على اعتبار أن عدم تطبيق قواعد المنافسة سيؤدي حتما إلى ظهور أو استمرار نهج مجموعة من الممارسات التعسفية داخل هذه القطاعات التي تعرف أصلا شبهة وجود مجموعة من الممارسات المنافية للمنافسة من قبيل الاتفاقات المقاولاتية للحد من المنافسة عن طريق الرفع الموحد للأسعار، أو تقسيم الأسواق وما ينتج عن ذلك من ضرب للقدرة الشرائية للمستهلكين، وكذا التقليل من الجودة والابتكار؛ وبالنسبة للفاعلين الجدد والمنافسين ، ذلك أن تغييب المنافسة في قطاع معين ينعكس حتما على تنافسية المقاولات داخله ولا يؤهلها للاستعداد للمنافسة الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب آليات لضبط المنافسة لا يسمح للمقاولات الصغيرة والمتوسطة بولوج هذه الأسواق ومنافسة الفاعلين المتواجدين أصلا، وهو ما يجعلها عرضة للممارسات الاحتكارية أو الإقصائية للمقاولات الرائدة تاريخيا داخل هذه القطاعات (op?rateurs historiques) وبالرجوع إلى القطاعات الحالية المعنية بهذه الإشكالية المتعلقة بتعليق عمل المجلس، نجد قطاعات حساسة سيحرم المجلس من التدخل داخلها كقطاعات التأمين، الاتصالات، الموانئ..بالإضافة إلى قطاعات أخرى ستعرف قريبا بزوغ مقننين قطاعيين جدد داخلها كقطاع الأدوية، الكهرباء، الطاقة...وهي كلها قطاعات استراتيجية وذات وقع مباشر وكبير على المستهلكين وعلى الاقتصاد الوطني. وكان المجلس الوزاري قد صادق مؤخرا على مشروع قانون رقم 121.12 بتعديل وتتميم القانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والمواصلات تم من خلاله منح الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات اختصاصات جديدة تتعلق بإنزال العقوبات المالية المتعلقة بعدم احترام قواعد قانون المنافسة في قطاع الاتصالات، في انتهاك صارخ للاختصاص الأصيل الذي منحه المشرع الدستوري لمجلس المنافسة طبقا للمادة 166 من الدستور.