في ظل حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن خطاب الحرب والصراع والتصعيد يسود على خطاب السلام والتسوية، والمنطقة مفتوحة على مزيد من الحروب والصراعات بالرغم من التراجع الكبير للمتهم الأول -تنظيم "داعش" وتوابعه -والاختفاء المُريب لقياداته. وعليه، فإنه من السذاجة حديث البعض عن حرب جديدة يشنها نتنياهو حتى يهرب من مشاكله الداخلية. فأينما يممت النظر في الشرق الأوسط إلا وترى وتسمع عن حالة حرب وصراع أو تهديد بها في مقابل تراجع خطاب وثقافة السلام والتعايش. فهناك الحروب الأهلية المفتوحة التي سببتها فوضى الربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا والعراق وما يجري في سيناء المصرية، هذه الحروب مرشحة لأن تتحول إلى حروب إقليمية وربما دولية مع التدخل الإيراني والتركي والروسي والإسرائيلي والأمريكي، وهناك إيران ومشاكلها مع واشنطن وبعض دول الجوار، والخلافات الخليجية الداخلية، وتوتر العلاقة ما بين مصر والسودان وتركيا، والتوتر على الجبهة الشمالية ما بين إسرائيل من جانب وسورياوإيران وحزب الله من جانب آخر. كل ذلك يُضاف إلى استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي ورفض تل أبيب الالتزام بمرجعيات واتفاقات التسوية السياسية، وسياسات إدارة ترامب المؤججة للتوتر. دون تجاهل دور الجماعات الإسلامية المتطرفة، خصوصا القاعدة وتنظيم الدولة في الحروب الأهلية المرتبطة بفوضى الربيع العربي، إلا أنه وبنظرة موضوعية وعلمية سنجد أن هذه الجماعات ليست وحدها السبب في هذه الحروب بالرغم من بشاعة ممارساتها، بل يمكن القول إن هذه الجماعات صُنعت صناعة من دول لخدمة مصالح هذه الدول وليس لتطبق برامجها وعقائدها. التركيز على الجماعات الدينية المتطرفة أخفى الصراعات الأخرى كما برأ الدول المُخططة والممولة، أيضا حوّل إسرائيل من متهم إلى ضحية أو إلى شريك في محاربة الإرهاب. الملاحظ أن تراجع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بل والحديث عن هزيمته، وهو المُتهم الأول بما يجري في دول ما يسمى الربيع العربي، لم يؤد إلى استقرار المنطقة أو يضع حدا لحالة الحرب المُعممة لا في سوريا ولا في غيرها من الدول، وما زالت الحروب والخلافات مفتوحة. حروب وصراعات تتعلق بخلافات حول الحدود وأخرى مرتبطة بالصراع على المصالح، وخصوصا الطاقة ومنابعها وأنابيب مرورها، وصراعات إثنية وطائفية ومذهبية، وأخرى حول المياه، وصراعات على السلطة، بالإضافة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير المرتبط مباشرة بالجماعات الإسلامية المتطرفة، بل إن إسرائيل وظفت هذه الجماعات وفوضى الربيع العربي لصالحها. لم تكن إسرائيل بعيدة عن حروب وصراعات المنطقة، بدءا من تأزم الاوضاع بين مصر وأثيوبيا والسودان، إلى الصراع في كردستان العراق، إلى الحرب في سوريا حيث الغارات الإسرائيلية لم تتوقف طوال سنوات وقد اعترفت إسرائيل بأنها نفذت 26 غارة على سوريا منذ 2011 حتى الآن بالإضافة إلى القصف المدفعي، كما أن إسرائيل ليست بعيدة عن المواجهات المسلحة في سيناء حيث قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن الطائرات الحربية الإسرائيلية شنت عشرات الغارات الجوية على سيناء لضرب مواقع لتنظيم "داعش"، أيضا حربها المتواصلة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. في ظل هكذا أجواء من الحروب المفتوحة في المنطقة تأتي قضايا فساد نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لتتحول من قضية إسرائيلية داخلية إلى سبب قد يدفع نتنياهو إلى الهروب نحو حرب خارجية كما يروج الحديث عند بعض المحللين والسياسيين، حيث ربط هؤلاء ما بين قضايا فساد نتنياهو والتوتر الذي جرى على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع سورياوإيران بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية، والتصعيد العسكري المتزامن على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة. في اعتقادنا، إن هذا الربط بين قضايا الفساد الموجهة إلى نتنياهو واحتمالات الحرب أمر ساذج بسبب كل ما أشرنا إليه من أن حربا إضافية جديدة في المنطقة لا تحتاج إلى قضية فساد في إسرائيل؛ فإسرائيل دولة حرب ودائمة الحضور في كل الحروب والمنازعات في المنطقة. وبالنسبة لقضايا الفساد المرفوعة على نتنياهو، فهي قضية داخلية وطبيعة النظام السياسي في إسرائيل لا تسمح بالخلط بين الأمور. إسرائيل دولة مؤسسات ليس من السهل على رئيس الوزراء تجاوزها والدخول في مغامرة حرب جديدة تهدد أمن واستقلال البلد، كما يحدث في الدول العربية حيث لا يتورع القادة وزعماء الميليشيات عن خوض حروب تهدد الوطن بكامله دفاعا عن عروشهم، هذا بالإضافة إلى أن أي حرب إسرائيلية خارجية لن تحدث إلا بموافقة واشنطن، وهذه الأخيرة التي تتهيأ لطرح مشروع جديد للتسوية السياسية غير معنية الآن بحرب جديدة تكون إسرائيل طرفا فيها إلا في حالات محددة. لا يعني ما سبق أن احتمالات قيام إسرائيل بحرب جديدة واسعة على الجبهة الشمالية أو الجبهة الجنوبية أمر غير وارد، فالحرب قادمة لا محالة ولكن هذه الحرب لن تكون قرارا من نتنياهو للهروب من مشاكله الداخلية، بل لأن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش بدون حروب ما دامت دولة احتلال وما دامت ترى نفسها فوق القانون الدولي والشرعية الدولية. حرب أو عدوان إسرائيلي جديد آت لا محالة إما على الجبهة الشمالية لأن إسرائيل لن تتحمل طويلا تعزيز قدرات حزب الله وقيام قواعد عسكرية إيرانية متقدمة في سوريا، أو حرب على غزة لإنهاء الدور الوظيفي لحركة حماس في القطاع وإحلال سلطة بديلة إن اقتضى تطبيق صفقة القرن ذلك ورفضت حماس التجاوب معها، وقد تحدث الحرب على الجبهتين، وهو ما ستحاول إسرائيل تجنبه. [email protected]