في الآونة الأخيرة كثفت ما يسمى بالجماعة الإسلامية الأحمدية، والمعروفة عند عموم المسلمين بالقاديانية أنشطتها الإعلامية والتبشيرية لكسب أكبر عدد ممكن من الأتباع والمبايعين لخليفة الطائفة المقيم بلندن المدعو ميرزا مسرور أحمد، وكرست القناة التابعة لهذه الجماعة وكذا موقعها على الأنترنت وغرفتها على البالتوك كل مجهوداتها لتحقيق اختراقات ونجاحات على مستوى الوطن العربي، وتحديدا في منطقتي الشرق الأوسط والمغرب العربي. ونظرا لكون هذه الجماعة تحمل أفكارا ومعتقدات متناقضة تماما مع ما تعارف عليه المسلمون منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الآن ، كعدم إيمان أتباعها بختم النبوة ونكرانهم لمعجزات الأنبياء وتحقير بعضهم كما فعلوا مع عيسى عليه السلام وأمه العذراء، والطعن في صحابة رسول الله، والإستهزاء بمفهوم الجن عند المسلمين، وتقديسهم لقرية قاديان الهندية، ونكرانهم للناسخ والمنسوخ، وقضايا عديدة أخرى، فضلا عن ارتباطها ببعض الدوائر الإستعمارية كبريطانيا و" إسرائيل" . ارتأينا أن نلقي بعض الضوء على تاريخ ومعتقدات هذه الجماعة حتى يحذرهم عموم المسلمين ولاينبهروا بما يروجون له من ادعاءات كاذبة على قناتهم الفضائية. وهذا المقال يتناول الظروف السياسية والإجتماعية التي كانت سببا في ظهور هذه الجماعة في شبه القارة الهندية على أن يتبع بمقالات أخرى تتناول جوانب الفكر والعقيدة عند هاته الطائفة. القاديانية هي فرقة بدأت ملامح ظهورها الأولى في التشكل حوالي سنة 1882م حينما ادعى المرزا غلام أحمد مؤسس الحركة بداية تلقيه للوحي كما جاء في كتاب السيرة المطهرة لمؤلفه مصطفى ثابت وهو من قادة ودعاة القاديانية الكبار، ولم تكن يد الاستعمار الإنجليزي في شبه القارة الهندية، ببعيدة عن هذا التأسيس، بل كانت مثل تلك اليد الخفية التي تُحرك الدُمى في عروض الكراكيز، وكان الهدف الأساس من وراء تأسيس هذه الفرقة هو إبعاد المسلمين عن دينهم بشكل عام، وفريضة الجهاد بشكل خاص، ولاسيما بعدما تبين عجز الآلة الحربية البريطانية عن إخماد جهاد المسلمين الذي كان قد بلغ ذروته، حيث أصبح هذا الإستعمار قاب قوسين أو أدنى من سقوطه. فجاءت هذه الحيلة الخبيثة، باصطناع القاديانية ككيان جديد يتبنى الإسلام شكلا وقولا، ويناقضه فكرا وعملا. ولعلنا نبدأ حكاية القاديانية بوثيقة بريطانية تؤكد أن بريطانيا أرسلت في سنة 1869م وفداً من المفكرين البريطانيين والزعماء المسيحيين إلى الهند، لدراسة الوسائل التي يمكن من خلالها تسخير المسلمين، وحملهم على الطاعة للإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل أرجاء واسعة من بلادهم. وفي العام التالي أي سنة 1870م رجع الوفد من الهند، وقدم تقريرين ذكر فيهما أن أكثر المسلمين في الهند يتبعون زعماءهم الدينيين إتباع الأعمى، وإنه لو تم العثور على "نبي حواري" لاجتمع حوله كثير من الناس، لكن ترغيب شخص في القيام بهذا الدور أمر في غاية الصعوبة، فإن حلت هذه المسألة، فمن الممكن أن ترعى الحكومة البريطانية هذا الشخص على أكمل وجه، وبريطانيا الآن مسيطرة على سائر الهند، وتحتاج إلى مثل هذا العمل لإثارة الفتن بين الشعب الهندي وجمهور المسلمين واضطرابهم الداخلي. لعل هذه الوثيقة التي أشار إليها علماء باكستان في كتابهم الشهير (موقف الأمة الإسلامية من القاديانية) يفسر جزءاً من سيرة هذه الفرقة التي نشأت في كنف الاستعمار البريطاني، والدور الذي لعبته في خذلان المسلمين، خاصة وأن القاديانية تزعمت فكرة تحريم الجهاد، وعدم مقاومة الاحتلال البريطاني للقارة الهندية وبقية بلاد المسلمين. وكان ميرزا غلام أحمد القادياني هو أداة التنفيذ الرئيسية لهذا المخطط الخبيث، ولمن لايعرف هذا المتنبئ ، فهو من مواليد قرية قاديان التابعة لإقليم البنجاب في الهند عام 1839م، عندما كانت الهند لاتزال دولة موحدة بين الشطر الهندوسي و الشطر المسلم ، وبالطبع تحت السيطرة البريطانية المباشرة، إلى أن تم تقسيم الهند إلى دولتين في أغسطس من العام 1947 : دولة