تقول مصادر رفيعة المستوى في واشنطن، أن أوباما عاقد العزم على تحقيق تسوية شاملة للصراعات الرئيسية في الشرق الأوسط خلال ولايته الرئاسية، فهو يرى أن مثل هذه التسوية ستكون ذات أهمية حيوية لأمن الولاياتالمتحدة، وأنها الوسيلة الوحيدة لإزالة الرواسب السامة من علاقتها مع العالمين العربي والإسلامي. ومنذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، شرع أوباما في برنامج طموح لصنع السلام الإقليمي إيماناً منه بأن استمرار الوضع القائم أمر غير مبرر، وأنه لم يعد هناك وقت يمكن تضييعه، وأن العامين القادمين يجب أن يكونا حاسمين بالنسبة لتسوية الصراع. وتشمل التسوية الشاملة حسب تصور أوباما: أولاً: اتفاقية إسرائيلية- فلسطينية بخصوص الوضع النهائي، تقوم على أساس حل الدولتين. ثانياً: اتفاقيات إسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان تشمل عودة هضبة الجولان لسوريا وعودة مزارع شبعا للبنان. ثالثاً: عقد صفقة كبرى مع إيران تتخلى بموجبها الجمهورية الإسلامية عن محاولتها الحصول على أسلحة نووية، في مقابل الحصول على ضمانات أنها لن تتعرض للهجوم، ورفع العقوبات المفروضة عليها، وإعادة ممتلكاتها المجمدة، وتطبيع علاقتها مع الولاياتالمتحدة، وإمكانية إدماجها في منظومة الأمن الإقليمي. ويعتقد على نطاق واسع أن أوباما يؤمن بضرورة اضطلاع الولاياتالمتحدة بالدور الرئيسي في جهود الوساطة الرامية للتوصل لحلول لتلك الصراعات، بدعم نشط من قبل الاتحاد الأوروبي. ونظراً لأن الصراعات المندلعة في المنطقة متداخلة فيما بينها على نحو لا انفصام فيه، فإن المفاوضات الرامية لحل تلك الصراعات يجب أن تتقدم على كافة الجبهات في وقت واحد. ومن السمات اللافتة للنظر حقاً في دبلوماسية أوباما قيامه بالربط بين الصفقة الكبرى ، التي يتصور التوصل إليها مع إيران، بتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي. ففي مقابل العمل الأميركي المُصمِم على نزع فتيل التهديد الذي يواجه إسرائيل جراء احتمال نجاح إيران في صنع أي قنبلة نووية مستقبلاً، يجب على الرئيس أيضاً العمل على حث إسرائيل على إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، والسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة والنمو. ويلاحظ أن الدبلوماسية الإقليمية تحث خطاها هذه الأيام، فجورج ميتشيل، مبعوث أوباما الخاص للشرق الأوسط، أكمل مؤخراً زيارته الثالثة إلى المنطقة. كما قابل أوباما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ووجه الدعوة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والرئيس المصري حسني مبارك للحضور كل على حدة إلى واشنطن والاجتماع به خلال الأسابيع القليلة القادمة. ويعتقد أيضاً أن الرئيس السوري بشار الأسد يأمل هو الآخر في عقد اجتماع في القريب العاجل مع الرئيس الأميركي. هناك عدة سمات في الوضع الحالي تؤشر على أن اللحظة الحالية ربما تكون لحظة ملائمة تماماً لتحقيق طموح أوباما في صنع السلام. ومن دون شك فيه أن شهرته الشخصية، وسلطته السياسية تشكلان ميزتين هائلتين، علاوة على أنه يمتلك نوعاً من التفهم المتعاطف لمخاوف إسرائيل العسكرية، ولطموحات العرب والمسلمين في الآن ذاته. والمعروف أن حرب غزة الأخيرة قد أثارت موجة غضب عارمة واسعة النطاق، أدت إلى إقناع الرأي العام العالمي بالحاجة العاجلة إلى إرساء السلام في الشرق الأوسط، علاوة على أنها جعلت العديد من الإسرائيليين يدركون عدم جدوى الحلول العسكرية لصراعهم مع الفلسطينيين. وفي الولاياتالمتحدة، يحقق اللوبي الجديد الموالي ل إسرائيل والداعي للسلام مع العرب في ذات الوقت المسمى جيه ستريت J Street -مضى على تشكيله الآن قرابة عام -بعض النجاح في إبعاد اليهود الأميركيين عن الأراء المتطرفة الموالية لـ الليكود كما تجسدها لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) AIPAC . في إسرائيل نجد أن حكومة نتانياهو هشة وقد لا تستمر طويلاً. فوزير خارجيته المتطرف، أفيجدور ليبرمان، الذي يخضع لتحقيق جنائي من قبل الشرطة، قد يجبر على ترك منصبه في أي وقت، كما أن الائتلاف نفسه، قد يظل تحت رحمة احتمال خروج شركائه من اليمين المتطرف في أي وقت. والطبيعة المتشظية للسياسات الإسرائيلية والفلسطينية قد تكون في صالح أوباما، حيث من الواضح أن الطرفين غير قادرين على تحقيق السلام بمفردهما، مما يعني أن جهود تسوية الصراع يجب أن تؤخذ من أيديهما، وتوكل إلى قوة أخرى هي الولاياتالمتحدة التي لا توجد هناك قوة أفضل منها في القدرة على تحقيق تلك التسوية. الشيء اللافت أن أوباما لم يلقّ خطباً يمد من خلالها يده لإيران، ويعلن التزامه بحل الدولتين للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي فحسب، بل عمل أيضاً على اتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق هذا الهدف. تفيد التقارير الواردة من واشنطن أن الإدارة قد بدأت بالفعل حملة من أجل إقناع الكونجرس، المعروف بأن العديد من أعضائه ميالون بقوة إلى إسرائيل ، بأن وقت السلام قد حان، وأنه لا مفر من اتخاذ القرارات الصعبة. فضلاً عن ذلك، منح أوباما دعمه لخطة السلام العربية، التي دُشنت للمرة الأولى في القمة العربية في بيروت عام 2002. وهذه الخطة تمنح إسرائيل السلام، وفرصة تطبيع العلاقات بينها وبين 22 دولة من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، مقابل التزامها بالانسحاب إلى حدود 1967، وسماحها بظهور الدولة الفلسطينية للوجود. ومن الواضح أن أوباما عاقد العزم على حشد الدول العربية الرئيسية وراء دبلوماسيته السلمية، وهو ما يتبدى من قيام إدارته بالتنسيق على نحو وثيق مع السعودية، ومصر، والأردن، والمغرب، بل ومع سوريا ودول الخليج العربية أيضاً، لأنه يدرك تماماً أن المساندة العربية الواسعة النطاق سوف تكون أمراً مطلوباً لأية تسوية