نظم مركز عناية بمراكش ملتقى ثقافيا بمدينة "تنمل" التاريخية بالأطلس المتوسط الغربي، تخللته زيارة لمعالم عمرانية كقصبة "الكندافي" التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن التاسع عشر للميلاد، والمسجد الأعظم لتنمل الذي بناه الموحدون في القرن الثاني عشر للهجرة. توقف المشاركون، خلال الندوة الاستطلاعية التي نظمت بحرم مسجد "تنمل" والتي أطرها كل من المؤرخ الدكتور محمد رابطة الدين والروائي المؤرخ عبد العزيز آيت بنصالح، عند تاريخ إعمار مدينة بحجم تنمل "التي اعتبرها المؤرخون من أعظم ما شيدته الأمم المتحضرة في القرن ال12 الهجري، إن على مستوى التحصين العسكري أو الموقع الاستراتيجي أو الرؤية العمراني". ودعا الخبراء الحاضرون إلى إيلاء المنطقة ما تستحق من الاعتبار وإخراجها من عزلة التهميش والتجاهل، حيث اعتبر آيت بنصالح أن تنمل بمسجدها الكبير "تعتبر محطة دافعة للقوة والسلطة، ووجها مشرقا لتقدم المغرب في مرحلة صعبة، مناديا المسؤولين لضرورة ربط الماضي بالحاضر، واكتمال ترسيخ مبادئ سمو الإنسان المغربي، بالاعتزاز به وتوحيده تاريخا وثقافة وهوية". كما احتفى مركز عناية في الجزء الثاني من ملتقاه الثقافي، الذي حضره ثلة من المثقفين والباحثين والإعلاميين المغاربة، بالروائي والمؤرخ عبد العزيز آيت بنصالح، من خلال مؤلفاته في الكتابة التاريخية والسرد الروائي، حيث اعتبر الباحث والناقد عبد العزيز لحويدق أن رواية "العميان" "تشيد عالمها التخييلي انطلاقا من مرجعية تاريخية تعود إلى مرحلة السلطان السعدي محمد الشيخ، وذلك وفق رؤية تراهن على نموذج إصلاحي متنور تتعايش فيه مختلف الأعراق والأديان والأصوات العالمة والشعبية واللغات الفصيحة والمحكية، الذكورية والنسائية، النقية والمدنسة". من جانبه، ذهب الباحث محمد اسموني إلى أن مساحة قلق كل غيور عن الذاكرة الجماعية "تتبدد وهو يطالع رواية "طيور السعد" للروائي عبد العزيز آيت بن صالح؛ فتجربته الإبداعية ترقى عن التهافت المحموم على التاريخ لجعله مادة جاهزة للحكي والسرد المحبوك، وتؤسس بجد لنموذج جدير بأن يحتذى به في الرواية التاريخية الأدبية". وحاولت مداخلة الباحث عبد الحكيم الزاوي أن تتشابك مع تداخلات التاريخ كاشتغال منهجي ومفاهيمي على الماضي، مع الذاكرة كتمثل ذهني ورمزي للماضي، "في علاقة لا تزال ترهن مستقبل التاريخ في شأن عودة السرد إلى مطبخ الزمن، في مدار تفكيكي يستحضر مرجعيات استوغرافيا الذاكرة لكل من بول ريكور وبيير نورا ولوسيت فالنسي". الباحثة فاطمة الجامعي لحبابي تناولت تفاعل الخطاب السردي في رؤية الكاتب بالتنويعات الثقافية التاريخية، واحتذائها بالنمط المغاير للكتابة السردية التقليدية، حيث حققت الباحثة في إمكانات تحقيق طفرة اللغة في نصية "طيور السعد"، "كارتقاء بالجمع وليس الذات، بالهوية وليس الزمن الجامح".