قبل أسابيع، أصدرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" تقاريرها السنوية عن حقوق الإنسان في الكثير من بلدان العالم، ومنها الجزائر. ركزت المنظمة في جزء من التقرير على واقع المحاكمات التي طالت الجماعة الأحمدية، وهي القضية تصدرت عناوين الإعلام الجزائري خلال عام 2017، عندما شنت السلطات حملة واسعة ضد المنتسبين إلى هذه الجماعة، وصلت حسب أرقام "أمنستي" إلى محاكمة أكثر من 280 فرداً من الجماعة لأسباب تتعلّق بشكل مباشر بعقيدتهم الدينية وزارة الخارجية الجزائرية ردّت على هذا التقرير الذي تطرّق لعدة جوانب من حقوق الإنسان في الجزائر، وقالت إن الموضوعية غابت عنه وإنه تضمن "مغالطات وادعاءات وليس سوى تكرار لتقييمات متحيزة". غير أنه إذا كانت السلطات الجزائرية تجادل في بعض محاور التقرير حول حرية التعبير ومحاكمة نشطاء حقوق الإنسان، فإنها في المقابل تعترف أنها تقود حملة واسعة ضد الأحمديين. وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، سبق له أن أكد أن وزارته ستكون طرفاً في مقاضاة أفراد من الطائفة الأحمدية اعتقلهم الأمن الجزائري أثناء صلاة الجمعة في مسكن خاص. وبرّر عيسى موقفه بالقول إن وزاراته تتبع استراتيجية لمحاربة كل الطوائف الدخيلة على المجتمع لا يتم تقسيمها. وعاد الوزير لاحقاً ليبرّر موقفه بالقول إن الأحمديين ليسوا مسلمين، وإنه في حالة ما اعترفوا بهذا الأمور، فيمكنهم حينها العيش في الجزائر كبقية الأقليات الدينية الأخرى. وكان جلياً مدى الرفض الذي حمله تصريح أحمد أويحيى، عندما كان مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، للأحمديين، إذ صرّح رئيس الوزراء الحالي أنه يدعم الحكومة في "حربها" ضد الطائفة الأحمدية، قائلاً: "لا حقوق إنسان ولا حرية العقيدة في هذا الموضوع. نحن مسلمون منذ 14 قرناً. لن تنتظر الجزائر أن يأتي من يزرع السموم فيها. نطالب الحكومة بالمزيد من الإجراءات". مداهمات ومحاكما ليست منظمة العفو الدولية لوحدها التي تعرّضت لما يجري للأحمديين، فمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت بداية عام 2018 تقريراً مطولاً حول استمرار محاكمة الأحمديين بالجزائر. وفي شهر ديسمبر 2017، جرى عرض 50 أحمدياً أمام القضاء، فضلاً عن أربع محاكمات أخرى في يناير من هذا العام. ومن أبرز المحاكمات التي جرت عام 2017 تلك التي تخصّ زعيم الجماعة بالجزائر، محمد فالي، إذ يواجه ست قضايا أمام المحاكم، وقد أمضى ثلاثة أشهر في السجن. كما حُكم عليه لاحقاً في العام ذاته بالسجن عاماً مع وقف التنفيذ. وكان آخر حكم صدر بحقه هو ذاك الذي نطقت به محكمة كان في عين تادلس بولاية مستغانم شمال غرب الجزائر، في شهر سبتمبر بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية. من "الاستهزاء بالدين" إلى "حيازة وثائق أجنبية" التهم الموجهة للأحمديين في الجزائر متنوعة، تبدأ من "الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة أو شعائر الإسلام"، و"المشاركة في جمعية غير مرخصة"، و"جمع التبرّعات دون رخصة"، و"إقامة شعائر في أماكن غير مرخصة"، و"حيازة وثائق من مصادر أجنبية". أغلب هذه التهم يعاقب عليها بالحبس والغرامة، وأكبر عقوبة تصل إلى خمس سنوات سجناً. وحسب ما صرّح به فالي ل"هيومن رايتس ووتش"، فإن الإدانات بحق الأحمديين صدرت في 123 قضية، كانت فيها العقوبات بين ثلاثة أشهر وأربعة أعوام، بينما لا يزال العشرات من المنتسبين للجماعة في مرحلة التحقيق. حاولت DW عربية الاتصال بفرع "أمنستي" في الجزائر، لكنه رفض التعليق على أسئلتنا، مكتفياً بالإشارة إلى ما نشره في تقريره. كما حاولت الاتصال بمجموعة من الأحمديين الجزائريين، غير أنهم رفضوا التعليق خوفاً من استمرار التضييق عليهم، وأيضاً امتثالاً لأمر أصدره "الخليفة الخامس" ميرزا مسرور أحمد، إمام الأحمديين، بضرورة عدم الحديث للصحافة حفاظاً على أمنهم، وفق تعبير أحمديّ تحدث إلينا بشرط عدم كشف هويته. محمد داود ماجوكا، الناطق باسم الطائفة الأحمدية في ألمانيا، صرح لDW عربية بأن "وضعية الأحمديين في الجزائر تزدادا سوءاً يوماً بعد يوم"، مشيراً إلى