خاصة بالمسلمين وسميت باكستان، وترأسها محمد علي جناح رئيس العصبة الإسلامية سابقا، ودولة خاصة بالهندوس وسميت بالهند. وكان غلام أحمد ينتمي إلى أسرة اشتهرت عبر سنين بخيانة الدين والوطن، والوفاء للاستعمار، وهذا ليس كلامنا بل كلام الميرزا غلام نفسه في كتابه– تحفة قيصرية ص16- إذ ذكر بعض الشواهد عن عمالة أبيه للإستعمار البريطاني فقال: (( إن أبي غلام مرتضى كان من الذين لهم روابط طيبة وعلاقات ودية مع الحكومة الانكليزية وكان له كرسى فى ديوان الحكومة وهو ساعد الحكومة حينما ثار عليها أهل وطنه ودينه الهنديون مساعدة طيبة فى سنة 1857م - وهذه ثورة معروفة للمسلمين ضد الاستعمار - بل مدها بخمسين جندياً وخمسين فرساً من عنده وخدم الحكومة العالية فوق طاقته)) ، ففى مثل هذه الأسرة إن لم يولد غلام أحمد ، فمن يولد غيره ؟؟ إذن كان اختيار الإنجليز لهذا الغلام على هذا الأساس لكي يلعب دور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون، وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الإنجليزي، وبعد أن جمع القادياني حوله بعض الأتباع المغرر بهم، من الجهلة والجياع، أسس جماعته في 23 مارس من العام 1889 وسماها " الجماعة الأحمدية" نسبة إلى اسمه أحمد، وليس " الجماعة الإسلامية الأحمدية" كما يحاول قادة الأحمدية الترويج له بعد تلقيهم ضربات التكفير من هنا وهناك، وادعى الغلام أن تأسيس جماعته هذه تم بأمر من الله. وتُعرف هذه الجماعة عند عامة المسلمين " بالقاديانية" نسبة إلى اسم الغلام الكامل وهو : مرزا غلام أحمد القادياني، الذي ورد هكذا في الكثير من مؤلفاته كالوصية مثلا، التي جاء في غلافها الرئيسي عبارة(( الوصية: بقلم سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني))، ولم يكن الهدف طبعا من وراء تأسيس هذه الجماعة سوى دق أسافين الفتنة والتفرقة بين المسلمين، في وقت كانوا فيه في أمس الحاجة إلى الوحدة والتضامن لإخراج المحتل الإنجليزي من ديارهم. وهكذا بدأ المتنبئ بتنفيذ مشروعه الذي ليس هو إلا مشروع المستعمر بتحويل وجهة الصراع من بريطانيا إلى السيخ، والإدعاء بأن بريطانيا لاتريد إلا الخير والعدل والسلام للمسلمين، وأن مشكلة المسلمين هي بالأساس مع السيخ، فهؤلاء هم المستعمر الحقيقي للهند وليس الإنجليز. لكن الواقع على الأرض كان ينضح بكذب هذا المتنبئ، فالإنجليز كغيرهم من القوى الإستعمارية الأخرى لم يتركوا وسيلة قمع أو تعذيب إلا واستعملوها ضد الثوار المسلمين: فاستعملوا الشنق والحرق وكل ما يخطر ببال أي إنسان. انظر أيها القارئ الكريم إلى هذا الكلام العدب وإلى هذا الطلاء الناعم الذي يصف به الميرزا الإستعمار الإنجليزي في كتابه (الحكومة البريطانية وموضوع الجهاد المؤلف بتاريخ 7 تموز 1900 ص 44-45) يقول(( وهل لا يُعد شيئا عظيما هذا الذي قامت به هذه الحكومة المستعمرة بالحيلولة دون طائفة السيخ وما كانوا يفعلون بالمسلمين؟ حتى وكأن المسلمين حين استولى هذا المستعمر على منطقة البنجاب قد شُرِّفوا بالإسلام من جديد؟ والإسلام علمنا أن الإحسان لايرد إلا بالإحسان؟؟، الأمر الذي يوجب علينا ألا نَكفر بهذه النعمة الإلهية التي لم يمن بها علينا ربنا عز وجل إلا بعد أن كان المسلمون من قبل يتضرعون بين أيدي ربهم بكثير من التضرعات....... ثم يقول، والان فأنا اعظ أفراد جماعتي الذين اعتقدوا بأني أنا المسيح الذي وُعدت به هذه الأمة أنصحهم أن يهجروا هذه العادات السيئة المذمومة الموروثة-كناية عن الجهاد- .... ثم يقول، فما أنجس الدين –كناية عن الإسلام- الذي لايأمر الإنسان أن يتعاطف مع أخيه الإنسان، وكم هو حقير البُغض بين البشر والمليئ بالأشواك، وما دمتم قد انضممتم إلي فلا تكونوا على تلك الشاكلة)) وفي كتابه " ترياق القلوب" ص 15 ، تحدث ميرزا غلام أحمد مؤسس القاديانية عن أهم الأنشطة التي قام بها في حياته فقال ما يلي: (لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها, وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر الإنجليز