ما زالت مبادرة الحكومة المتعلقة بالتعاقد مع أطباء من السينغال للعمل بالمراكز الاستشفائية الجامعية وبالمستشفيات العمومية الواقعة بالمناطق القروية، لسد الخصاص "المهول" التي تعرفه بعض الجهات من المملكة، تثير جدلاً واسعاً، خاصة بعد توالي الدعوات الرافضة لهذه الخطوة من لدن ساكنة الأقاليم المعنية بها، والتي يتصدرها إقليم طاطا. وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن التعاقد مع أطباء عامين من السينغال يأتي لسد الخصاص الحاد الذي يعرفه إقليم طاطا، لكون المناصب التي يتمُّ فَتْحُهَا من لدن الوزارة بهذا الإقليم لا يتقدَّم إليها أحد، فإن ساكنة واحد من أفقر الأقاليم في المملكة تتجه إلى رفض هذا المقترح "الاستعجالي"، بدعوى أن الأطباء المعنيين ليسوا مغاربة ويجهلون طبيعة وهوية المنطقة المحافظة؛ وهو ما سيؤدي إلى وقوع عدة مشاكل، خاصة على المستوى التواصلي. مبارك أوتشرافت، رئيس منتدى إفوس للديمقراطية وحقوق الإنسان بإقليم طاطا، انتقد، في تصريح لجريدة هسبريس، ما اعتبره "تغييب النقاش داخل الإقليم بخصوص إجراء وزارة الصحة"، وقال: "عدد من الأصوات الحقوقية في المنطقة تم تهميشها، حيث لم يتم الاستماع إلى مقترحاتها"، داعياً إلى "إيلاء العناية اللازمة لتحقيق العدالة المجالية والإنصاف وتكافؤ الفرص وضمان التوزيع العادل للأطر الطبية والصحية بأقاليم الجهة". وتابع الفاعل الحقوقي: "نرفض هذا الإجراء الترقيعي لاستقدام أطباء من خارج المغرب، ونطالب بتمكين الإقليم من حصته من الأطباء المحددة لسنة 2018 والبالغ عددهم بالجهة 80 حسب جواب الوزير"، وأورد في تصريحه أن "ما نخشاه هو أن يتحول هذا الإجراء الاستثنائي إلى إجراء عادي يتم تدبيره من لدن المجالس الجهوية التي يجب أن ترافع من أجل صحة المواطنين". ودعا رئيس منتدى إفوس، الذي كان راسل مؤخرا وزير الصحة بخصوص استقدام الأطباء من السينغال، إلى "الإسراع في تلبية مطالب الساكنة التي تحتج بين الفينة والأخرى على تردي الوضع الصحي بالإقليم"، مبرزا أن "الدستور المغربي والمواثيق الدولية والتزامات المغرب في مجال الصحة تفرض علينا جميعا العمل من أجل تحسين مؤشرات الصحة محليا وجهويا ووطنيا". وبالرغم من المراسلات المتعددة لوزارة الصحة، فإن "المشكل لم يحل بعد بسبب تخوف الأطباء الجدد من وعورة التضاريس وقساوة الطبيعة"، يقول المتحدث، قبل أن يتوقف عند مبادرات "أطباء بلا حدود" التي كانت تقدم خدمات صحية لساكنة الإقليم وقال: "نحس وكأننا في إقليم منكوب". التخوف نفسه عبّر عنه محمد الراجي، كاتب مجلس جهة سوس ماسة، الذي رفض بالمطلق تعاقد وزارة الصحة مع أطباء أجانب، وقال إن "إقليم طاطا يعدّ مجتمعاً محافظاً ومختلفا تماماً عن مجتمع المدن الكبرى في عاداته وحيائه، ولا يمكن في ظل هذا الوضع أن يتم استقطاب أجانب للعمل في المستشفيات". واعتبر الكاتب الجهوي هذه الخطوة "حلاً يسيء إلى سمعة الوطن، ويدل على أن السياسة الصحية في المغرب تسير إلى "التخلف" وليس إلى التطور والنمو"، متوقفا في السياق عند "غياب أي تصور لمعالجة المشكل؛ فالكليات تخرج المئات من الأطباء سنوياً، وعوض الاستثمار فيهم هنا في وطنهم يتم إرسالهم إلى فرنسا وكندا". وأكمل الراجي، في تصريح لهسبريس، أن "الإقليم لا يُهتمُّ به كمنطقة نائية، حيث إن أطباء من أبناء الإقليم يرفضون العمل في طاطا بسبب عدم توفير الآليات والأدوات الضرورية ووسائل الاشتغال، وبالتالي لا نرى في جلب أطباء من السينغال حلاً مناسباً وليس معقولاً وسيكون فاشلاً؛ لأننا سنكون إزاء أطباء كانوا يعانون العطالة في بلدانهم ويبحثون عن فرص في المغرب". أما عبد العالي تكليفة، الفاعل الجمعوي في طاطا، فاعتبر أن "ساكنة الإقليم تعاني من الإهمال الحكومي منذ سنة 2009، وخلال كل هذه السنوات كانت تطالب بأطباء مغاربة إسوة بباقي الأقاليم"، قبل أن يعتبر جواب وزير الصحة الذي وافق فيه على هذا الإجراء غير "مقنع" و"ارتجاليا". "المشكل لا يكمن في تعاقد مع أطباء من خارج المغرب من أجل تغطية الخصاص، الذي يعرفه قطاع الطب العام؛ بل يكمن في غياب الوسائل اللوجيستيكية التي تسمح للأطباء بالعمل في ظروف جيدة، خلال عهد ياسمينة بادو كنا بصدد 47 طبيبا الآن لا يوجد سوى 8 أطباء"، يصرح تكليفة. وبحكم الوضع الصحي "السيء"، الذي تعيشه قرى مجاورة لمنطقة طاطا التي تعيش في عزلة قاتلة، يستحسن الفاعل الجمعوي فكرة جلب الأطباء من الخارج، بالرغم من وجود أصوات معارضة لهذه المبادرة، ويقول: "الله غالب"، لم نعد نقدر على الانتظار أكثر لأن الأمر مستعجل". ويستطرد الفاعل الحقوقي في حديثه: "لا يمكن أن نكون استثناء في كل مناطق المغرب؛ لأن هذه المبادرة ستطرح مشكل اللغة ومشكل تشخيص المرض، بحكم أن الساكنة تتحدث اللهجة الأمازيغية".