أشغال حفر سرعان ما تنتهي بالشارع الرئيسي الذي يخترق مركز القليعة، لتتوقف ردحا من الزمن، قبل تنطلق أخرى.. ذلك هو المشهد العام الذي ظل لصيقا بهذه الجماعة الترابية منذ سنوات، غير أن المتضرر الأكبر من هذه المتوالية هم السكان ومستعملو الطريق الجهوية رقم 105، الذين يجدون أنفسهم مُجبرين على سلك هذا المحور من أجل الوصول إلى مقرات عملهم في الأقاليم المجاورة. وتصنّف جماعة القليعة، الواقعة على بعد نحو 25 كيلومترا عن عاصمة سوس، أكادير، والتابعة لعمالة إنزكان آيت ملول، ضمن المناطق الأكثر تعقيدا، على المستوى الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعمراني، وتواجه، استنادا إلى إفادات عدد من متتبّعي الشأن المحلي، إكراهات تنموية ثقيلة، أبرزها البنيات التحتية الأساسية، وهي إكراهات فرضها التوسع العمراني والنمو الديمغرافي، لكون هذه الجماعة تعد محطة استقطاب لليد العاملة المشتغلة في المجالين الزراعي والصناعي، إلى جانب قربها من مراكز حضرية مهمة كآيت ملول. نقائص تنموية كانت ولا تزال واقعا بجل الدواوير والأحياء التابعة لهذه الرقعة، وأرخت بظلالها على مختلف مناحي حياة الساكنة، وأثرت بشكل سلبي على مستوى الخدمات الاجتماعية، كالصحة والتعليم إلى جانب قطاع الأمن. وتجترّ الساكنة مرارة الوضع المتردي، وتجد نفسها مُجبرة على التكيّف مع هذا الواقع، في انتظار انفراج قد يأتي أو لا يأتي. لكن عندما يتعلق الأمر ب"وجه" الجماعة، أي مركزها وشارعها الرئيسي، فالزائر أو العابر له لن يكون إلا مشدوها أمام حجم استمرار أشغال الحفر، تارة طولا، ومرة أخرى عرضا، دون أن تُكتب لها النهاية. في تصريح لهسبريس، قال أشرف كانسي، وهو فاعل جمعوي بجماعة القليعة، إن السكان والمارين بالطريق الرئيسية التي تخترق المركز، يعيشون "معاناة يومية بسبب رداءة الطريق الرئيسية، التي لم تعرف الصيانة بعد، جراء الحفر، من أجل تمرير قنوات التطهير السائل، وضعف آليات ترافع الجماعة لدى وزارة التجهيز والقطاعات المعنية لصيانة هذه الطريق الهامة على مستوى عمالة إنزكان آيت ملول". كما تعرف هذه الطريق "أزمة سير خانقة غير عادية، خصوصا في الفترات المسائية، لغياب مواقف للسيارات والعربات، ولرداءتها واحتلال الملك العمومي". وفي الجانب الأمني، لا يمكن الحديث عن جماعة القليعة دون الإشارة إلى ما تشهده من واقع مقلق من الناحية الأمنية، بالنظر إلى حجم تفشي الجريمة ومختلف مظاهرها، مما أفضى إلى نعتها ب"عاصمة الإجرام"، التي تسمح بعشعشة وتصدير كل السلوكات المنحرفة، أبرزها الإجرام بكل تمظهراتها وتجلياته ومسمياته، وهو الأمر الذي استعصى على مدبّري الشأن الأمني حلحلته، بالنظر إلى تواجد مركز وحيد للدرك الملكي، تُطرح عليه تحديات الوسائل اللوجستية والموارد البشرية الكافية للتصدي الاستباقي والبعدي للجريمة، وهو الأمر الذي دفع هيئات المجتمع المدني، غير ما مرة، إلى مراسلة كل الجهات المسؤولة طلبا لاستتباب الأمن. وعبر الفاعل الجمعوي بجماعة القليعة، أشرف كانسي، عن قلقه "إزاء الوضع الأمني الكارثي بالقليعة، والمنحى الخطير للانفلات الذي أضحت تعرفه المدينة، مما يهدد حق الأفراد