توقع الأمير مولاي هشام أن تشهد الأنظمة الاستدادية في العالم العربي ثورات شعبية على شاكلة ما وقع في تونس ومصر، معتبرا في حوار مع الجريدة الإسبانية «الباييس»«أن المغرب ربما لن يشكل الاستثناء». ودعا الأمير المسؤولين المغاربة إلى ضرورة «انفتاح سياسي قبل اندلاع الاحتجاجات وليس بعد اندلاعها» مضيفا أن «ديناميكية الانفتاح السياسي التي بدأت في أواخر التسعينيات قد تم استنفادها». وحذر الأمير مما أسماه «تعدد أشكال الفساد التي تهدد استمرارية الدولة»، مشيرا إلى أن «غالبية الفاعلين الاجتماعيين تعترف بالملكية ولكنها غير راضية عن تركيز السلطات في الجهاز التنفيذي». وتزامن هذا الخروج الإعلامي للأمير مع حملة إعلامية قادتها عدة منابر إعلامية، سواء في فرنسا ك«لونوفيل أوبسيرفاتور» أو إسبانيا كقناة «كنال 24» كالت فيها العديد من الاتهامات ضد المغرب.إذا كان الانتماء إلى الأسرة الملكية يحتم على أفرادها الالتزام بواجب التحفظ، حتى لا تتم الإساءة إلى سمعتها، فإن الأمير مولاي هشام لا ينصاع إلى هذه الضوابط. وبعد سنوات عديدة من ابتعاده عن الساحة المغربية، حاول الأمير مولاي هشام الرجوع إليها، من خلال الصحافة، وتبقى محاولة جمعه بين العمل السياسي والصحافي أكبرَ تعبير عن ذلك. تحت المجهر المكان: المملكة العربية السعودية في قرية الجنادرية. الزمان: 20 يناير 2010. يستقبل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الأمير مولاي هشام. في أول اجتماع رسمي من نوعه، أقدم البروتوكول السعودي على منح الأمير مولاي هشام لقب «صاحب السمو الملكي»، مع العلم أنه في المغرب لا يُمنح هذا اللقب إلا لأفراد العائلة الملكية، الذين لهم صلة قرابة مباشرة مع الملك (أي ابنه أو ابنته) أو عن طريق ظهير شريف خاص. وبما أن والد الأمير مولاي هشام ليس ملكا، فإن لقبه هو «الأمير مولاي هشام» وليس «صاحب السمو الملكي مولاي هشام». لكن البروتوكول السعودي سوف يذهب أبعد من ذلك لتحديد القرابة المباشرة لمولاي هشام بجده الملك محمد الخامس، وبهذا يكون لقب الأمير مولاي هشام هو سمو الأمير الملكي مولاي هشام. ولم يفت المراقبين لهذا الشأن توضيح هذا الأمر الذي تجاوزته السعودية، ليس عن طريق الخطأ، بل لأسباب مدروسة. فنظرا إلى أن الأمير مولاي هشام تربطه قرابة عائلية وثيقة بالعائلة الملكية في السعودية، عن طريق ابن خالته، الملياردير الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز، فقد عرف حفل منحه هذا اللقب حضور أكثر من 11 أميرا سعوديا. شبكة شرق أوسطية بعد هذا الاجتماع الرسمي, الذي اعتبرته الدبلوماسية الأمريكية في الرياض خطوة إستراتيجيه، بدأ يتردد صدى دخول رأسمال شركة «روتانا»، التي يملكلها الملياردير السعودي الوليد بن طلال في القطب الإعلامي العالمي لروبير ميردوخ، عن طريق شركته العملاقة «نيوز كوربوريشن». ويرى المحللون السياسيون والاقتصاديون في هذا الاستثمار اختراقا إستراتيجيا للإعلام في الشرق الأوسط من طرف مجموعات الضغط الصهيونية، خاصة أن روبير ميردوخ لا يخفي ولاءه ودعمه غير المشروطين لسياسة الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن هنا، نفهم التوسع الجيو سياسي لهذا الاختراق الإعلامي، الذي نجح فيه ميردوخ، بفضل مساندة ابن خالة الأمير مولاي هشام. ولنذكّر بأن الأمير الوليد بن طلال، الذي يملك حصصا