تعدّ الجماعة الترابية "القليعة" واحدة من المناطق الأكثر تعقيدا على مختلف الأصعدة، وهي تنتمي إلى عمالة إنزكان آيت ملول، بجهة سوس ماسة؛ وقد انبثقت عن الجماعة الحضرية لآيت ملول، إثر التقسيم الجماعي لسنة 1992، إذ كونت مجالا قرويا تتوسطه أنوية سكنية قديمة، تطورت بشكل ملحوظ إلى أن كونت مركزا بمقومات حضرية، تحيط به دواوير وأحياء نبتت إثر طفرة البناء العشوائي، والتطور الديمغرافي؛ ما جعل واقع البنيات التحتية ومستوى الخدمات الاجتماعية يئنُّ موازاة مع الخاصيات الديمغرافية والمجالية والعمرانية لهذه الجماعة. شارع رئيسي مهترئ لا يخال للمرء وهو يدخل إلى القليعة أنه يتواجد وسط مدينة، فالشارع الرئيسي الوحيد الذي يخترقها ظل لسنوات مثار امتعاض الساكنة ومستعمليه للعبور إلى الحواضر المجاورة، حيث الحفر وتآكل الجنبات، وغياب تغطية مخلفات بعض الأشغال، تجعل استعمال هذا المحور ضربا من المغامرة؛ وتنضاف إلى ذلك العشوائية البادية لوقوف العربات بجنباته، في حين تزيد أعداد حافلات النقل المزدوج من تعقيد الأمور؛ ناهيك عن "امتصاص" جانب من الملك العمومي من طرف المحلات التجارية والمقاهي الشعبية. "الوضع الحالي للشارع الرئيسي بالقليعة، بما يتسم به من كافة مظاهر الفوضى، واهتراء كلي، يدفعنا إلى البحث عن محاور تُجنبنا المرور من وسط هذا الشارع الاستثنائي"، يقول محمد، وهو موظف بإقليم اشتوكة آيت باها، يضطر إلى التنقل اليومي من مقر سكناه بإنزكان إلى عمله، ضمن المسار الذي تتوسطه مدينة القليعة، مضيفا أن "أوقات الذروة، وما تشهده القليعة من حركة دؤوبة لعربات نقل العاملات والعمال في الضيعات والمصانع ومحطات التلفيف، تجعل استعمال هذا الشارع أمرا مستحيلا، لمن يرغب في الوصول إلى عمله في الوقت المحدد، ولمن يريد الحفاظ على هيكل عربته وعلى روحه أيضا". وكم عجّت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترات المطيرة بصور وتعليقات ساخرة، نقلت تحول هذا الشارع إلى برك ومستنقعات، تُعرقل مرور العربات والأشخاص. كما تحل المياه ضيفا على البيوت، حيث يبدو للعيان غياب قنوات تصريف مياه الأمطار، ما يجعل وجه القليعة الرئيسي يتلطخ بالأوحال والمياه الراكدة، فيعم استياء في صفوف الساكنة وعموم مستعملي المحور الطرقي، سرعان ما ينجلي، لتظهر الأوجه الأخرى لواقع المسلك الأساسي، وتستمر المعاناة اليومية معه، في انتظار التفاتة من الجهات المعنية بحال القليعة. الأمن والصحة والتعليم.. وصبر المواطنين إفادات استقتها هسبريس من ساكنة القليعة اعتبرت أن الوضع الأمني لازال في حاجة إلى مزيد من الجهود من أجل استتباب الأمن بالمنطقة، والقضاء على بؤر الجريمة؛ وأرجعوا ذلك إلى تواجد مركز وحيد للدرك الملكي، ونقص ملحوظ في موارده البشرية واللوجستيكية. كما أن انتشار ترويج الممنوعات في واضحة النهار، إذ أصبحت مشاهد أفواج بشرية تقصد إحدى الغابات المجاورة من أجل التزود بالمخدرات تتكرر يوميا، غير بعيد عن مركز الدرك، ما يقتضي التدخل الحازم لاستئصال أحد أبرز مسببات الجريمة، التي أضفت على القليعة صفة المدينة المُصدرة للإجرام إلى بواد وحواضر مجاورة. كما تتم المطالبة بإحداث مفوضية للأمن استنادا إلى حجم الكثافة السكانية، لأجل تعزيز الإحساس بالأمن لدى المواطنين، حسب تصريحات متطابقة للساكنة. الواقع الصحي بالقليعة لا يمكن أن يكون أحسن حالا من باقي القطاعات التي تشهد تهميشا حادا في كل شيء، فالمركز الصحي بهذه الجماعة يتناوب على تقديم خدماته طبيبان فقط، إذ لم تُراع في تعيين الموارد البشرية به الكثافة السكانية، ولا الوضع الاجتماعي لغالبية القاطنين، ما يزيد من جرعات ألم المرضى. كما أن قطاع التعليم يشهد بدوره اكتظاظا ملحوظا داخل الفصول الدراسية، أملاه تزايد أعداد التلاميذ في مختلف الأسلاك التعليمية، بالإضافة إلى تكدس المؤسسات في جانب واحد من المدينة، ما يزيد من معاناة الأمهات والآباء، ويؤثر سلبا على مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ والتلميذات. محمد بكيز، رئيس الجماعة الترابية القليعة، لم ينفِ في تصريح لهسبريس أن تكون جماعته بمواصفات قروية؛ "فهي جماعة حضرية من حيث