وسط الإقبال المتنامي على استعمال مواقع التواصل الاجتماعي من طرف مؤسسات الإعلام بكل بقاع العالم، وفي منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحديدا، يبرز اسم ياسمين العيساوي، المغربية ذات أصول شفشاونية المستقرة في الإمارات العربية المتحدة، كنموذج ناجح لشق المسار في هذا المجال.
آمنت الشابة المنتمية إلى صفوف الإعلاميين من المغاربة المقيمين في الخارج، قبل سنوات من الآن، بأن عالم “السوشلميديا” يتملّك الحاضر ويضمّ إليه المستقبل بقوة؛ ومن هذا المنطلق أخذت في التدرج ضمن المجال، بتكوين مغربي، لإحراز مكتسبات مهنية في البيئة الإماراتية. السوسيولوجيا والصحافة تتحدر العيساوي من شفشاون، وبها عاشت أول 8 سنوات من طفولتها، لتقفل إلى مدينة طنجة، الحاضرة التي رأت فيها النور صيف 1990؛ وبالحيز الجغرافي الشاهد تلاقي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي تنقلت بين فصول التحصيل الدراسي. “ارتادت عددا كبيرا من المدارس الابتدائية والإعدادية، وصولا إلى ثانوية مولاي يوسف بطنجة، ثم ثانوية ابن الخطيب التي تحصلت فيها على شهادة الباكالوريا”، تقول ياسمين حاكية فترة من الماضي. اكتسبت الشابة المغربية مدارك في شعبة الاقتصاد خلال المرحلة الثانوية التأهيلية، لكنها اختارت التوجه، لاحقا، إلى دراسة الصحافة والإعلام بجانب التكوين الجامعي في علم الاجتماع. وتضيف العيساوي: “ابتغيت مسارا بعيدا عن لغة الأرقام بولوج معهد البحر الأبيض المتوسط من أجل الصحافة والإعلام، مثلما التزمت بدراسة السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مارتيل، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي”. مراسلات إلى الإمارات بادرت “شفشاونية الأصل”، وهي تدرس الإعلام والصحافة، إلى التعاون مع مجلات أجنبية عديدة في انتظار تخرجها بدبلوم في هذا المجال، مراكمة الخبرة في الكتابة، وبانية ثقة تفيدها عقب استيفاء مشوار التكوين. اختارت ياسمين العيساوي منابر إماراتية لهذا الغرض، أبرزها مجلة “شباب 20” التابعة لدار الصدى للنشر، ومجلة “أرى” المنتمية إلى مؤسسة تلفزيون دبيّ؛ مثلما أمضت فترات تدريب بمؤسسات إعلامية مغربية قبيل التخرج. الصحافية ذاتها عززت رصيدها ما قبل الاحترافي بتحركين دعما رهانها على خوض التجربة الإماراتية؛ بالتنقل صوب البلد الخليجي كمشاركة في فعاليات مؤتمر إعلامي، ثم تغطية دورة من “مهرجان المونودراما” في إمارة الفجيرة. التحاق بالفجيرة “لم أعمل فعلا بالمغرب بعد نيلي دبلوم الصحافة والإجازة في السوسيولوجيا، لأن أدائي بمراسلة مجلات في الإمارات العربية المتحدة جلب لي عرضا بالانتقال إلى هناك عقب تخرجي”، تكشف ياسمين العيساوي. واسترسلت صاحبة المسار نفسه: “مدير إحدى المجلات التي عملت فيها من على تراب المملكة ترقى وأصبح مدير القسم الإعلامي في ديوان حاكم إمارة الفجيرة، وعند بحثه عن صحافيين للعمل في المكتب حديث النشأة اقترح علي الالتحاق”. البحث عن القادرين على التعاطي مع خصوصيات مواقع التواصل الاجتماعي، وضبط ضروريات الإعلام الرقمي، رجحت كفة ياسمين العيساوي في الظفر بانطلاقة مهنية من دولة الإمارات. اندماج سلس “الاندماج في إيقاع الحياة بالإمارات العربية المتحدة، بداية من إمارة الفجيرة، كان سلسا، لأنني ضبطت طريقة التفكير المهنية بهذا البلد حين كنت مراسلة مستقرة في وطني الأم”، تعلق ياسمين في هذا الشق. وتزيد العيساوي: “ناس الفجيرة متسمون بالطيبوبة مثل مجتمعي الأصلي في المغرب، ولذلك لم أحس بالاغتراب إلا عند استحضار بعدي عن أفراد أسرتي وعائلتي، ما سهل ضبطي لإيقاع العيش في البيئة التي اخترت الاستقرار فيها”. كما تقر ياسمين، التي انتقلت لاحقا إلى مدينة دبي، بأن “تعود الشعب الإماراتي على الأجانب لا يعرض الوافدين إلى العنصرية في هذا البلد”، وتعتبر “هذا العامل، حين جمعه بالإقبال الجاد على العمل، يتيح التطور بسرعة”. المغربية عينها تشدد على أن “الفضاء الإماراتي يشجع على النجاح حتى لو كان الراغب فيه أجنبيا، خاصة بمدينة دبي، لأن القدرة على العطاء، والخلفية التكوينية والحمولة الثقافية والدراسية، تعمل على تغييب الميز وتقوية الإيمان بالكفاءة”. مشوار مهني حرصت ياسمين العيساوي على السكة نفسها التي انطلقت عليها، بالتزامات مهنية على مستوى “الإعلام البديل”، منتقلة من ديوان حاكم الفجيرة إلى قسم الإعلام الاجتماعي بصحيفة “الخليج” الإماراتية. بحث المنبر نفسه عن تطوير حضوره في مواقع التواصل الاجتماعي العديدة مكن الصحافية المغربية من نيل عرض بإدارة محتويات منبر “الخليج” على منصات “السوشلميديا”، وكذا التعامل مع النسخة الرقمية على الإنترنيت. التحقت العيساوي، بعد ذلك، بقسم الإبداع في تلفزيون أبوظبي للاستمرار في الكتابة الصحافية بمعية الإشراف على إدارة الحملات الإعلامية. وهذه التجربة تطلبت من ياسمين أداء في إعداد البرامج ووضع الخطط الإشهارية. “طموحي لا حدود له وفق ما أرى، لكنني أحصره حاليا في البروز على شاشة التلفاز بانتقال من العمل وراء الكاميرات إلى التقديم أمامها، وأتمنى تحقق ذلك بالشكل الجيد الذي أوده”، تبوح ياسمين العيساوي. لا تتردد الصحافية المشتغلة في الإمارات العربية المتحدة في إعلان رضاها عن مشوارها بعد سنوات من انطلاقه، مقرة بأنها بصدد “بناء اسم ورصيد وظيفي يستحق تضحية التنقل خارج المغرب”، وتقول إنها تعتمد على الدعم المعنوي الذي تناله من أسرتها. وجهة ذات أولوية تؤمن سوق العمل الإماراتية بالمردودية، وترفض السلوكات المهنية فاقدة التميز، وفق ياسمين العيساوي؛ بينما توفر البلاد الأمن التام لكل من يتواجدون على ترابها، والنساء خاصة، بفضل جهود استثنائية في هذا المجال. تشجع الصحافية المغربية إقبال ذوي الكفاءات العالية على تجارب مهنية في الإمارات العربية المتحدة، وتنصح بجعل هذه الوجهة تسبق نظيراتها في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، خاصة أن سوق العمل في هذه البلاد تطلب مثل هؤلاء.