من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة, وقد نشرت معظم هذه الكتب في البلاد العربية: مصر والشام وتركيا ، وكان هدفي هو أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة) ويقول في كتاب خزائن روحاني ج 8 والصفحة 36 (( ولا يخفى على هذه الدولة المباركة –بريطانيا- أنا من خدامها ونصحائها ودواعي خيرها من قديم وجئناها في كل وقت بقلب صميم)) ثم يلخص أخيرا هذا الميرزا عقيدته وعقيدة جماعته المسماة زورا وبهاتنا "الجماعة الاسلامية الأحمدية" في جملة واحدة صريحة المعنى، فيقول في كتاب (خزائن روحانية جزء 6 ص 380 مترجم). (( إن مذهبي وعقيدتي التي أُُكررها أن للإسلام جزءين الجزء الأول طاعة الله والجزء الثاني طاعة الحكومة البريطانية ...)) إخواني لم يكن الغلام أحمد فقط عميلا معتبرا لدى الإستعمار ولكنه كان كذلك رجلا غبيا، وهذا الكلام جاء في كتاب سيرة المهدي الذي ألفه ابن الغلام بشير أحمد (( حتى قيل له أن يأتى بالسكر من البيت فبدَل أن يأتى بالسكر جاء بالملح ومن فرط بلاهته وسفاهته بدأ يأكله فى الطريق ولما وصل الملح إلى الحلقوم غُص به ودمعت عيناه )) وحتى الإستعمار لم يخرج من البلاد حتى ترك قدما له في الحكومة الباكستانية الأولى تمثل في وضع أحد قادة القاديانية الكبار، وهو ظفر الله خان، على رأس وزارة مهمة وهي وزارة الخارجية، ولم يغادر هذا القادياني الحكومة الباكستانية إلا بعد ثورة شعبية في العام 1953 قادها العلامة أبو أعلى المودودي على عهد خليفة الجماعة الثاني بشير الدين محمود أحمد ابن الغلام أحمد مدعي النبوة، وكلفت الشعب الباكستاني المسلم نحو عشرة آلاف قتيل: يعني تضحية وأثمان باهضة لإخراج هذا القادياني من مركز القرار حتى لايستفحل داء القاديانية أكثر في البلاد. لقد وجهت ثورة الشعب الباكستاني المسلم للعام 1953 ضربة قاصمة للتواجد القادياني بالبلاد ، وكسرت كل الطموح والآمال التي كان قادة هذا الفكر الفاسد، وفي مقدمتهم خليفتهم الثاني آنذاك بشير الدين محمود أحمد ابن الميرزا غلام مدعي النبوة، يعقدونها على ظفر الله خان من أجل قَدينة المجتمع والدولة في باكستان، وإقامة جمهورية قاديانية في آسيا على غرار جمهورية إيران الشعية، لكن حسبنا ان نقول ما جاء في الذكر الحكيم(( يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)). لكن، ما أن حلت سنة 1974 حتى حزمت الدولة الباكستانية أمرها مع هذه الجماعة، وأصدر مجلس أُمتها قرارا تاريخيا باعتبار القاديانية فرقة خارجة عن الإسلام شأنها كشأن باقي الأقليات الدينية غير مسلمة. وذلك بعد مناقشتة طويلة لخليفتهم الثالث ميرزا ناصر أحمد امتدت لأزيد من 30 ساعة، وعلى مدى 10 أيام، تبين خلالها عجزه في الدفاع عن عقيدته وعقيدة جماعته الفاسدة. وفي 26/4/1984م، أصدر الرئيس الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق قانونا صارما ضد هذه الجماعة، يمنعها من التلبس بلباس الإسلام، وكان من بنوده منع الأحمديين القاديانيين من إعلانِ انتمائهم للإسلام ، أو حتى النطقِ بالشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاءِ تحية الإسلام، أو الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم، أو رفعِ الأذان للصلاة، أو قراءةِ القرآن الكريم، أو كتابةِ آياته أو حيازتها، أو تسميةِ أنفسهم بأسماء المسلمين أو تسمية مساجدهم مساجد، إشارةً أو صراحة، شفويًا أو كتابة. وبسبب هذا القانون الصارم فر الخليفة الرابع للجماعة المدعو ميرزا طاهر أحمد إلى بريطانيا ليجد الحضن والمدد هناك بعدما برر فراره هذا أمام عوام الجماعة الأحمدية بكونه تلقى إلهاما ووحيا إلهيا أمره بالفرار لبريطانيا. فوجد هناك عند الصانع التاريخي لهذه الجماعة الملاذ الآمن، بل وأكثر من ذلك أطلقت له بريطانيا قناة فضائية اسمها الفضائية الأحمدية باللغة العربية، وخصصت لها ميزانية من الميزانية العامة للدولة، حتى يستطيع من خلالها هذا الدجال إيصال عقائد جماعته الفاسدة والهدامة للعقائد الإسلامية الصحيحة لكل العالم.