مالية كبيرة في عدة شركات سعودية ضخمة وفي عدة شركات متعددة الجنسية في حاجة ماسة إلى شبكة الأمير مولاي هشام، لكي يحافظ على مكانته القوية في عدة قطاعات، حيث لا يُرحَّب بالعرب والمسلمين، فالتاريخ سجل احتكار وهيمنة لوبيات الضغط الصهيونية واليهودية على مجموعة من القطاعات، لكننا، اليوم، نشهد هذا التعاون بين قطبين إعلاميين عالميين، والذي يجسد خليطا عجيبا بين ما هو سياسي واقتصادي وثقافي، فالوليد بن طلال يتحدر من وسط محافظ، في حين أن روبير ميردوخ معروف بمساندته للإسرائيليين ومناهضته للمسلمين، ولكنْ، يبدو أن المصالح المالية غطت على كل هذه الاعتبارات والفوارق الثقافية. وبما أن الأمير مولاي هشام متأثر بخصوصياته الأنجلو سكسونية، فهو لا يرى حدودا فاصلة بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي وما هو إعلامي، ولهذا حاول مولاي هشام، ربما بتشجيع من ابن خالته الأمير الوليد، أن يخترق الصحافة المغربية منذ بضع سنوات وأن يتحكم في خطها التحريري. بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية المرموقة «برينستون»، يقوم الأمير مولاي هشام، بفضل أموال ابن خالته، بإنشاء مركز للأبحاث حول العالم العربي. وسيقوم هذا المركز بمحاولة رصد أعمال النخبة العربية التي تعيش على قطيعة مع أنظمتها العربية. وبصفته رئيسا لهذا المركز، سوف يثبت امتلاكه صفات المثقفين الكبار والخطباء الجيدين، إلا أن كفاءته هذه كانت في حاجة إلى منابر إعلامية خارجية لكي تبرز. وتبقى أهم «خرجة» إعلامية لمولاي هشام في الصحافة هي المقال الذي نشره في يوليوز 1995 في جريدة «لوموند دبلوماتيك»، حيث أدان فيه جميع الأنظمة العربية وضمَّنه، أيضا، ورقة عن المغرب، حيث انتقد المملكة وأدان «الظلم الاجتماعي والفساد الذي ينخر المجتمع». ومع توالي اللقاءات الصحافية، سواء في «إلباييس» أو «تيفي 5» أو «إل سي إي» أو في القنوات العربية، تقرب مولاي هشام من عالم الصحافة, بشكل تدريجي, ونسج شبكة من العلاقات المهمة، دون أن ننسى مقاله الخطير الذي نشره في الصحيفة اليومية الفرنسية «لوموند»، والذي عنونه ب«الانتظارية القاتلة في المغرب»، الشيء الذي يؤكد مزاوجة مولاي هشام بين السياسي والإعلامي. ربما كان هذا شيئا عاديا في حياة أحد العامة من الشعب، إلا أنه يبقى شيئا يطرح عدة تساؤلات، عندما يتعلق الأمر بأحد أفراد الأسرة الملكية. وفي التاريخ والأعراف، فلا يحق لأي فرد من العائلة الملكية أن يتجاوز واجب التحفظ إلا بإذن صريح من الملك. سوء التفاهم الكبير بعد هذا الخروج الإعلامي المدوي، الذي أبقاه بعيدا عن المغرب لفترة طويلة، قرر مولاي هشام تغيير «إستراتيجيته»، عن طريق الاستثمار بشكل مباشر في الصحافة الوطنية، عن طريق بعض أصدقائه المقربين في الساحة الإعلامية، إذ كان على علاقة وثيقة مع بعض الأقلام الصحافية، نذكر منها مؤسس المجلة الأسبوعية «لوجورنال «، علي عمار، وقد لعب هذا الأخير دورا هاما في توسيع الخلاف بعد إصداره كتاب «محمد السادس: سوء التفاهم الكبير». وتبقى الحلقة الأكثر «تشويقا» في هذا «المسلسل» هي الانفجار الداخلي الذي شهدته أسبوعية «لوجورنال»، والذي كان أهمَّ أهدافه إخراج «الصحيفة» (النسخة العربية) من تحت إدارة الأسبوعية. وقد حدث هذا في الوقت الذي كانت علاقة أبو بكر الجامعي ومولاي هشام تعرف اضطرابات حقيقية، بسبب موقف