تتصرف الحوامل بشكل مختلف إزاء رمضان، منهن من يتسرعن فيقررن الإفطار خلال هذا الشهر دونما تريث أو استشارة طبيب بدعوى أنهن لسن مسؤولات عن صحة أنفسهن فقط بل مسؤولات أيضا عن صحة الجنين، يساعدهن في اتخاذ هذا القرار الخاطئ تحفيز خفي أو صريح من الزوج أو العائلة. ومنهن في المقابل من تتصلب مواقفهن فيتشبتن بالصيام رغم أن حملهن لا يخلو من مشاكل مرضية ورغم أنه حمل غير صحي، مجازفات في هذه الحالة بحياتهن وحياة الجنين فيمتنعن عن الأكل والشرب رغم أنه بإمكانهن ذلك لعلة المرض وليس لعلة الحمل. ولحسن الحظ أن نسبة كبيرة من الحوامل لا تنتمي لهذه المجموعة أو تلك إذ تقرر أغلب النساء في الوسط المغربي نقل السؤال إلى عيادة طبيب أمراض النساء و الولادة. حيث اعتدنا دائما عند بداية شهر رمضان أن نسمع السؤال الآتي : دكتور . هل بإمكاني الصيام وأنا حامل؟ إن هذا السؤال يتفرع بالنسبة لنا إلى سؤالين : هل للصيام تأثير على صحة الحامل؟ وهل يمكنه أن يؤثر على نمو وصحة وحياة الجنين ؟ لماذا يُثار سؤال الإفطار عند الحامل؟ لابد أن نقول أولا إن المشكل ليس بسيطا بل هو يهم شريحة كبيرة من النساء. فإذا تذكرنا أن مدة الحمل تسعة أشهر وأن العام يتكون من 12 شهرا فمن النادر ألا يكون رمضان شهرا من أشهر الحمل لدى الحامل. وبعمليات حسابية بسيطة جدا يمكن أن نفهم أن مسألة صيام رمضان من عدمها تعني 3⁄4 الحوامل المسلمات، مما يتوجب معه حسم هذه القضية بشكل واضح, خصوصا وأن الحمل يعتبر واعتبر دائما وضعا صحيا خاصا، حيث يتموقع بين حالتي الصحة و المرض. فلا هو بالمرض ليتم تطبيق الآية الكريمة « يا أيها الذين آمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر» ولا هو بالوضع الصحي العادي للمرأة لتتجه للصيام دون توجس أو خوف. الحمل : أعباء إضافية للجسم يتعرض جسم الحامل لتغييرات كبيرة خلال الحمل حتى يمكنه أن يضمن الحياة لشخصين: المرأة و الجنين وتهم هذه التغييرات بالخصوص جهاز القلب والشرايين الذي عليه أن يرفع أداءه للتأقلم مع الوضع البيولوجي الجديد، حيث يرتفع النبض الطبيعي للقلب كما ترتفع المساحة الوريدية بسبب وجود الجنين و المشيمة والجنوح نحو الاحتفاظ بالماء والأملاح في الأنسجة فيترتب عن هذا ارتفاع في عمل القلب بنسبة 40% يدوم الحمل ما بين 37 إلى 41 أسبوعا وقد جرت عادة الأطباء أن يقسموه إلى ثلاثة فصول. ويبقى الفصل الأول أو الثلاثة أشهر الأولى المرحلة الأكثر حرجا حيث تتميز بعدد من العلامات المرضية التي تهم الجهاز الهضمي بالخصوص لكثرة القيء و الغثيان الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى حالة جفاف حاد بسبب فقدان السوائل و الأملاح، حيث توجد حالات تستوجب إدخال الحامل إلى المستشفى وتغذيتها عبر الوريد إذا كثر القيء واستعصى علاجه على التدابير العادية (Vomissement graves) كذلك تعاني المرأة خلال هذا الفصل من كثرة اللعاب و الإمساك وتغير نكهة وتذوق الأطعمة ومن ظاهرة الوحم بالإضافة إلى بعض الأعراض العصبية كاضطرابات النوم وبعض حالات الدوران و الدوخة وتعكر المزاج والشعور بالتعب و الإعياء. يقوم الطبيب خلال هذه الفترة بتشخيص الحمل ثم تصنيفه ضمن إحدى خانتين: حالات الحمل العادي أو حالات الحمل المنطوي على خطورة كأن تكون الحامل مثلا تعاني من ضيق أحد صمامات القلب (الصمام الميترالي على الخصوص) أو تشكو من مرض السكري النحيف أو السكري غير الموجب للأنسولين... إلخ، مما يستوجب رعاية خاصة وانتباها خاصا للوقاية من المضاعفات. خلال الفصل الثاني يكون على الطبيب أن يراقب صحة الجنين ونموه وأن يرصد بعض الأمراض المرتبطة بالحمل كارتفاع ضغط الدم و السكري الحملي ... الخ . أما خلال الفصل الثالث فيكون على الطبيب مراقبة صحة المرأة و الجنين على السواء للتأكد من مستوى صحتهما العامة وعدم تأثرهما بمشاكل الحمل أو سوء التغدية ويتوجب عليه كذلك توقع احتمالات المخاض والولادة. وهكذا يبدو باختصار أن لكل فصل خصوصياته ومواقفه سواء صادف الحمل رمضان أم لم يصادفه لذلك تكون أجوبة الطبيب خلال رمضان في مسألة الإفطار متجانسة مع مرحلة الحمل ومع مشاكله الراهنة و المحتملة في حالة الصيام. الإفطار واجب في حالة الحمل غير الصحي رغم أن الحمل يخلق للمرأة أعباء جديدة فهو يبقى دائما ظاهرة فيسيولوجية، لذلك فإن امرأة تتمتع بصحة جيدة بوسعها أن تتأقلم وتتحمل متاعب الحمل دون أية مشاكل فنكون في هذه الحالة أمام ما نصطلح عليه بالحمل الصحي: ففي غياب الحمل المرضي يكون الخوف على المرأة أو على الجنين ونموه منعدما لأن الله سبحانه وتعالى جعل للجنين شبه استقلال إذ لا يتأثر نموه من إمساك الأم عن الطعام إلا في بعض الحالات النادرة كالصوم المستمر أو سوء التغدية المزمن. هذا وقد بينت الأبحاث الطبية أن سوء التغدية و التجويع عند الأم لا يؤثر على نمو الجنين إلا إذا كان حادا واستغرق وقتا طويلا ونزلت السعرات الحرارية التي تجنيها الأم من تغذيتها عن 1500 سعرة حرارية في اليوم . و الكل يتذكر ما وقع بليننكراد و روتردام حين وضعت نساء حوامل معتقلات قام النازيون بتجويعهن مواليد جدد لا يقل وزنهن عن الوزن المثالي إلا بقليل ، كذلك قام أطباء مغاربة بمراقبة الوزن عند الولادة لأطفال ولدن لنساء صائمات فاتضح أنه في الحدود الطبيعية.