حرصت عينا خالد العيني على النظر بعيدا وأنامله تتفحص ما أمامه من عتاد للبحث عن صور واضحة تستشرف المستقبل، أو هكذا بدا وسط مشغَله، وهو في سن مبكرة، مفلحا في التقاط أولى القنوات الفضائية في زمن كان "البارابول" حكرا على الأثرياء. مرت السنون دون أن تنال من وضع هذا المغربي، إذ بقي منتبها للقادم وهو يعد الحاضر ليلائم الغد، محققا النجاح تلو الآخر في فك شفرات المسار الذي قاده من الهندسة إلى الأعمال الحرة، عابرا حقل الإعلام، متقدما نحو الأمام. اهتمام تقني في مدينة الدارالبيضاء عانق خالد العيني الحياة، وبالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية اشتد عوده، وانضباطا لإيقاع هذه الحاضرة الكبيرة اختار التخصص في الهندسة الصناعية بعد نيل شهادة الباكالوريا. الأداء التقني استقطب خالد منذ نعومة أظافره، دائبا على فك الأجهزة للتعرف على ما تشمله منذ سن مبكرة، قبل أن يخوض رحلات البحث عن اكتشافات إلكتروميكانيكية منذ مراهقته، مستفيدا من ولعه بالرسم في وضع تصميمات لما كان ينتجه ببساطة. التحق العيني بميدان العمل بعد إنهاء تكوينه في التعليم العالي، لكن تجربته بين أطر شركة في البيضاء لم تتجاوز مدة سنة، إذ قرر إنشاء مشروع خاص به قبل أن يحسم في خوض تجربة دولية بحثا عن آفاق أرحب لمستقبل زاهر. احتكاك بالإعلام استثمر المغربي نفسه تكوينه التقني من أجل الظفر باشتغال وسط الميدان الإعلامي في الإمارات العربية المتحدة، مفتتحا هذا المسار بتقديم خدمات تصوير لصالح شبكتَي "روتانا" و"إي. آر. تي" الفضائيتين. وعن تلك المرحلة يقول العيني: "بجوار العمل حرصت على الدراسة في معهد Omnix بإمارة دبي، ما جعلني أحصل على دبلوم في التوضيب السمعي البصري كي أطور وضعي الاجتماعي والمهني". ارتبط خالد بردهات العمل في قناة "الجزيرة" القطرية مدة أربع سنوات، مستقرا خلال هذه الفترة في الدوحة، ثم عاد إلى الإمارات العربية المتحدة بعد ظفره بموقع اشتغال مماثل في شبكة MBC، إبان تحويل مقرها من لندن إلى دبي، في ارتباط ل15 سنة. سلاسة التغيير يشدد المنتمي إلى شريحة "مغاربة العالم" حاليا على أن استقراره خارج المملكة لم يواكب بصعوبات، مرجعا ذلك إلى حياته الآخذة على إيقاع الدارالبيضاء وما تتسم به من دينامية عالية. "حرصت على الاختلاط بالناس ونهج الإصغاء إلى من سبقوني في كل مؤسسة ألتحق بها، وبهذه الطريقة تمكنت من فرض وجودي مع الاعتياد على ثقافات الآخرين، إذ لم أفاجأ بصخب دبي ولا الدوحة على الإطلاق"، يقول العيني. من المنطلق نفسه قرر خالد افتتاح مشروع عائلي بمعية زوجته، اختارا أن يكون شركة للتجارة العامة بين الوطن الأم والإمارات العربية المتحدة؛ ثم تطورت الأمور نحو تنظيم المعارض بشركة ثانية، وبالتالي تفرغ لهذا الأداء بهجران العمل التقني في الإعلام. نظرة عالمية وقف المغربي عينه وراء تنظيم الجناح المغربي في قرية دبي العالمية طيلة 8 سنوات، منطلقا من تهييء الفضاء للتعبير عن التنوع الثقافي للمملكة، سنة 2007، قبل استكمال هذا المسار بحلول عام 2015. يعتبر خالد أن تجربة "تامغرابيت" في حيز دولي شهير، من حجم "القرية العالمية"، كانت إيجابية بفعل الإقبال الواسع على هذا الموعد ذي الوتيرة السنوية، ويزيد: "هذه الخطوة أبهجتني لأنها جعلتني أساهم في تقريب بلدي من مخيال حملة جنسيات كثيرة". "طورت الاشتغال من تنظيم خاص بالمعارض إلى مختلف الفعاليات. كما أن النشاط التجاري سائر بوتيرة تجلب رضاي عما وصلته حتى الآن، بينما أبقى طامحا إلى خوض مسار هجرة آخر برسو أولي على التوجه نحو كندا، تماشيا مع الحاجيات الدراسية للأبناء"، يقول العيني. أحلام سفراء يعتصر المستقر حاليا في الإمارات عقود الهجرة التي عاشها ليخلص إلى أن الشباب الحالمين بالحياة خارج حدود المغرب، وحتى الطموحين في الوطن الأم، عليهم التشبث بأحلامهم حتى النظر إليها محققة على أرض الواقع. كما ينصح خالد الفئتين معا ب"التمتع بالالتزام المطلوب في البحث عن النجاحات المطورة للأوضاع الشخصية والمهنية"، ويردف: "ينبغي الإقبال على كل الفرص، بدءا بتلك المتاحة في المملكة، والوعي بأن كل فلاَح لا يُدرك بسهولة أينما تواجد الساعي إليه". "المهاجرون جميعهم، سواء من حسموا خياراتهم سلفا أو أولئك المقبلون على هذه الخطوة، أراهم سفراء حقيقيين للمملكة المغربية، ما يستلزم منهم التعبير عن الوجه المشرق للحضارة الباسقة التي ينحدرون منها"، يختم خالد العيني.