بعد تطوّرات كَادَتْ أن تَعْصفُ باتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بسبب "التباين" الكبير الذي طبع الجولة الأولى من مفاوضات تجديد بروتوكول الصيد البحري الذي ينتهي في 14 يوليوز المقبل حول كيفية التعاطي مع ملاءمة مضامين الاتفاق مع القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية، من المرتقب أن يستأنف طرفا الاتفاق مسلسل المفاوضات من جديد خلال الأسبوع الجاري. ويدخل أطراف الاتفاق الجولة الثانية من المفاوضات في سياق خاص يتسم بالهجمات الخارجية التي تستهدف هذه الشراكة، وبالمناورات القضائية التي تقوم بها جبهة "البوليساريو" للانحراف بها عن طريقها وأهدافها. وفي الوقت الذي اكتفت فيه الخارجية المغربية، التي تقود المفاوضات، بتأكيدها أن أطراف الاتفاق عازمون على اتخاذ خطوات متقدمة في مسار المباحثات، وأن الجولة الأولى التي خُصِّصَتْ لمدارسة الشروط التفاوضية التي يقدمها كل طرف كانت مناسبة للاستماع والتشاور بخصوص مستقبل الاتفاق، فإن ما يقلق المغرب والأوروبيين ويصعّب مسار المباحثات هي التعقيدات التي تعرفها مراجعة اتفاقية الصيد البحري، لأن الطرف الأوروبي مطالب بملاءمتها مع حكم محكمة العدل الأوروبية. وكانت مفاوضات تجديد بروتوكول الشراكة في مجال الصيد البحري، بحسب ما نقلته مواقع إسبانية، وصلت إلى الباب المسدود، بعد أربعة أيام من الاجتماعات المتواصلة بين ممثلي الاتحاد الأوروبي والمغرب للاتفاق حول النقاط العالقة، التي همَّت في المرحلة الأولى من المفاوضات الشق السياسي. وتحاول الجبهة الانفصالية، عبر محاميها في أوروبا، الضغط على المفوضية للأخذ بعين الاعتبار قرارات محكمة العدل الأوروبية، ولرفض المسار الحالي والعمل على إعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مهددة "المفوضية الأوروبية بإجراءات قضائية جديدة لدفعها إلى لاحترام ما سمَّته "حقوق شعب الصحراء الغربية". وتخطط الجبهة الوهمية لنقل معركتها القانونية إلى البرلمان الأوروبي بعدما فشلت في إقناع المفوضية باتخاذ قرار يطعن في مسار المفاوضات الجارية. وفي هذا الصدد، قال محامي الجبهة في مكتب بروكسيل، جيل ديفرز: "إذا واصلت المفوضية امتناعها سنطلق إجراءات قضائية جديدة أمام المحاكم وسنواصل اتصالاتنا مع البرلمان الأوروبي لكي يضغط بدوره على المفوضية، لأن الاتفاقيات المبرمة من طرف المفوضية باسم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء المكونة له يجب دوماً أن تحظى بالموافقة الرسمية من البرلمان الأوروبي"، على حد تعبيره. محمد حركات، أستاذ المالية العامة مدير المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة، توقَّع أن تحمل الجولة الثانية من المفاوضات انفراجاً، خاصة في ظل إلحاح بعض الأطراف داخل الاتحاد الأوروبي على تسريع وتيرة المباحثات حتى لا يتضرر اقتصادها من تبعات "تجميد الاتفاق"، وقال: "لا يمكن لإسبانيا مثلاً أن تنتظر أكثر لأن توازنها الاقتصادي سيتضرر". الخبير في الاقتصاد والمالية العمومية اعتبر أن "الأزمة التي تعيشها بلدان الاتحاد الأوروبي جرّاء تعليق اتفاق الصيد البحري ستتفاقم إن استمر بلوكاج المفاوضات"، مضيفا أن "قطاع الصيد يساهم بشكل كبير في اقتصاديات الدول؛ إذ يشغل عددا كبيرا من الأوربيين، وهذا ما سيدفع الاتحاد إلى البحث عن مخرج ملائم يستحضر الملاءمة القانونية لقرار محكمة العدل الأوربية مع الاتفاق ومصالح الأطراف الموقعة". ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة محمد الخامس بالرباط أن "دول الاتحاد تدرك أنه لا مجال للمساس بالسيادة الوطنية، وهذا شرط تفاوضي للمغرب لا يمكن التنازل عنه، وحتى إذا نظرنا إلى منافع الاتحاد الأوروبي من هذا الاتفاق سنجد أنها تفوق بكثير ما تجنيه المملكة"، واعتبر أن "عائدات الاتفاق بالنسبة للمغاربة تبقى دون المستوى وضعيفة". وبعدما توقف المحلل الاقتصادي عند توجه المملكة الاستراتيجي في إفريقيا وانفتاحها على بعض الدول الأسيوية، قال إن "هذا التوجه يضع الأوروبيين تحت ضغط كبيرٍ ويدفعهم إلى قبول صيغة المغرب في المفاوضات"، وأضاف أن "المغرب في موقع قوة ويجب أن يغير من لهجته التفاوضية، وأن يقلب الطاولة على الشركاء الأوروبيين لأن هناك الآن أسواقا جديدة تستهوي المملكة"، وفق تعبيره.