عزمت على حضور اللقاء التحضيري لمؤتمر " اتحاد مدوني المغرب" ، الساعة تشير الثامنة صباحا ، عيني لم تذقا النوم بعد، لأني تورطت في تنظيم حاسوبي و ترتيبه ترتيبا يسهل العودة إلى محتوياته بسهولة ، امعائي ينبعث منه مواء كمواء القطة في الليل الدامس ، قدمي مجمدتين ، عيني حمراوتين ، جسدي أصابه ارتخاء ، قلبي ينبض فرحا بما قمت به من تنظيم لعملي . "" أسمع طرقا على باب المنزل ، تذكرت موعدي مع زميل المدون رشيد ، فتحت له الباب فعانقته و عانقني ، و ذهبت به إلى قاعتي ، سألته عن الفطور ، فأجابني أنه تناول وجبة الفطور ، هيئت حقيبتي و أوراقي ، و أخذت مصورتي ، و اتجهت أنا و زميلي إلى "المحلبة " مباشرة ، تناولت ما يقيم صلبي من " شاي " و " مسن" ، و انطلقنا مسرعين للبحث عن طاكسي صغير لينقلنا إلى حي الرياض ، أشرت بيدي لطاكسي تمر بالقرب منا ، توقفت ، فركبنا، و أوصلنا إلى حيث نريد . الحي الذي نزلنا به حي لطبقة راقية ، الفيلات متناثرة هنا و هناك ، اتجهنا صوب منزل " الدار الكبيرة " مستعملين في ذلك الخريطة التي أمدنا بها أبو معاذ صاحب المنزل ، و على بعد أمتار معدودة و في الصباح الباكر رأينا من بعيد شابا و سيما فارع الطول ينظر تجاهنا ، و لما اقتربنا منه قال لنا و الابتسامة تعلو محياه : "هي هذي الدار الكبيرة" فسلم علينا بحرارة و استقبلنا أيما استقبال . ولجنا منزل " الدار الكبيرة " ، و هي دار كبيرة حقا و صدقا مترامية الأطراف و هل يخفى ذلك ، وهي في أرقى حي من أحياء الرباط حي الرياض ، لما دخلت أجد أمامي في قاعة الضيوف زملائي المدونين من الشباب و الشابات ، ينتظروننا لافتتاح أشغال عمل اللجنة التحضيرية ، قام سعيد يسلم علي و هو يقول لي هل أنت هو فلان أنت أنت ، و تبعه محمد الذي أعرفه مند مدة عانقني بحرارة ، و ماهر ذا السمت الحسن يستقبلنا بابتسامته المشرقة ، لكنه الذي فاجأني هو حضور أختنا المدونة سعاد بصحبة أحد صديقاتها ، فغمرني إحساس جميل ممزوج بحرارة اللحظة و دلالات اللقاء ، الذي يمكن أن أقول عنه إنه يوم تاريخي في مسار شباب المغرب الباحث عن الحرية و الكرامة و المواطنة بلغة القلم لا بلغة السيف ، لقاء تشارك فيه المرأة المغربية العفيفة المناضلة المبدعة التي اتخذت من شبكة الإنترنيت مجالا لتواصل مع العالم بغية التعبير عن أفكارها النيرة و أحلامها النبيلة . التواصل المباشر في عالم الحقيقة ليس كالتواصل في عالم الافتراض ، هؤلاء الشباب المدون المغربي جعل من " الدار الكبيرة " مكانا لتألق القيم الإنسانية النبيلة التي كانت محاصرة في عالمنا الافتراضي على شبكة الإنترنيت ، لكن روح التألق و الإبداع سواء في كلا العالمين ، يبقى حاضرا وبقوة ، إلا أن في " الدار الكبيرة" حضرت الابتسامة الصادقة ، و التنهيدة المتأملة ، و الحركة العفيفة ، و النظرة المستبصرة ، و الكلمة الطيبة ، و النقاش الجاد ، و المنهجية الصارمة ، كل ذلك من أجل قضية واحدة ، و هي قضية الإنسان المغربي الشاب الباحث عن الحرية عبر الريشة و القلم و الصورة ، لمد جسور الحقيقة في أرجاء الإنسانية جمعاء . لما حضرت هذا اللقاء ، حييت من جديد ، ذهب النوم ، و انقشعت القوة من وراء ضباب العياء ، أحسست أني أساهم مع شباب مغربي رفيع في صناعة مغرب الغد المشرق ، شباب تسلحوا بالعلم و المعرفة في كتيبة التدوين و المدونات ، فكانت الهمة دافعهم و النهضة غايتهم . اخترنا مسيرا للقاء و هو الأخ المحبوب " سعيد " و اقترحنا جدول الأعمال وصادقنا عليه ، وافتتحنا اللقاء بقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ، ثم تلته حصة لنقاش واقع التدوين و المدونات المغربية و منهجية الانتقال من عالم الافتراض إلى عالم الواقع المعيش ، فكان النقاش ساخنا في جو من الأدب الجم و الأخلاق العالية ، فتفتقت في هذا اللقاء أفكار جديدة و معاني مبدعة مفعمة بروح الشغب اللذيذ . كانت لحظة مؤثرة في هذا اللقاء ، حيث أخذت الأخت المدونة الفلسطينية الأصل سعاد من حقيبتها كيسا بلاستيكيا ، يظن الناظر إليه أنه مملوء بالتمر أو الحلوى أو الكرموس المجفف ،فكانت الحقيقة المدهشة هو أن الكيس مملوء بتراب باحة المسجد الأقصى المبارك حوله من رب العالمين ، وكأن لسان حالها يقول قضيتنا الكبرى نحن معشر المدونين المغاربة هي قضية الأمة و الإنسانية جمعاء ، قضية العدل و مجابهة الظلم . [email protected]