والجماعات في ممتلكاتهم وحياتهم وسلامتهم البدنية، التي تضمنها المرجعية الحقوقية، وخاصة العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان". وأضاف كانسي "نطالب وزارة الداخلية مجددا بالتدخل السريع والعاجل لحماية سكان المدينة، الذين يتجاوز عددهم 100 ألف نسمة، بخلق مفوضية للشرطة بالمنطقة، إلى جانب تعزيز الإمكانيات والموارد البشرية بالمركز الترابي للدرك الملكي". وعن الأسباب الرئيسية لظاهرة الإجرام بمدينة القليعة، أوضح كانسي أنها "تتعلق بالدرجة الأولى بالفقر والحاجة واستهلاك المخدرات، إذ أضحت بعض أحياء المدينة سوقا مفتوحة لترويج شتى أنواع المخدرات". وأضاف "قمنا، من موقعنا الجمعوي، بتنظيم حملات موازية للحد من هذه الظاهرة، من خلال حملات توعوية بالمؤسسات التعليمية، والتحسيس بخطورة المخدرات على صحة التلاميذ والمجتمع المغربي برمته". وفي معرض ردّه على الوضعية الحالية التي يعيشها مركز جماعة القليعة، قال محمد بكيز، رئيس المجلس الجماعي، في تصريح لهسبريس، إن الوضعية الحالية التي تشهدها الطريق الجهوية رقم 105، التي تخترق مركز الجماعة، ناجمة عن أشغال التطهير السائل وتصريف مياه الأمطار، وهو "مشروع متكامل تبلغ قيمته المالية 56 مليون درهم، يتضمن التطهير وتصريف مياه الأمطار والتشجير والإنارة العمومية والتعبيد على طول 6 كيلومترات، وبلغت نسبة تقدم الأشغال به 80 في المائة"، يضيف بكيز. المسؤول الجماعي ذاته كشف أن "عددا من الطرق الداخلية المهمة سترى النور، كالطريق الإقليمية 1005 (الشطر الأول)، وستسهل الولوج إلى المدينة، كما ستحرك العجلة الاقتصادية بها، زيادة على إضافة خط جديد لحافلات النقل العمومي بين توهمو والقليعة عبر العزيب، إلى جانب تقوية شبكة الإنارة العمومية في مجموعة من الدواوير والأحياء بمصابيح صديقة للبيئة واقتصادية، وننتظر انتهاء الأشغال في مشروع التطهير السائل بالأزقة داخل الأحياء من أجل تعبيدها". وبخصوص الجانب الأمني، أوضح بكيز أن المجلس الجماعي صادق بالإجماع، خلال الدورة العادية الأخيرة، على وضع المقر القديم للجماعة رهن إشارة المديرية العامة للأمن الوطني، كما سبق أن رفعنا ملتمسا إلى وزير الداخلية ورئيس الحكومة من أجل إحداث مفوضية للشرطة. ومن الخطوات التي نعتزم القيام بها تخصيص مبلغ مالي من أجل تجهيز مقر مفوضية الشرطة بالمقر القديم للجماعة، مساهمة من المجلس في تعزيز الأمن لدى المواطنين، وفق الاختصاصات المخولة للجماعة". هي إذن قرية ارتقت إلى مدينة، لكن مظاهر البداوة ما زالت بادية على مختلف مناحي الحياة بها، فالداخل إلى أحيائها ودواويرها الداخلية سيكتشف حجم الخصاص في البنى التحتية، يُضاف إلى ذلك مشكل التغطية الأمنية، التي تُعدّ أبرز مطالب الساكنة، بالنظر إلى الاستهداف المستمر الذي يطال سلامتها الجسدية وممتلكاتها، بالإضافة إلى خطر ترويج الممنوعات على أبنائها. ويبدو أن الطريق لا يزال طويلا لانتشال هذه الرقعة من هذا التهميش، والارتقاء بها إلى مصاف الجماعات القريبة التي تشهد تحسنا في مؤشرات التنمية، كما أن التعجيل بإحداث مفوضية للشرطة من شأنه اجتثاث منابع الجريمة، على الأقل بالمركز.