الوثائق، وأشبه ما تكون بجماعة قروية منذ سنة 2009"، ومرد ذلك إلى كونها "نتاج الكثافة السكانية التي تتجاوز 100 ألف نسمة، ناجمة عن النمو الديمغرافي الذي يتراوح معدله 5.6 في المائة سنويا"، وفق تعبيره، مضيفا: "كما شهدت المنطقة انتعاشا للبناء العشوائي في سنوات 2010، 2011، 2012، ما خلق عدة أحياء هامشية ناقصة التجهيز وتفتقر إلى جل البنيات الأساسية والخدمات الاجتماعية والترفيهية". وأوضح المسؤول الجماعي: "عند تحملي مسؤولية تدبير شؤون هذه الجماعة سنة 2015 وقفت على وضع كارثي، إذ كانت تنعدم في القليعة الطرق، باستثناء بعض منها أُنجزت في إطار برنامج تأهيل المراكز القروية، والتي سرعان ما اندثرت وتلاشت بسبب تصريف المياه العادمة من البيوت إلى الأزقة؛ وهي الأوضاع التي تتطلب منها جهدا مضاعفا، وتحتاج إلى صبر المواطنين". "الشارع الرئيسي مثلا لا يمكن للمرء استعماله إلا إذا كان مضطرا، فهو متآكل، ومتهالك ومهترئ، بسبب الأشغال، ومن المنتظر تأهيله في إطار برنامج سياسة المدينة، بغلاف مالي يُناهز 5.6 ملايين درهم، يضم تصريف مياه الأمطار بموجب اتفاقية ملحقة"، يقول محمد بكيز. "مشروع الصرف الصحي المنعدم كليا في القليعة وجدناه بدون تمويل لباقي أشطره..الشطر الأول ممول ب3 ملايين درهم من طرف وزارة الداخلية، والباقي تمويل من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، سرعان ما توقف في 18 شتنبر 2015، عند 30 في المائة من الأشغال، وبعد مفاوضات عسيرة، تم استئناف الأشغال، التي انتهت في أبريل 2016. والآن انطلق الشطر الثاني، الذي يهم الجانب الأيمن من الشارع، بقيمة مالية تناهز 25 مليون درهم، وسيهم الأزقة والشوارع. وتم فتح الأظرفة لباقي الأشهر في 8 مارس 2018، على أن تنطلق الأشغال في يوليوز المقبل"، يورد المسؤول ذاته. إفراغ المطمورات كارثة بيئية غياب محطة لمعالجة المياه العادمة ساهم في انتشار ظاهرة إفراغ المطمورات بواسطة صهاريج مجرورة في فضاء غابوي مفتوح غير بعيد عن مركز القليعة، ما ينجم عنه انتشار الروائح الكريهة والحشرات المضرة وإضرار جليّ بالمجال البيئي. وقال بشأن ذلك رئيس المجلس إن "تدخلات ومرافعات عديدة تمت من أجل إخراج هذا المشروع الإستراتيجي إلى حيز الوجود في أقرب الآجال؛ وذلك لتجنيب القليعة كارثة بيئية حقيقية"، وزاد: "كما يعرقل غياب قنوات الصرف الصحي تمويلات لتهيئة الأزقة والشوارع والطرقات. وحسب وعود تلقيناها سيتم حل هذا المشكل العالق في أفق سنة 2021". وعن الجانب الأمني والصحي والتعليمي أوضح بكيز: "الجماعة وضعت رهن إشارة المديرية العامة للأمن الوطني بقعة أرضية من أجل بناء مفوضية للشرطة؛ كما كان الأمن موضوع لقاء مع رئيس الحكومة، بعد أن تلقينا وعدا من وزير الداخلية بتحديد سنة 2017 لبناء المفوضية. كما أنه يُنتظر إحداث مركز ثان للدرك بحي "بنعنفر"، في انتظار التحاق عناصر الأمن الوطني. أما في الجانب التعليمي، ومن أجل محاولة تجاوز الوضع الحالي، تم اخيار عدة بقع أرضية من أجل بناء مدارس وإعداديات وثانويات، خصوصا بالقليعة الفوقانية، وذلك بشراكة مع وزارة التربية الوطنية. وعن القطاع الصحي، فالوضع كارثي؛ طبيبان ل100 ألف نسمة، ثلاثة مستوصفات، واحد منها فقط مؤهل، والآخران في حالة متردية، وننتظر تعيين أطر طبية وتمريضية وتعزيز العرض الصحي بالمدينة". هي إذن مدينة أشبه بقرية، دبّت العشوائية في كل مناحي الحياة بها؛ أحياء مهمشة، أزقة تفتقر للصرف الصحي والتبليط، دواوير ببنايات عشوائية، أسواق غير منظمة ومنتشرة بشكل ملفت، حتى وسط الشوارع والأزقة والأحياء، احتلال واضح للملك العمومي، شارع رئيسي يحمل الاسم فقط...كلها وأخرى مظاهر تخدش وجه هذه المدينة الاستثنائية، غير أن رئيس المجلس الجماعي يرى عكس ذلك، بل متفائل بمستقبل المدينة، "التي تحاول تجاوز تراكمات سنوات خلت؛ كما أن حجم المشاريع المستقبلية، في جوانب تحسين الخدمات والاعتناء بالفضاءات الخضراء والترفيهية وبفئة الشباب عبر بناء ملاعب وتجهيزها، والمجهودات المبذولة في مجال النظافة والماء والكهرباء وغير ذلك، ستغير معالم المدينة وأحياءها، بشراكة مع مختلف السلطات والشركاء"، على حد قوله.