هذا الأخير من الملكية، والذي لم يكن يتماشى مع موقف أسبوعية «لوجورنال»، الذي كان يعتبر الملكية «محافظة». وفي مقابل ذلك، تلقى صحافيون، كتوفيق بوعشرين وحسين المجدوبي، مساعدات مالية مباشرة من الأمير مولاي هشام، بغية إنشاء منابر إعلامية في الساحة الوطنية. ولا أحد يحدد لنا، بالضبط، حجم هذه المساعدات المالية ولا لأي غاية تم توظيفها. وبالإضافة إلى ذلك، تم تقديم مساعدات من نوع آخر، كتذاكر للسفر، تارة، أو حجوزات في الفنادق، تارة أخرى، والكل طبعا لنسج شبكة موالية تدافع عن «أجندة» الأمير مولاي هشام داخل المغرب. وبما أن هذه «المحاولة» لم تنجح، وبعد استنزافه جميعَ الحلول، حول الأمير مولاي هشام اهتمامه نحو وسائل الإعلام العربي والاسباني، بالخصوص، لإيصال صوته. وقد طال ذلك حتى وسائل الإعلام الفرنسية، حيث نشرت أسبوعية «جون أفريك» الفرنسية نبذة عن حياة أمير الخليج الذي يقاطعه أفراد عائلته الملكية، وهذاصحيح جزئيا، لكن ما هو خاطئ كليا هو أن هذا البورتري المنمَّق ينفي أي علاقة للأمير مولاي هشام بالأمريكيين و السعوديين. وكانت واشنطنوالرياض تساندانه في كل محاولاته لاختراق الإعلام، من خلال السفيرة الأمريكية السابقة في الرباط، مارغريت تيتويلر، القريبة من أبو بكر الجامعي، الذي كانت تحميه و«ترعاه»، عن طريق الأمير مولاي هشام، كما كان مسانَدا في الرياض من الأمير الوليد والأمير بندر بن سلطان. «لوبيات» الضغط لا ننسى أنه في الوقت الذي كانت العلاقات الدبلوماسية بين الرياضوالرباط تعاني من توتر، كان ذلك يؤثر إيجابا على علاقات الرياض بمولاي هشام. وفضلا على حبه لوسائل الإعلام، فإن مولاي هشام خدم السعوديين في عدة ملفات حساسة، ونذكر من أبرزها ملف الحوتيين في اليمن. وبفضل تجربته الدولية، نجح في مهامه الأممية بالمناطق المضطربة وفي اتخاذ عدة قرارات سياسية، سواء في كوسوفو أو في نيجيريا أو في فلسطين. لقد لجأ ملك السعودية إلى مولاي هشام لكي يلعب دورا هاما في الوساطة مع الحركة الشيعية المتمردة لعبد المالك الحوتي. ويزعم أنه، بفضل علاقات مولاي هشام الجيدة مع الأطراف اللبنانية، خاصة «حركة أمل» لنبيه بري، وعن طريقه مع «حزب الله»، ساهم في خفض حدة التوتر بين المتمردين الزيديين والقوات السعودية، كما أنه كان وراء الاتفاق الضمني لضبط النفس، والذي احترمه الطرفان منذ ذاك الوقت، ومن هنا، يفسر حضور العديد من الشخصيات العسكرية السعودية عالية الرتبة في حفل الجنادرية، الذي منحه فيه الملك السعودي لقب «سمو الأمير الملكي». والآن, وفي الوقت الذي ينشغل ب«تقاعده» في أمريكا، حيث يهتم بالعلاقات الدولية والنزاعات العالمية، ينبغي على مولاي هشام إغلاق ملف معارفه داخل معاقل الصحافة المغربية، والذين لا يقومون بشيء سوى الإساءة إليه... وينبغي، أيضا، أن يوضح للرأي العام من هم الصحافيون والأطراف التي استفادت من المساعدات المالية التي قدمها، وما قدرها... ولا شك أن الجميع سمع ما قاله الصحافيون بهذا الخصوص، بعضهم أنكروا بشكل قاطع أي علاقة لهم بالأمير وبعضهم اعترفوا بتلقيهم بعض المساعدات. وسيكون جيدا لو وضح مولاي هشام نفسه من هم المستفيدون من هذه العلاقات ومن هم «المشرفون» عليها. ووفقا لما يقوله علي عمار، فإن مولاي هشام كان يزور بيته كثيرا وكانت علاقتهما جد وطيدة إلى درجة أن عمار كان يصفها ب«الأخوية»، فقد كانا