لم يثبت أبدا لدى الأطباء أن رمضان كان سببا في تدهور الصحة لدى شخص صائم معافى وسليم بدنيا وذهنيا، لكن مع ذلك فللصيام «أعباؤه» «الصغيرة» على الجسم التي لا تدعو إلى الخوف أو القلق بقدر ما تكون تعبيرا عن قدرة الإنسان على التأقلم والتكيف مع واقع الإمساك عن الطعام والشراب طيلة اليوم. هذا ما يمكن أن نصطلح عليه بالبدايات « «الصعبة» لرمضان التي يسهل التخلص من أعراضها بسهولة كلما تعرفنا على مغزاها ومعناها من الناحية الصحية. فماهي هذه الأعراض؟ ولماذا تنشأ ؟ وما مدى خطورتها؟ الصيام : عملية تنظيف ضرورية للجسم إن كل الأوجاع والمتاعب الصحية الصغيرة التي يشعر بها المرء في بداية رمضان ناتجة فقط عن عملية التنظيف والتطهير ولفظ السموم و الفضلات التي يشرع فيها الجسم بمجرد بدء عملية الصيام. ذلك أن جسم الإنسان يحتاج في كل حركاته ونشاطاته إلى الطاقة الآتية من الطعام ومن السعرات الحرارية التي تولدها الدهون والسكريات المحترقة. ومن الطبيعي أن يتسرب عن هذه الميكانيزمات كأي عملية توليد للطاقة الكثير من السموم والنفايات التي تجنح نحو الترسب متسببة في وهن الجسم وتعبه. وهكذا فإننا عندما نجبر جسدنا بشكل دوري على الصيام فإننا نقدم له أكبر خدمة إذ نمنحه الفرصة لإيقاف تأثير عجلة الزمن مرحليا واستعادة شبابه وحيويته وطاقته ونضارته من خلال دفعه إلى استعمال مخزونه من الدهون ورمي سمومه وفضلاته نحو الخارج، لذلك فإن كل الاضطرابات الصحية الطفيفة ليست غير تعبير إكلينيكي عن البدء في عملية التخلص من تلك السموم الزائدة وإشارة أيضا عن تفاعل إيجابي للجسم مع رمضان. من أين تأتي هذه السموم وكيف تتكون ؟ تتكون هذه السموم داخل الجسم من خلال الغذاء الذي يتناوله الإنسان خصوصا وأن نوعية الأغذية التي نقبل عليها الآن في المحلات و المتاجر الكبرى أصبحت مختلفة عن أغذية أسلافنا. حيث تحتوي على الكثير من المواد التي تدخل في تحضيرها أو في حفظها كالمواد الملونة والمنكهة ومضادات التأكسد وكذا مشتقات نباتية وحيوانية لا حصر لها يلجأ إليها المصنعون لتنويع الغذاء وحفظه ناهيك عن السموم التي تفرزها بعض الكائنات المجهرية التي تستقل طعامنا أو التي تتوطن داخل أجسادنا بالإضافة إلى ما تتنفسه رئتانا من هواء ملوث بعوادم البنزين وما تنفته المعامل والمصانع ... الخ وما يترتب داخل الدم عن عملية توليد الطاقة: كثاني أوكسيد الكربون و الحامض الإيريكي (Acide urique) والكرياتين (Créatine). دور الكبد في التخلص من السموم للجسم أسلوبه الخاص في التخلص من هذه السموم، إذ تقوم الكبد بهذه العملية. ذلك أن هذه السموم المكتنزة داخل الشحوم تستقدم إلى الكبد حيث تتحول إلى مواد غير سامة تذوب في الماء ليقوم هذا الكبد بلفظها خارج الجسم من خلال الجهاز الهضمي أو الجهاز البولي. يمثل الصيام إذن فرصة سانحة للقيام بأكبر عملية تنظيف من هذا الصنف خلال السنة حيث تصل الدهون المخزونة إلى الكبد بكميات وافرة ليس فقط لكي تستعمل في توليد الطاقة ولكن لكي يتم تحويل سمومها إلى مواد غير سامة من خلال إبطال مفعولها وطرحها خارج الجسد . الأعراض الناتجة عن تصريف السموم هذه الأعراض التي سنتطرق لها ليست حتمية فكثير من الناس لا يشعرون بأية متاعب أو اضطرابات صحية إذا كانوا يتمتعون بصحة جيدة : الشعور بالوهن و الارتخاء. 1 - وخصوصا خلال الأيام الأولى لرمضان بسبب أن الجسم لم يعد يستخرج طاقته من السكريات التي يمده بها الغذاء بشكل مباشر، إذ عليه أن يلجأ لاستخراج هذه الطاقة من مخزونه مما يتطلب مجهودا إضافيا. 2 - اضطرابات النوم : ويساهم سلوك بعض الصائمين في معاناتهم من مشاكل النوم، حيث إن البعض يقلب نظام حياته رأسا على عقب بسبب رمضان حيث ينام طيلة النهار ويقوم بالسهر ليلا. مما يخلخل نظام الساعة البيولوجية للجسم المتمثلة في دورة الكورتيزول خلال اليوم (Cortisol)، حيث تشير الدراسات إلى حدوث اضطراب يخص معدلات الكورتيزول في الصباح ومنتصف الليل عند 40% من الصائمين، فعلى عكس الأيام العادية ينخفض معدل هذه المادة في الدم صباحا في مقابل ارتفاعه ليلا. لذلك ينبغي أن يزاول الصائم نشاطه اليومي بشكله المعتاد وأن لا يستسلم للنوم و الكسل نهارا إسوة بالرسول (ص) الذي كان لا يثنيه الصيام عن الجهاد ونشر الدعوة الإسلامية. إن الالتزام بالحركة نهارا وبالنوم ليلا ضروري خلال رمضان خصوصا وأن انتظام عقارب الساعة البيولوجية من جديد قد يستغرق مدة شهر بعد الإفطار. أحيانا نادرة قد يعاني الصائم صعوبة في النوم. وهو عارض يزول تماما بعد رمضان. أما إذا كان الصائم يشكو من الأرق قبل رمضان فمن المحتمل جدا أن يضمحل هذا الأرق خلال شهر الصيام . 3 - صداع الرأس : قد يشعر الصائم بأوجاع الرأس خصوصا إذا كان مدخنا أو معتادا على شرب القهوة وتكون أكثر حدة في الأيام الأولى لرمضان ويرى الأطباء في صداع الرأس إشارة على أن الصيام أخذ ينتج آثاره الإيجابية على جسد الإنسان، فالثابت لدى رواد العلاج بالصيام أن الصيام ينشط المادة الرمادية في الدماغ بعد أن ينظفها من السموم التي تعوق تأديتها لوظائفها.