يمتاز المغرب بموقعه الإستراتيجي في غرب شمال إفريقيا، ولا تفصله عن أوروبا إلا أربعة عشر كيلومترا، عبر مضيق جبل طارق، وكذلك بتنوع تضاريسه (جبال الأطلس والريف، الصحراء الكبرى...) وطول شواطئه (المحيط الأطلسيٍ، البحر الأبيض المتوسط، 3500 كيلومتر). كما تزخر جهات المملكة المغربية بمؤهلات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية؛ فبمنطقة ورزازات، وسط المغرب، يتراوح المتوسط السنوي للإشعاع الشمسي الكلي في اليوم على المستوى الأفقي من 3.86 إلى 7.85 كيلوواط-ساعة لكل متر مربع، أي 7.9 إلى 11.2 ساعة من أشعة الشمس كمعدل سنوي يوميا، والطاقة الريحية، على ارتفاع عشرة أمتار، في منطقة طنجة بالشمال، حيث يصل المعدل السنوي لسرعة الرياح إلى 10 أمتار في الساعة، وبمنطقة الداخلة بجهة العيون والساقية الحمراء بالجنوب تتراوح سرعة الرياح بين 7 و8.5 أمتار في الساعة. يعتمد المغرب على استيراد أكثر من 96٪ من استهلاكه الوطني من الطاقة، ويرتفع استهلاكه من الطاقة الكهربائية بحوالي 8٪ سنويا، فلهذا اعتمد سنة 2009 إستراتجية طاقية وطنية جديدة متعلقة بالطاقات المتجددة، ترتكز بالأساس على الرفع من نسبة مساهمتها في استهلاكه الوطني من الكهرباء، وتطوير اقتصاد استهلاك الطاقة النظيفة، ما سيمكنه من تقليص فاتورته الطاقية وتبعيته للخارج للتزود بالطاقة، ومن الحد من انبعاثاته من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ومحاربة التغيرات المناخية؛ وبالتالي المساهمة في الحفاظ على البيئة. وتمت ترجمة هذه الإستراتجية إلى خارطة طريق متضمنة لأهداف محددة وبرامج عمل مفصلة على المدى القريب والمتوسط. كما قام المغرب ببلورة رؤية إستراتجية تتعلق بالنجاعة الطاقية، تهدف إلى تحقيق اقتصاد في الاستهلاك الطاقي يقدر بحوالي 20٪ في أفق 2030. وتستهدف هذه الإستراتجية القطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة، وخصوصا قطاعات النقل والبنايات والصناعة، بالإضافة إلى كل من قطاعي الزراعة والإنارة العمومية. منذ سنة 1945، يعتبر بناء السدود بالمغرب من أهم محاور تدبير المياه السطحية، كما يحظى قطاع الطاقة الكهرومائية بأهمية خاصة منذ سنة 1960، إذ يمثل حوالي ربع قوة الطاقة الكهربائية الوطنية المنجزة (1800 ميغاواط)، ويساهم ب5.1٪ إلى 13.7٪ من استهلاكه الوطني الصافي للكهرباء، لارتباطه بكمية هطول الأمطار. سنة 2009، تم إطلاق إستراتيجية استخدام الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتوليد الطاقة الكهربائية، بخلق "الوكالة المغربية للطاقات الشمسية" (مازن)، التي أصبحت "الوكالة المغربية للطاقة المستدامة"، لتطوير الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية، الريحية والمائية، وتعزيز الاندماج الجهوي مع إفريقيا جنوب الصحراء، أوروبا والدول العربية، مع تقوية الروابط مع الفاعلين الرئيسيين على المستوى العالمي. ومن خلال نموذجه الفريد للتنمية المستدامة وتركيزه على استغلال الطاقات المتجددة وانفتاحه على توجهات السوق العالمية للكهرباء، يمكن للبلد التحقق من الفاعلين الرئيسيين الدوليين في هذا القطاع، والتعرف على أحدث الابتكارات، وكفاءة الطاقة والتكنولوجيات النظيفة. في ضوء هذه الأهداف، بدأ المغرب في إنجاز المرحلة الثانية من مخطط الطاقة الشمسية "نور"، بإنشاء سلسلة جديدة من محطات للطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيا بالعيون، بوجدور، ميدلت وطاطا. ويعتبر مجمع الطاقة الشمسية "نور-ورزازات" (580 ميغاوط) من بين أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، فهو أول مشروع تشرف عليه "مازن"، ويتألف من أربع محطات للطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيا، وصمم في احترام كامل للمعايير الدولية، سواء من الناحية التكنولوجية أو البيئية، متضمنا منصة