يتناقشان كل المواضيع، بما فيها «الطابوهات»... ويزعم ضمنيا أن مولاي هشام، بعد فشله في إيجاد مكان له في الدائرة الضيقة للسلطة، أراد أن يمول منابر إعلامية، تخريبية بامتياز، لإدارتها بعد ذلك وتوظيفها كقوة مضادة للسلطة القائمة، وذلك بمفهوم ديمقراطي وليس رجعي,. هكذا، وبعد الأزمتين المتتاليتين اللتين مرت بهما أسبوعية «لوجورنال» خلال سنة 2000، عرض مولاي هشام مساعدته على الأسبوعية، باقتراحه أن يكون مساهما أساسيا فيها. وقد اتفق كل الشركاء على عملية البيع، إذ كان هذا هو الحل الوحيد لإنقاذ الأسبوعية واستمرارها في الصدور. لم يتم الإفصاح عن رقم هذه العملية، إلا أن قيمتها تُقدَّر بعشرات ملايين الدراهم. وقد رغب مولاي هشام في أن تتم العملية في الخفاء، في حين أن الصحافيين أرادوا أن تتم في العلن. وفجأة، «انقلبت» الأوضاع، فمولاي هشام، ولأسباب مجهولة، لم يعد متحمسا لإتمام عملية الشراء، لكنه مستعد لتقديم المساعدة عن بعد. وبهذا فشلت العملية وألغيت هذه الصفقة. وهناك من المراقبين من لا يتوانى في مقارنة مولاي هشام برجل الأعمال الجزائري عبد المومن رفيق خليفة، الذي اغتنى عن طريق الإعلام، بشكل متسارع، لكن سقوطه كان سريعا أيضا. ولتفادي السقوط في صدام مباشر مع السلطة، فضّل مولاي هشام الانسحاب بشكل كلي من هذه «العملية»، التي كانت ستضعه في موقف حرج... المؤسسة في الوقت الذي ظن الجميع أن الأمير مولاي هشام تفرغ لمؤسسة «مولاي هشام لأبحاث العلوم الاجتماعية حول شمال إفريقيا والشرق الأوسط»، حيث كان ينظم ويعطي محاضرات في الجامعات العالمية الراقية، تبيَّن أن مقالات الأمير, وحتى تلك التي لا تمت بصلة إلى المغرب، ما زالت تحدث عدة زوابع، ففي الصيف الماضي، نشر مولاي هشام عمودا في «لوموند دبلوماتيك» عن المفكرين العرب. وقد كان ذلك التأخير في التوزيع كافيا لكي تتحرك الرقابة للتدخل، علما أنْ لا مولاي هشام ولا الجهة الناشرة تقدمتا بملاحظة بهذا الخصوص. واليوم، يبقى الحل الوحيد أمام مولاي هشام لاستعادة حبه للصحافة هي أموال الأمير الوليد واستثمارها في تطوير أعمال مؤسسته الجديدة المتخصصة في الأبحاث الاجتماعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. هذه الدراسات، حسب صاحبها سوف تهتم بالتطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمعات في هذه المنطقة الإستراتجية. وزيادة على عقد الندوات والمنتديات والملتقيات المتخصصة، ستقوم المؤسسة بإنتاج الأفلام الوثائقية وطبع ملحقات موضوعاتية حول الحكامة الجيدة، سوف تساعد على تغيير جذري في عقليات المسلمين والعرب. وكل هذا يتطلب إمكانيات مادية هائلة، وبما أن الوليد استطاع استثمار أمواله في قطب ميردوخ الإعلامي، فهو لن يتوانى عن مساعدة قريبه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سنشهد، بعد ذلك، تعاونا بين ميردوخ ومولاي هشام?! لا يجب أن نتسرع في تقييم الأمور، لأن مثل هذه القرارات الإستراتيجية لها بعض التداعيات السياسية الكبيرة، ودخول ميردوخ إلى الوسط الإعلامي الشرق الأوسطي يشجع، بشكل مباشر، عملية التطبيع مع إسرائيل، ولهذا، سيكون من باب الحكمة بالنسبة إلى «الأمير الأحمر» أن ينتبه، وبشدة، إلى مصادر تمويله لهذه المشاريع الثقافية والإعلامية الكبرى التي ينوي إطلاقها عبر مؤسسته، وهو يعرف, أكثر من غيره, أن «القليل يفسد الكثير»...