يتكبد سكان جماعة كلاز بإقليمتاونات، المتميزة بطبيعتها الجبلية، مرارة العيش هذه الأيام بعدما عطلت التساقطات المطرية الاستثنائية الأخيرة حركتهم نحو العالم الخارجي؛ إذ أصبحت جل دواوير هذه الجماعة القروية ومركزها محاصرة من كل جانب، ولم يعد بوسع الأهالي مبارحة مساكنهم بسبب ارتفاع منسوب الأودية وجرف السيول للطرق والمسالك. أودية جارفة ما إن تقترب من جماعة كلاز، التي تتراءى من بعيد دواويرها المترامية على جبال مقدمة الريف، حتى يطالعك واد من أوديتها التي تشكل حدا طبيعيا فاصلا بينها وبين جيرانها مع الجماعات الأخرى؛ فهناك وادي ورغة ووادي أولاي ووادي أمزاز، أودية كشرت عن أنيابها إثر الأمطار الأخيرة، وأصبح صدى هدير مياهها تردده الجبال. "سكان دوار القليعة والسيوان والصنوبر يعبرون وادي ورغة من هذه النقطة، ليس لهم طريق بديلة أخرى"، يقول محمد صبري، صاحب قارب خشبي، متحدثا لهسبريس، وهو الذي نذر نفسه لفك العزلة عن ساكنة هذه الدواوير التي يفصل بينها وبين الطريق المعبدة هذا الوادي، مضيفا: "أصحاب القوارب يغامرون بحياتهم لعبور الوادي، والراكبون كذلك، أغلب الناس ما إن يشاهدوا قوة جريان المياه، يعودون من حيث أتوا، فعبور مجرى الوادي يعد مغامرة حقيقية، وهذه القوارب تعبر النهر بالقدرة الإلهية، وليس بقوة الإنسان". "الوضع صعب جدا جدا، الناس هنا لا يجدون ما يأكلونه، كيلوغرام من الشعرية الذي لا يتعد ثمنه في السوق ثلاثة دراهم يباع بهذه الدواوير بسبعة دراهم، ناهيك عن قنينات الغاز التي أصبحت مفقودة، وقد عاد الناس إلى استعمال وسائل بدائية في الطهي"، يوضح صاحب هذا القارب من دوار القليعة، الذي أورد أن الكثير من التلاميذ لا يستطيعون الوصول إلى مدارسهم بسبب هذا الوضع، مطالبا المسؤولين بتفقد أحوال ساكنة المنطقة علهم يخففون من معاناتهم. بعد أن أوضح صاحب هذا القارب الخشبي لهسبريس أن حال الدواوير التي تحدث عنها قد يكون أحسن من حال كثير من الدواوير الأخرى بجماعة كلاز بفعل انجراف الطرق ومحاصرتها بالوديان الهادرة، غادر ضفة وادي ورغة المحاذية للطريق المعبدة، وابتعد وسط مياهه الجارفة مقلا على متن قاربه ثلاثة شبان وفقيه مسجد بأحد الدواوير، كان يقاوم السيل بمجاديفه، ويمخر عبابه بطيئا بطء التنمية بهذه الجماعة، التي تصنف واحدة من أفقر جماعات إقليمتاونات. قنطرة مغمورة من جانبهم، لم يعد بمقدور سكان مركز جماعة كلاز، إثر التساقطات المطرية الغزيرة الأخيرة، الوصول إلى الطريق المعبدة إلا راجلين بفضل استعمالهم للسلالم لعبور قنطرة قيد البناء على وادي أمزاز؛ وذلك بعد أن غمرت مياه هذا الوادي كليا القنطرة المقامة عليه، التي كانت تؤمن عبور السيارات والشاحنات إلى مركز الجماعة والدواوير القريبة منه. "منذ سنة 2011، بعد انهيار القنطرة الأصلية، وكلما تساقطت الأمطار بكثافة، تغمر المياه هذه القنطرة المؤقتة، فتصبح الطريق مقطوعة من وإلى مركز كلاز والدواوير المجاورة"، يوضح خالد جابر، ناشط جمعوي بالمنطقة، مبرزا لهسبريس أن الناس يعانون كثيرا بسبب هذا الوضع، حيث يعزل وادي أمزاز مركز الجماعة من جهة، وتحاصره الطرق المنهارة من جهة أخرى. "نعيش هذا الوضع لما يزيد عن أسبوع"، يوضح متحدث هسبريس الذي أورد أن ذلك انعكس على أسعار المواد الأساسية بالجماعة، ضاربا مثالا بأثمنة الخضر التي قال إن أسعارها تضاعفت يوم السوق الأسبوعي الذي ينعقد بمركز الجماعة كل ثلاثاء. "أبناؤنا كذلك يعانون في الوصول إلى مدارسهم، ولم تتفقد أحوالنا أي جهة لترى ما نعيشه من محنة"، يقول بغضب خالد جابر، الذي وصف المنطقة بكونها عاشت على وقع العزلة لمدة طويلة، مضيفا: "هذا هو واقع مركز الجماعة، ولا نعرف ما يقع بالدواوير النائية، هي تعاني في صمت، وربما معاناة سكانها أكبر". ما ذكره خالد جابر أكده رشيد زرود، أحد سكان مركز جماعة كلاز، الذي أبرز في حديثه لهسبريس أن الجماعة "تعيش عزلة تامة من ناحية النقل عبر السيارات والشاحنات"، موضحا ذلك بقوله: "أنا لا أتكلم عن عبور الوادي عبر هذه القنطرة التي هي قيد الإنشاء، الطريق من الجهة الأخرى على غفساي هي الأخرى صعبة ولا يمكن للشاحنات أن تسير عليها، هناك انجرافات في الطريق والكثير من المنعطفات والمنحدرات الخطرة، ولا يمكن أن تصل مواد البناء أو المواد الاستهلاكية إلى مركز كلاز، الوضع، حقيقة، صعب هنا".