للبحث، وللتجارب وللتكوين. ومن اهتمامات وأهداف الوكالة كذلك نذكر: - تنزيل وتقييم الإستراتجية الطاقية الوطنية، خاصة تلك المتعلقة بالطاقات المتجددة. - دور معادلة الكلفة والفعالية لتكنولوجيات التخزين الطاقي. - آثار التقليص من تكاليف التخزين على توقعات الطلب على الكهرباء وإستراتيجية تزويد السوق الوطني. سنة 2014، تم بناء أول محطة هجينة للطاقة "غاز طبيعي-أشعة شمسية" (472 ميغاواط)، بمنطقة وجدة، شرق المغرب، مدمجة للطاقة الشمسية (20 ميغاواط). سنة 2016، بداية استغلال الشطر الأول (160 ميغاوط) من محطة الطاقة الشمسية "نور-ورزازات"، مستخدمة تكنولوجيا لوحات "أسطواني-مقعر" لتركيز أشعة الشمس، مع سعة تخزين الكهرباء لمدة ثلاث ساعات، والتي سيتم استخدامها خلال ساعات الذروة. ويجري حاليا إنجاز الشطر الثاني (200 ميغاوط) والثالث (150 ميغاوط) من مشروع "نور ورزازات"، باستخدام نفس التكنولوجيا، مع برج حراري شمسي وهليوستات بالنسبة للشطر الثالث، لكن مع سبع ساعات كسعة تخزين. أما في قطاع طاقة الرياح، من بين أهم المحطات المنجزة: سنة 2000، تم تركيب أول محطة لطاقة الرياح "كوديا البيضاء"، تطوان، (50 ميغاواط). وسنة 2014 شيدت أكبر محطة لطاقة الرياح (300.1 ميغاواط) بإفريقيا، بمنطقة طرفاية، جنوب المغرب، متفوقة على محطة "أشيغوداي" (120 ميغاوط) بإثيوبيا. في نهاية سنة 2016، بلغ إجمالي قوة الكهرباء المنجزة باستعمال الطاقات المتجددة 2845 ميغاوط، منها 1770 ميغاوط للطاقة الكهرومائية، و895 ميغاوط للرياح و180 ميغاوط للطاقة الشمسية. نهاية 2017، بلغ المغرب 34٪ بالمائة من القدرات المثبتة من الموارد المتجددة في ما يتعلق بالباقة الكهربائية الوطنية. وستعرف سنة 2018 انطلاقة استغلال مراكز نور ورزازات 2، 3 و4، بالإضافة إلى نور العيون 1 ونور بوجدور1. أما قطاع الطاقة الريحية فسيعرف سنة 2018 بداية استغلال المحطات المطورة في إطار القانون 13-09 لقدرات تقارب 300 ميغاواط، كمحطتي تازة وميدلت. كما يتوقع برنامج المغرب في قطاع الطاقة تحقيق قوة كهربائية إضافية تبلغ حوالي 7249 ميغاواط لتلبية الطلب الذي من المتوقع أن يزيد بمعدل 5.1٪ سنويا خلال الفترة الممتدة من سنة 2017 إلى 2020، منها 5403 ميغاواط من الطاقة المتجددة، أي حوالي 74٪، منها 1356 ميغاواط من طاقة الرياح، و3425 ميغاواط من الطاقة الشمسية و622 ميغاواط من الطاقة الهيدرومائية. مع نهاية 2030، تتوخى هذه الإستراتجية الطاقية أن تكون حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 40٪ مقارنة مع 13٪ سنة 2016 وفقط 2٪ سنة 2009. أي في نهاية المطاف، 1330 ميغاواط للطاقة الهيدرومائية مقابل 4560 ميغاواط للطاقة الشمسية و4200 ميغاواط لطاقة الرياح. أصبح استهلاك الطاقات المتجددة بالمغرب في السنوات الأخيرة بارزا وفي تنام مستمر، يتجلى في الشروع في بناء الشطر الرابع والأخير (70 ميغاوط) بمحطة "نور ورززات"، مستعملا تكنولوجيا الأنظمة الكهروضوئية، وهذا يسمح بإنتاج الطاقة الكهربائية مباشرة من الإشعاع الشمسي الذي يتم التقاطه من قبل خلايا نصف-موصلة كهروضوئية. ويجري إنجاز هذه المحطة في إطار شراكة تجمع بين الوكالة المغربية للطاقة الشمسية "مازن"، الفاعل المركزي في مجال الطاقات المتجددة بالمغرب، ومجموعة من الفاعلين الخواص، في مقدمتهم مجموعة "أكوا باور" السعودية؛ وذلك بعد طلب عروض دولية. كما شرعت المملكة في تنفيذ مجموعة من المشاريع الطاقية النظيفة، التي تصل قدرتها إلى ما يزيد عن 1200 ميغاوط. كما استطاع المغرب احتلال مرتبة متقدمة قاريا في مجال الطاقة الشمسية والمرتبة الثانية في مجال الطاقة الريحية، وتمكن من تجاوز عتبة 1000 ميغاواط خلال سنة 2017، متجاوزا مصر، ويقترب من جنوب إفريقيا التي أنجزت 1582 ميغاواط. ومن شأن إنجاز هذه المشاريع أن يبوئ المملكة المرتبة الأولى قاريا خلال السنتين