أنه إضافة إلى الاعتقالات والمحاكمات، يُمنع الأحمديون في الجزائر من إقامة شعائرهم الدينية. أسباب التضييق قد تعود، حسب قوله، إلى رغبة السلطات الجزائرية في "استرضاء عدد من الأئمة الجزائريين المتأثرين بأفكار دينية أجنبية تضيّق على الأحمديين، موجودة في عدة بلدان كباكستان والسعودية ومصر. كما قد تكون هناك دوافع سياسية وراء هذه الحملة". استمرار التضييق على الأحمديين في الجزائر يؤكده كذلك إريك غولدستين، متحدث باسم "هيومن رايتس ووتش" لDW عربية، إذ يقول إن محاكمات جديدة ستُعقد في الأسابيع القادمة. ويرد غولدستين على اتهامات وزير الشؤون الدينية الجزائري للأحمديين بالقول: "الحرية الدينية محمية دولياً. لهذه الطائفة الحق، حسب القانون الدولي، في حرية المعتقد، وليس من حق الدولة أن تقرر من يمكنه ممارسة الشعائر الدينية ومن لا يمكنه". جدل الانتساب إلى الإسلام تقول الأحمدية عن نفسها إنها "جماعة تمثل النشأة الثانية الموعودة للإسلام"، وإنها "تلك الفرقة الناجية الموعودة التي أنبأ عنها رسول الإسلام"، لأجل "تكميل تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم كله". تعود بدايات هذه الجماعة إلى ميرزا غلام أحمد القادياني، ولذلك تسمى أحياناً بالقاديانية. وُلد القادياني عام 1835 في إقليم البنجاب بالهند، وتصفه الأحمدية ب"بطل الإسلام، نائب النبي في بعثته الثانية، الإمام المهدي والمسيح الموعود". ويشير الموقع الإلكتروني للطائفة إلى أن القادياني كان متديناً منذ صغره إلى أن بدأ بتأليف كتاب "البراهين الأحمدية"، وهو كتاب كان "بتوجيه من الله تعالى.. إذ أوحى الله لحضرته بمهمة الدفاع عن الإسلام "، حسب المصدر السابق الذي يشير إلى أن القادياني تلقى أمراً من الله بأخذ البيعة، وقد بايعه مريدوه عام 1889، وهو تاريخ تأسيس الجماعة الأحمدية. وبعدها بعام، جاءه وحي من الله بأنه هو المسيح الموعود. وبعد وفاة ميرزا غلام، توارث أفراد من سلالته خلافة الجماعة ، إلى أن وصلت الإمامة إلى الخليفة الخامس، ميرزا مسرور أحمد. غير أن الكثير من الهيئات الإسلامية ودور الإفتاء تنفي انتماء الأحمديين للإسلام، ومن ذلك ما قاله مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن أن الأحمديين "مرتدون خارجون عن الإسلام". الحكم تقريباً ذاته يقوله مجمع البحوث الإسلامية بمؤسسة الأزهر، إذ يشير إلى أن "الأحمدية تخالف شرع الإسلام". ويكمن الخلاف الأكبر بين أغلب الهيئات الإسلامية والأحمديين في مسألة نزول الوحي على ميرزا غلام، حيث يقول الأزهر إنه لا يمكن أن ينزل الوحي على أحد بعد رسول الإسلام. كما يوجد خلاف آخر جوهري حول مسألة "خاتم الأنبياء"، إذ يؤكد الأزهر أنه لا نبي بعد الرسول محمد، بينما يقول الأحمديون إن كلمة "خاتم" تعني "الكمال" وليس آخر نبي. يقول محمد داود ماجوكا: "لا نمثل ديناً جديداً. نحن مسلمون نؤمن بالأركان الخمسة للإسلام والستة للإيمان، وبالقرآن الكريم آخر الكتب السماوية وبمحمد آخر الرسل وخاتم النبيين". ويوضح ماجوكا أن الوحي لدى الطائفة الأحمدية "مستمر، فأي رجل أو امرأة يمكنه تلقي الوحي من الله، لكن ليس الوحي الذي يُكتب في الكتب السماوية". أما بخصوص "آخر الأنبياء"، فتؤمن الطائفة الأحمدية بأن "الإمام المهدي والمسيح ميرزا غلام تلقيا الوحي لإرشاد المسلمين. لكننا لا نجعل أي شخص في مرتبة الرسول محمد". وبعيداً عن الجدل الديني، لا يتوقف موضوع "الحرية الدينية" في الجزائر على الأحمديين فقط، بل على جميع الأقليات الدينية التي تعتبرها السلطات غير مسلمة. فإن كان الدستور الجزائري ينص في مادته 36 على أنه "لا مساس بحُرمة حرية المعتقد"، فالأحمديون يواجهون اتهامات يؤطرها قانون صدر عام 2006 حول "تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين" ينصّ على شروط متعددة لممارسة هذه الشعائر، منها طلب الترخيص المسبق من السلطات. وقد جاء هذا القانون في سياق حملة جزائرية لمكافحة التبشير المسيحي، لكنه يطال كذلك الجزائريين الذين انتقلوا إلى المسيحية وفق تأكيدات غولدستين من "هيومن رايتس ووتش". * ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية