الطريقة "الهوليودية" التي تمت بها مداهمة مقر جريدة ”أخبار اليوم” بالدار البيضاء، مساء يوم الجمعة 23 فبراير 2018، وما تلاها من اعتقال الكاتب الصحافي توفيق بوعشرين مدير نشر “أخبار اليوم”و”اليوم24”؛ شكلت صدمة قوية لعموم المتتبعين للشأن العام وبخاصة المنتمين منهم للجسم الصحافي ببلادنا، مع ما شاب ظروفها وحيثياتها من غموض والتباس. وإذا كان الوكيل العام للملك، لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قد حاول تبرير قرار الاعتقال بوجود شكايات توصلت بها النيابة العامة، وأمرت على إثرها بإجراء بحث قضائي، كلفت به الفرقة الوطنية للشرطة القضائية؛ فإنه يكون بذلك قد أقرّ بمخالفة هذا الفعل للقانون الذي يحول دون اعتقال أي مواطن لمجرد تسجيل شكايات ضده من طرف مواطنين آخرين؛ فما بالك إذا تعلق الأمر بالصحافيين الذين باتوا محصنين أكثر في وجه مثل هذه الممارسات التي عفى عنها الزمن بعد المراجعات الهامة الي تضمنتها مدونة الصحافة والنشر في حلتها الجديد؛ بل وفي مأمن من الأحكام التي تقضي بسلب الحريات، إلا فيما نذر من القضايا الواردة في سياقات تتسم بدقيق الحيثيات. غير أن ما يبعث على الاستغراب حقّاً هو ما جاء في بلاغ الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث نص على أنه من أجل ضمان مصلحة البحث وحفاظا على سريته وصونا لقرينة البراءة، فإنه يتعذر في هذه المرحلة الإفصاح عن موضوع الشكايات. وكأنّي بالرجل تتم متابعته بناء على قانون افتراضي للأدلة السرية، على غرار ما هو معمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في ظل وجود قوانين تسمح للحكومة هناك باستعمال أدلة سرية لاعتقال شخصٍ ما دون تمكينه من الاطلاع على التهم التي أُلْصِقَتْ به أو الأدلة التي سِيقت لإدانته، كما يمكن احتجازه لفترة قد تفوق أربعة أعوام. وما المانع في أن نستلهم مثل هذه "الإبداعات" التشريعية التي ينذر أن تجد نظيراً لها في العالم، ما دامت تجمعنا بالأمريكان اتفاقية التبادل الحر؛ ونكون بذلك قد رَدَدْنا الصاع صاعين لتلك المنظمات الحقوقية الدولية التي ما فتئت تتصيّد زلاتنا وتتعقب عثراتنا كي تُضمنها في تقاريرها "المغرضة" التي تحاول "عبثاُ" النيل من تجربتنا الديمقراطية "الرائدة" و"إشعاعنا" الدولي "اللافت"؛ ولما لا نُقْدِم بعد ذلك على نصب تمثال ضخم نُحَنِّطُ فيه حرية الصحافة على غرار تمثال الحرية ببلاد العم سام. ومع ذلك لا يجب أن تفوتنا الإشادة باحترام مبدأ العدالة في مداهمة مقر جريدة ”أخبار اليوم” بالدار البيضاء، والتي تَغيّت اعتقال مدير نشر “أخبار اليوم”و”اليوم24”، فقد استدعى حمله لاسم "بوعشرين" توظيف عشرين عنصراً من الشرطة لتحقيق هذا المقصد "النبيل"؛ ممّا يجعلنا نتأمل خيراً في أن يتمتع بمحاكمة "عادلة" تُعَدُّ شرط ابتداءٍ وانتهاءٍ لاستحقاق صفة دولة الحق والقانون. وإلى حين أن ينقشع الضباب عن هذه النازلة المثيرة للجدل، وتتضح الرؤية بشكل جلي، ويُماط اللّثام عن دواعي المداهمة والاعتقال؛ ما على مناضلي الصحافة الحرّة إلا أن يلوذوا بوِرْدِ اللطيف رجاءً في المولى عزّ وجل أن يكفيهم شرّ مُداهمات اللّفيف!!!؟؟؟ *نائب برلماني سابق