المقبلتين. تفتح المملكة بهذه السياسة الطاقية آفاقا جديدة لتطوير الطاقة النظيفة مستقبلا في إفريقيا بوجه خاص، وتتوخى من إستراتيجيتها تطوير الطاقات الكهروضوئية الشمسية والحرارية والريحيةٍ، مصحوبة بمجموعة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية والمؤسساتية، مع تحسين المزايا الضريبية لتشجيع الاستثمار. زيادة على ذلك، قام المغرب بتسريع وتيرة الانتقال الطاقي في سنة 2015، وذلك برفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52٪ من القوة الكهربائية المنشأة في أفق سنة 2030، وهو ما استلزم تطوير قوة كهربائية إضافية من الطاقات المتجددة تناهز حوالي 11 ميغاواط، باستثمار إجمالي يقدر بنحو 30 مليار دولار أمريكي. كما يعتبر المغرب من أنشط البلدان الإفريقية استثمارا في هذا القطاع، ما جعل منه بلدا رائدا على الصعيد الجهوي والإفريقي، وجعل الطاقات المتجددة رافعة حقيقية للتعاون جنوب-جنوب وللمساهمة في تنمية بلدان إفريقيا جنوب الصحراء التي تتوفر على رصيد طاقي متجدد أكيد؛ كما يقوم بدور ريادي على الصعيد الإفريقي من خلال التكوين والخبرة المقدمة لمجموعة من الدول الإفريقية. تثير برامج ومشاريع الطاقات المتجددة اهتماما متزايدا من لدن المستثمرين الدوليين والمحليين، ما مكن المملكة في هذا الصدد من جلب الاستثمار في هذا القطاع، إذ تم إحداث وحدة صناعية من طرف مجموعة "سيمنس" الألمانية، باستثمار ناهز 100 مليون أورو، لصناعة شفرات توربينات الطاقة الريحية. كما تتوخى المملكة من استغلال مواردها الطبيعية في قطاع الطاقات المتجددة الحفاظ على البيئة، وكذا العمل على استدامة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة، والوفاء بالتزاماتها الدولية التي تبنتها خلال "كوب22"، المنعقد بمراكش سنة 2017، ضمن ٍطار اتفاق باريس التاريخي حول التغيرات المناخية، المبرم سنة 2016، والمتعلقة بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، خاصة ثاني أكسيد الكربون. وستمكن مشاريع الطاقة المتجددة بالمغرب من اقتصاد استهلاكه للطاقة الأحفورية، بخلاف الجزائر ومصر وليبيا وتونس، حيث يهيمن استهلاك النفط والغاز الطبيعي بما يفوق 90٪. كما أن المغرب سطر هدفا إستراتجيا يتمثل في أن يصبح المزود الأول والمستدام للاتحاد الأوربي بالطاقة الكهربائية النظيفة من خلال إنشاء خط لنقل الطاقة الكهربائية إلى إسبانيا وإيطاليا. وتهدف المملكة إلى أن تشكل مركزا إقليميا لتصدير الطاقة الكهربائية النظيفة وبكلفة منخفضة لجيرانها، زيادة على الانعكاسات السوسيو الاقتصادية الإيجابية للقطاع، خصوصا في مجال الاستثمارات، وتوفير تكوينات مؤهلة، وخلق فرص الشغل، ونقل التكنولوجيا وتنمية مناطق تمركز مشاريع الطاقات المتجددة. كما أن إنشاء خط أنبوب الغاز، الأقل تلوثا من استعمال الفحم والبترول، وطوله أكثر من 5000 كيلومتر، والذي سيربط نيجريا، ثالث أكبر منتج للغاز في إفريقيا، بأوربا مرورا من المغرب، يكتسي أهمية بالغة؛ فإنجاز هذا المشروع الهام، اقتصاديا واجتماعيا سيعزز علاقات المغرب في الساحة الإفريقية والأوربية، ما يعطي مصداقية لسياساته الاقتصادية ويخلق الثقة في دبلوماسيته بشمال إفريقيا. ومن المزايا الإيجابية لاستغلال الطاقات المتجددة كذلك، حسب توقعات الدراسة الذي قام بها مجموعة من الباحثين، وعلى رأسهم فولفرام شلينكر، أستاذ علم الاقتصاد بجامعة كولومبيا، فإن الزيادة السريعة في الاحتباس الحراري عالميا قد تؤدي إلى زيادة عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوربي لثلاثة أمثاله بحلول 2100، في حالة ارتفاع حاد في درجة الحرارة بشكل يضرب المحاصيل، ليضاف إلى العوامل التي تجبر الناس على ترك أوطانهم، كالحرب والاضطهاد. *أستاذ باحث بكلية العلوم، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب [email protected]