لَطالما سَعَتْ جبهة "البُوليساريو" الانفصالية إلى جَذْبِ تعاطف المنتظم الدولي لمناوراتها من خلال بيع نفسها ك"ممثل شرعي وحيد للشعب الصحراوي"، غير أنَّ حملة الاعتقالات التي باشرتها مؤخرا في حق عدد من المعارضين الصحراويين لتوجهاتها، بات يَفْضَحُ الأساليب "المُلتوية" التي تتبعها قيادات الخط الأول داخل التنظيم الانفصالي، خاصة في سياق اقتراب صدور تقرير مجلس الأمن بخصوص الصحراء المغربية. ويبدو أن تزايد عدد معارضي الطرح الانفصالي الحالي داخل الجبهة بات يقلق "البوليساريو"؛ إذ اعترف البشير مصطفى السيد، القيادي البارز داخل التنظيم، بأن "أي شخص قرر أن يخرج من البوليساريو، أو يسعى إلى تأسيس منظمة جديدة، لن يستحق الرحمة أو التعاطف من جانبنا"، قبل أن يضيف في شريط فيديو نشرته مواقع انفصالية أن "الجبهة ستظل إطارا مفتوحا ومنبرا شاملا للصحراويين، ولن نتسامح مع كل من يدعو إلى التفرقة لأنه يحرم نفسه من أي عطف من قبل القيادة الحالية". ويأتي سياق خروج القيادي الانفصالي بهذه التصريحات في الوقت الذي أعلنت فيه وجوه بارزة داخل الجبهة إطلاق مبادرة جديدة، تدعى "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير"، التي تتخذ من إسبانيا والبرتغال مقرا رئيسيا لكل أشغالها؛ إذ أكدت أن "خيار التغيير يظل الرهان الوحيد والناجع للخروج من نفق الانسداد الحاصل ومعالجة التداعيات السلبية لكل مناحي الاختلالات حيث لا سبيل إلى تفعيل هذا الخيار غير حوار وطني جامع شامل لكل الأطياف". وهاجمت المبادرة المُعارِضة قيادات الصف الأول داخل التنظيم الانفصالي، وعبّرت عن رفضها لما وصفتها ب "أوضاع كارثية في المخيمات"، قائلة إن "القيادة الحالية تُقصي أي صوت صحراوي ينادي بالإصلاح من داخل الجبهة، وتُخوِّن الكثير من الصحراويين بسبب آرائهم المختلفة التي لا تتوافق مع رأي القيادة السياسية التي سرقت الجبهة منذ سنوات". وكانت اللجنة التحضيرية للمبادرة قد دعت "كافة ساكنة المخيمات" لمؤازرتها من أجل "وضع حد لكل مظاهر الانحراف والفساد والتجاوزات"، و"خلق آليات وخطط عمل تحتكم إلى الرقابة والمحاسبة، في ظل واقع مترهل"، على حد تعبيرها. وفي ظلّ التغيّرات الحالية، خاصة مع قرب إصدار مجلس الأمن لقراره بخصوص قضية الصحراء المغربية، والتوتر الذي عرفته المنطقة مؤخرا، يزداد الضغط على معارضي الأطروحة الانفصالية داخل الجبهة، من أجل دفعهم إلى الصمت، لا سيما وأن تقرير غوتيريس نبّه إلى حالة الاحباط المتزايدة داخل المخيمات. مطلب التغيير والإصلاح داخل المخيمات وداخل تنظيم جبهة "البوليساريو" اعتبره المحلل السياسي الخبير في ملف الصحراء، نوفل البعمري، "ليس وليد اليوم"، متوقفا عند "أحداث أكتوبر 1988 التي كانت بمثابة انتفاضة جدية بالمخيمات خاضها أعضاء بارزون داخل التنظيم، إلا أنها جوبهت بالقمع والاعتقالات والاغتيالات التي تمت في صفوف المعارضين، كذلك ملف الاختطافات التي تعرفها المخيمات في العديد من المحطات بسبب رأي مخالف لقيادة الجبهة ومعارض لها"، على حد قوله. وتابع المحلل السياسي ذاته في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قائلا: "اليوم هناك عدة أصوات بدأت تبرز، أغلبها فرض عليه العمل خارج المخيمات، من بينها خط الشهيد، ومنهم من اختار العمل السري، كشباب التغيير الذي احترف الاحتجاج بالكتابة على الجدران ورفع الشعارات المطالبة بالتغيير وفضح القيادات الفاسدة". وتوقف الخبير في شؤون الصحراء عند المبادرة الصحراوية للتغيير التي تعد آخر صوت مُنظَّم أحرج البوليساريو، خاصة وأنها تتشكل من قيادات وممثلي الجبهة على المستوى الدبلوماسي؛ ما ضمن لهم بعض الحماية، وقال: "رغم ذلك، فهم كغيرهم عرضة للتشهير والشائعات التي تظل السلاح القاتل لكل صوت معارض؛ إذ بمجرد ما يبرز إلا ويُتَّهم بالعمالة للمغرب وبالخيانة"، مضيفا: "تظل الشائعة أسهل وسيلة لعزل المعارضين، قبل أن يتم الفتك بهم في ظل عزلة المخيمات وعدم وجود أية آلية لحماية ساكنتها ومعارضي الجبهة".