قضى ألكسندر شبابه في صفوف القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، أكبر جماعة متمردة في كولومبيا. وبعد عام من تخليه عن السلاح، يستعيد المقاتل المتمرد السابق تلك السنوات بفخر وحزن على حد سواء. ويقول: "لا يمكن أن أقول إنني لم أقتل أحدا. إنك تصوب بندقيتك على مكان ما هناك ... ويسقط جندي". وأمضى ألكسندر، 35 عاما، وهو من منطقة كاكويتا الجنوبية بكولومبيا، 21 عاما في صفوف فارك التي كان يقدر عدد مقاتليها ب 20 ألف مقاتل في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. وعند التوصل إلى اتفاق سلام في نوفمبر عام 2016 أنهى 52 عاما من الصراع، انخفض العدد إلى نحو 8 آلاف مقاتل. وروى الرجل ذو التعامل اللطيف والمتحفظ بصورة ما لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) قصته في ما يطلق عليها بمنطقة إعادة الاندماج التي تهدف إلى مساعدة المتمردين الذين تخلوا عن السلاح على العيش حياة مدنية بالقرب من مدينة فلورنسيا في كاكويتا. وخلافا للكثير ممن انضموا إلى "فارك" هربا من الفقر أو اقتناعا بالفكر اليساري، أصبح ألكسندر -الذي اكتفى بالكشف عن اسمه الأول فقط -مقاتلا بداعي الانتقام. وقال: "كان عمري 13 عاما عندما قتل الجيش اثنين من أهلي بعد اتهامهما كذبا بالتعاون مع فارك، وتعرض والداي للتعذيب." لكن في معسكر "فارك" الذي ذهب إليه في كاكويتا، قيل لإلكسندر إن الانتقام ليس سببا وجيها للانضمام. وقال: "لقد قالوا إن من يأتي إلى هنا يأتي فقط للقتال من أجل الشعب". ومن ثم، ظل هناك. ألكسندر، وهو ابن أحد عمال الزراعة، لم يذهب أبدا إلى المدرسة، وأمضى فترة طفولته في حصاد أوراق الكوكا، وهو نبات يستخدم تقليديا في الاحتفالات وكمنشط، يصنع منه تجار المخدرات مادة الكوكايين المخدرة. ولم يكتف أعضاء "فارك" بتدريب ألكسندر على الأفكار اليسارية واستخدام الأسلحة النارية، بل قاموا أيضا بتعليمه القراءة. في البداية، شارك ألكسندر في مهام مثل تنظيم لقاءات مع السكان المحليين في مناطق يسيطر عليها المتمردون. لكن في غضون عام، تم إرسال ألكسندر-عندما كان عمره 14 عاما -بالفعل إلى جبهة القتال. وقال: "كان مقتل شقيقي عالقا دائما في ذهني، عندما يعاني أحد من مشاكل عائلية، فهو لا يهاب القتال، وإذا لم تفعل ذلك، فسوف تقتل". وأضاف الكسندر أن "فارك" طبقت على مقاتليها نظاما انضباطيا صارما؛ إذ إن أي شخص كان يرتكب جريمة خطيرة كقتل زميله من المقاتلين أو سرقة المدنيين مرات عدة، كان قد يعاقب بالإعدام. ومع ذلك، أصبحت الحركة المتمردة، التي كان آلاف الأطفال في صفوفها، "مثل الأسرة" بالنسبة لالكسندر الشباب. وارتكبت جميع الأطراف الرئيسية في النزاع المسلح في كولومبيا – سواء الجماعات شبه المسلحة اليمينية والجماعات المتمردة والجيش-انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم أخرى. ومن بين العمليات التي يلقى فيها باللائمة على "فارك"، أعمال القتل التي تستهدف المدنيين والاختطاف والاعتداءات الجنسية والابتزاز. وقامت المجموعة بتمويل جزء كبير من نشاطها عبر تحصيل "ضرائب" من تجار المخدرات. ويعترف ألكسندر بارتكاب تلك "الأخطاء"، لكنه لا يريد التركيز على هذا الموضوع. وخلال عشرين عاما كمقاتل متمرد، لم يتصل الكسندر بأسرته، لأن "شخصا واحدا يمكن أن يعرضهم للخطر". لكنه التقى والدته مرة أخرى فقط بعد أن تم تسريحه قبل عام. وقال: "سلمت عليها وانفجرت بالبكاء، أعتقد أنه كان يجب أن أكون قويا، لكنني ذرفت الدمع أيضا". ولا يشعر ألكسندر بضياع سنوات شبابه التي أمضاها مع المتمردين، موضحا: "لقد شاركت حياتي مع الكثير من الناس" خلال تلك الفترة. لكن نبرة صوته بدا عليها الحزن عندما بدأ يتذكر "العديد من الأصدقاء الذين ماتوا". وفي قرية هيكتور راميريز لإعادة الاندماج، يعيش الكسندر مع زوجته –وهي مقاتلة زميلة سابقة له– وينتظر حاليا مولوده الثالث. ويقوم بتعلم صنع الأحذية معربا عن أمله في البقاء بالقرية. ويقول ألكسندر: "إذا اضطررت إلى المغادرة، فسأعيش في الريف"، متذكرا كيف كان يتعلم زراعة قصب السكر والكسافا والذرة في الحقول التي كان المتمردون يزرعونها. وأضاف أن "المتمرد يعرف كيف يزرع الأرض". وتحولت حركة "فارك" الآن إلى حزب سياسي، بيد أن العديد من الكولومبيين ما زالوا ينتقدون اتفاق السلام ويتهمون الرئيس خوان مانويل سانتوس بعدم معاقبة المقاتلين السابقين على جرائمهم. وتردد ألكسندر قبل أن يقول إنه يتوقع أن يستمر السلام. وقال إنني "لا أحمل أي ضغينة ضد أي من الجنود (الذين قاتلوني)، وآمل أنهم لا يحملون أي ضغينة ضدي كذلك". *د.ب.أ