عاد الأمير مولاي هشام ابن عم العاهل المغربي الملك محمد السادس ليطلق النار، ليس فقط على المغرب بانتقاداته التي تتوجه مباشرة إلى أعلى سلطة في البلاد، وإنما دون أن يعفي باقي الأنظمة العربية التي تشترك جميعها في قمع شعوبها، معبرا عن تضامنه وإعجابه بالحركات الشبابية التي تقود الحراك العربي في بلدانها. عادة ما تتضمن تصريحات أو اللقاءات الصحافية للأمير مولاي هشام نوعا من الإشارات للعلاقة التي تربط "الأمير الأحمر" كما يحلو للكثير من الصحافيين نعته، والقصر في الرباط، وهي علاقة يختلط فيها الأسري بالسياسي، بعدت بين الرجلين بعدما جمعتهما قصور المملكة خلال مرحلة معينة من العمر. كشف مولاي هشام أن صلته بالعاهل المغربي تتسم الكثير من الفتور، وهو يكشف للصحافي الفرنسيذ ستيفان سميت، في حوار جمعهما، أنه التقى الملك محمد السادس لمرتين منذ اعتلائه للعرش وخلال مناسبتين عائلتين لا أكثر. وقال مولاي هشام، الذي فضل بحسب تصريحاته الاستقرار في الولاياتالمتحدة الأميركية رفقة عائلته، "أنا غير مرغوب سياسيا بالقصر"، في إشارة لمواقفه التي توصف من قبل المهتمين "بالمتقدمة ديمقراطيا" إلا أنها لا تنال رضا دوائر الحكم في المغرب. في هذا السياق يقول ابن عم العاهل المغربي: "بعد وفاة الحسن الثاني قلت للملك محمد السادس وبكل إخلاص يجب المرور إلى تغيير حقيقي و ليس الاقتصار على تشبيب المخزن، منذ ذلك الحين لم أره إلا مرتين في إطار عائلي صرف". وفيما عبر عن اعتزازه بانتمائه للعائلة الملكية في المغرب والتي يقول إنها "تحالفت مع الشعب لوضع حد للاستعمار"، فإنه يذكّر بأصوله من جانب والدته لمياء الصلح بكونه ينتمي "إلى إحدى العائلات الوطنية الكبيرة في العالم العربي". لكن الذي يجمعه بالعالم العربي ليس فقط علاقة الأبوة، فالأمير استعرض مشواره الدراسي، وكونه انكب على أبحاث فيما بعد حول "الانتقالات الديمقراطية للخروج من السلطوية". موقف راسخ من النظام المغربي يعود الأمير بمستجوبه إلى فترة الحسن الثاني ليبرز رسوخ رأيه حول الأوضاع في المغرب، فيقول:"صارحت مبكرا الملك الحسن الثاني برأيي"، معترفا بكونه "تعلم منه الشيء الكثير ومن مرافقة أبيه الذي كان يمثل أخاه في مهمات دبلوماسية بالخارج". ويضيف: بعد وفاة الحسن الثاني تمسكت برأيي في ضرورة ذهاب المخزن لتحيى الملكية وتخدم المغاربة. كما أني عبرت عن رأيي كوني ضد ملكية تحت مسئولية أمير المؤمنين في تداخل بين المسئوليات السياسية والدينية". وينفي مولاي هشام أن يكون له مشكل مع أي كان، في إشارة إلى ابن عمه الملك محمد السادس، متحدثا عن "حقه في حرية التعبير عن رأيه وبدون خطوط حمراء". ويفسر اختياره للاستقرار بعيدا عن المملكة قائلا: "تبين أني أزعج الملك فابتعدت..حضوري المكثف سيشكل عرقلة للمسار الديمقراطي في بلدي في هذه المرحلة". ولم يبد أي ندم حول هذا الاختيار، فاستقراره بالولاياتالمتحدةالأمريكية "سمح لي بتحقيق ذاتي مهنيا وشخصيا كما مكن أبنائي من أن يترعرعوا في بيئة منفتحة وحرة". أوضح مولاي هشام أنه دائما كان صريحا مع ذاته، مفيدا بهذا الخصوص "قلت ما كان علي أن أقوله وكلامي لم ينصت له لا من الحسن الثاني ولا من محمد السادس ولا من مروجي الأخبار والألقاب الذين أطلقوا عليه "ملك الفقراء" ونعتوني "بالأمير الأحمر"، أمر مضحك"، يقول الأمير. الدستور و"الأمير الأحمر" انتقد مولاي هشام الظروف التي مر فيها الاستفتاء على الدستور بشدة، معيبا "الوسائل التي وظفت لأجل دفع المغاربة إلى التصويت بنعم وشحنهم داخل المساجد بعد خطبة موجهة من وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية. وهي مشاهد، يقول "الأمير الأحمر"، "لم يشهدها المغرب حتى خلال عهد الحسن الثاني ووزير داخليّته ادريس البصري سيد الاستفتاءات". ويتساءل مولاي هشام، وإن كان مقتنعا أن غالبية المغاربة تصوت إيجابا على الدستور، "لماذا حول استفتاء إلى بيعة شعبية؟ واستعرض الأجواء التي حضرت فيه "بتجنيد الزواية البوتشيشية"، أكبر الزوايا المغربية، وما أسماه ب"العصابات المكونة من شباب منحرف والتي أوكل لها دور تكسير المظاهرات وفي بعض الأحيان استعمال العنف". وتحظى حركة 20 فبراير بتقدير خاص لدى مولاي هشام، والشباب الذي أطلقها يصفهم "بالأنبياء الشعبيين"، لأنهم "يقولون الحقيقة في الأماكن العامة". ولا يهضم كلماته، كما يقول الفرنسيون، عندما يتحدث عن مضامين الدستور الجديد، فهو بالنسبة له "محاولة من المخزن لربح الوقت الذي تضيعه البلاد بالتأكيد"، إلا أنه عبر عن "تفاؤله بمستقبل المغرب الذي من المفروض أن يسير تدريجيا نحو الديمقراطيّة". الأمير والربيع العربي يفضل الأمير أن يستبدل تسمية "الربيع العربي" "باليقظة العربية"، لأن الأول بالنسبة له مجرد "فصل عابر ودوري"، وإن كان يخلص إلى كون التسميات لا معنى لها مهما تعددت واختلفت، والأساسي بالنسبة له هو "التخلص من الأحكام المسبقة "الثقافوية" تجاه العرب والقراءات غير التاريخية للإسلام". ولا يعتقد مولاي هشام "أن العالم العربي يمكن له أن يعود إلى الوراء" في غفوة جديدة، مبرزا مجموعة من العناصر ساهمت في إشعال نار الانتفاضات في عرين العديد من الأنظمة العربية. وقال مولاي هشام في تعقيب على من يفضلون الاستمرار في الترويج لما يعرف بالخصوصية العربية لاستدامة أنظمة قمعية: "العربي المضطهد يبحث أن يتحرر من الاضطهاد كما أي شخص في العالم يعاني نفس المصير". ويحبذ ابن الراحل الأمير مولاي عبد الله أن يظل الشارع العربي بهذا الوهج النضالي و"يعبر عن رأي بطريقة منظمة ومستمرة" لأنه يرى أن الحكام اليوم يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار إرادة شعوبهم على أن يتحول هذا الشارع إلى مصرف مائي يسقي الديمقراطية". ولا يمكن للخطاب السياسي لا الليبرالي ولا الاشتراكي ولا حتى الديني أن يترجم أحلام الشارع العربي لأننا أمام سخط هذا الشارع لأجل "كرامته"، "شعار الحرية الكرامة العدالة الاجتماعية يجب أن يأخذ طريقه نحو الفعل"، على حدّ تعبير الأمير. أما التجربة التونسية الجديدة فهو متفائل بشأنها بناء على معطيات علمية سردها خلال هذا الاستجواب، وكان من أهمها العامل الديموغرافي أو "النضج الديموغرافي"، حيث يبلغ معدل الشباب 29 سنة وهو ما يساعد على الانتقال بالبلد إلى مرحلة أخرى، الأمر الذي يغيب عند اليمين مثلا التي لا يتعدى فيها 18 سنة. وسمحت الانتفاضات العربية بإعطاء روح جديدة للوطنية، سواء من خلال الشعارات أو ظهور لأعلام خلال المظاهرات، بحسب تحليل مولاي هشام، ولا يقصد بها الوطنية المتعصبة، وإنما وطنية أحيت جانب العلاقة الاجتماعية التي توارت بفعل سنوات الاضطهاد. كما يفسر حالة الجمود التي تعيشها دول الخليج، حيث ظلت على هامش الربيع العربي، بكون "عائدات النفط تحول المواطنين إلى محتاجين للمساعدات، ضعف المجتمع المدني رغم وجود طبقة متوسطة، وفرة عدد المهاجرين الذين يديرون آلة الاقتصاد وبأقل تكلفة وأخيرا غياب ضغط جيوسياسي مميز لفائدة تغيير ديمقراطي"، على حدّ تعبيره. وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، فله رأي آخر في المستقبل الذي ينتظرها، ويعتقد أن كل شيء ممكن حصوله خصوصا في إيران والعراق الذي يعتبر أن حكامه يتكونون من منفيين قدماء ومقاولي "ماركتنيغ" الإثنية، وهي دول ملغمة و يسودها فساد كبير"، متسائلا إن كان "هذا النظام سينهار إن كانت الجيوش الأمريكية سترحل؟". ولم يفت الأمير انتقاد مقاربة الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي وصفها "بالمنغلقة على نفسها"، للحراك الذي يعرفه العالم العربي، مقاربة لازالت تراهن على صفقات سلام مع الأنظمة عوض الشعوب، معتبرا أنه قد يغلق القوسين الذي فتحه هذا الحراك دون أن تلمس الشعوب العربية "توافقا تاريخيا مع إسرائيل"، و آنذاك لا يمكن لتل أبيب أن تشتكي من تكوّن شعور عربي معادي لإسرائيل. عن الأصوليين يفيد الأمير "أن مشروعهم الذي ينشد الدولة الأمة يمكن أن يجد طريق تشاركية في المستقبل إن شيد توافق على قواعد ديمقراطية"، مشيرا في نفس الوقت إلى أن "العالم العربي يمكن له أن يعرف ديمقراطية مسلمة كما عرفت أوروبا ديمقراطية مسيحية". وأصبحت الجيوش العربية في ظل الانتفاضات التي تشهدها المنطقة عاملا مهما للحسم، ويمكن أن تلعب دورا مركزيا في كسب رهان الديمقراطية في العالم العربي، بحسب رأي مولاي هشام ،لكن يقف في المقابل عند خصوصية كل جيش من بلد لآخر "ما يعقد المعادلة" على حد تعبيره. وقدم الجيش الجزائري كنموذج لأنه في نفس الوقت هو الدولة نفسها، كما أنه تحدث عن عوامل أخرى إضافية، وهو يفسر سر بقاء الجزائر بعيدا عن الحراك العربي، أبرزها "التسع سنوات الدامية التي عاشها الجزائريون نتيجة الحرب الأهلية"، كما يعتبر أن دول البترودولار عموما "تشتري غضب شعوبها ولمدة من الزمن".